كشفت الانتخابات الإسرائيلية، التي أجريت الثلاثاء الاسبوع الماضي ، عنوانا بارزا، يتعلق بفشل رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو في الحصول على الأغلبية، مما يطرح تساؤلا عريضا بشأن مستقبله السياسي.لاسيما وأن هذه الانتخابات قد تكون الأخيرة له، على اعتبار أنه يواجه اتهامات بالفساد، و الفوز بالانتخابات كان طوق النجاة بالنسبة له . مع العلم ان رئيس الوزراء ليس ملزما قانونيا التنحي في حال وجهت إليه التهمة بل فقط إذا ما أدين واستنفد جميع الطعون. لكن يمكن إجبار الوزراء الآخرين على القيام بذلك عند اتهامهم على كل حال .
النتائج كانت صفعة لنتانياهو الذي كلف من جديد لتشكيل الحكومة والتي ليست من السهولة عليه في ولادتها ولرئيس الولايات المتحدة أيضا، دونالد ترامب الذي يعد من ساندين المتشددين لليكود وفي نقل السفارة الامريكية للقدس المحتلة في الفترة الماضية و رغم ان حقق الازرق والابيض برئاسة بيني غانتس على 33 مقابل 32 لليكود برئاسة نتانياهو مما يعني ان يكون على رأس الحكومة بات بعيداً المنال وبعد رفض غانتس شروطه في اللقاء الاخير مع رئيس الكيان الاسرائيلي والذي استغرق 4 ساعات دون نتيجة والمطلوبة منه قبول الشروط بأي شكل من الاشكال ليكون بعيداً عن المحاكمة على الاقل في الوقت الحالي والذي يعد في “محل شك” بالنسبة للمتابعين ،
ولانهما مثل الافعى والعقرب ولا فرق بينهما في اللدغ حين تتخيل وتلاحظ وتشاهد وسوف يواجه من يكلف تشكيل الحكومة مهمة قد تكون مستحيلة. فكل من الطرفين يبقى عاجزاً عن تشكيل حكومة رغم تمكن نتانياهو من الحصول على تأييد 55 نائباً لتشكيل ائتلاف وغانتس على تأييد 54 نائباً. لكن ذلك لا يمكن أيا منهما تشكيل حكومة لأن الأغلبية تتألف من 61 نائباً. او طرح ترتيب التناوب على رئاسة الحكومة. لكن تبقى مسألة من سيكون رئيس الوزراء أولاً حجر عثرة رئيسياً. فالتوقيت مهم بشكل خاص لنتانياهو الذي قد يواجه اتهامات بالفساد في الأسابيع المقبلة، وسيمثل في جلسة استماع في اوائل تشرين الأول/أكتوبر .
وقد دلّ التراشق الكلامي بين نتنياهو وعضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش، من كتلة “اليمين الموحد”، قبل أيام قليلة من الانتخابات ، على وجود توتر كبير بين الجانبين، اللذين يعتبران “شريكين طبيعيين”. وبعد مهاجمة سموتريتش لنتنياهو، استدعاه الأخير وهدده بإقالته من منصبه الوزاري إذا لم يعتذر. وقد اعتذر سموتريتش.
وبين المؤشرات على وجود توتر كهذا، و مطالبة نتنياهو وزراء وأعضاء الكنيست من الليكود بالتوقيع على ورقة ولاء له هي “مرحلة أخرى في تقوض مكانة نتانياهو السياسية. إذ لا حاجة لجمع تواقيع حول أمر مفهوم ضمنا .
وبعد النتائج التي تظهر منها تفوق الابيض والازرق على اليكود .. قال رئيس وزراء الكيان إسرائيلي بنيامين نتنياهوالمنتهية رئاسته، إنه لا مجال أمامه لتشكيل حكومة يمينية بعد نتائج الانتخابات التى جاءت متقاربة، وحث منافسه بينى جانتس الذى ينتمي لتيار الوسط إلى الانضمام إليه لتشكيل حكومة ائتلافية موسعة.
ان القوائم التي انتُخبت لا تمثّل تناقضات في مواقف سياسيّة من الأمن أو المجتمع أو حتّى الاقتصاد، بقدر ما تُمثّل هويّات إثنيّة ودينيّة موجودة ومتصارعة داخل دولة الاحتلال. وعليه، فإن أهم ما أنتجته هذه الدورة الانتخابيّة هو إحراز مستوى رفيع من حصر كل هويّة اجتماعيّة في تمثيل سياسيّ محدّد. وهو ما ينفي “التعدّديّة” السياسيّة تماماً داخل كل شريحة هويّاتيّة في كيان اسرائيل .
وهي الديناميكيّة التي يحاول نتنياهو العمل عليها ومن خلالها ولا أن يحافظ على حكمه فحسب، بل أن يؤسس تغييرات بنيويّة في النظام الإسرائيليّ و لابد من حكومة ملتزمة تجاه يهودية الدولة ويستغل نتنياهو التمترس الهويّاتيّ في المجتمع الإسرائيليّ ليُصمم نظاماً سياسيّاً قادراً على الصمود في صراعٍ “أبديّ”، على حدّ تعبير نتنياهو. يبني نظاماً سياسيّاً يحصّن الحكم من إمكانيّة الخضوع أو الانكسار تحت الضغط الاجتماعيّ في حالة الحربٍ الطويلة الأمد.
والمقابل المخجل والحزين من نموذج الفعل السياسيّ الذي تقدمه الأحزاب الفلسطينيّة في الداخل والتي قررت خوض انتخابات الـ”كنيست”؟ ان تُسَخِّرُ تلك الأحزاب الانتخاباتِ لتصميم “بناءٍ سياسيٍّ” مؤهّلٍ للصمود في الصّراع مع الكيان الصهيونيّ كما تعتقد ، ولإسقاطه، وللمساهمة في بناء مستقبل الشعب الفلسطينيّ ، و هي أحزاب تمثّل شريحة هويّاتيّة عربيّة تسعى لتحصيل ميزانيّات وامتيازات، وتدعو جمهورها للتصويت لها لأنها عربيّة “مثلها مثله”، بينما هي تتصرف سياسيّاً كأنّها “واحدة من الهويات الإسرائيليّة”؟ ولن تكون حكومة تعتمد على أحزاب عربية معادية للصهيونية .والحزبان الفائزان فهما ليس ضد الاستيطان ولا يدعما حلاً للصراع بين الفلسطينين بالمطلق واسرائيل .
ومن جانب اخر يحتدم النقاش بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة حول مستقبل أوضاعهم في ظل السيناريوهات المختلفة لما بعد الانتخابات، وحول مآل صفقة القرن. وتتمسك الاحزاب الفلسطينية بمطالبتها بوقف الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية . والبعض الاخر لا يرون فروقاً رئيسية بين اليمين وما يطرحه حزب الازرق والابيض الذي يعتبر وسطي الادعاء .
ويتمنون أن يأتي رئيس وزراء آخر يتطلع نحو السلام مع الشعب الفلسطيني، وليس بفرض عقوبات على الشعب الفلسطيني،في حين ان الوسط، هم يطرحون القدس الموحدة واستمرار الاستيطان والسيطرة على الأغوار. وهناك اطراف تسعى الى توحيد صفوف الفصائل الفلسطينية إيماننا منها بأن الوحدة الوطنية فريضة شرعية وضرورة وطنية في الوقت الحالي ، لما تحيط بقضيتهم من تهديدات استراتيجية حقيقية وأنه لا يمكن لشعب يرزح تحت الاحتلال أن ينجز مشروع تحرر دون وحدة داخلية حقيقية متماسكة” وخاصة وان الفلسطينيون لا يعلقون آمالاً كبيرة على نتائج الانتخابات الإسرائيلية ، رغم أن تأثيرنتائجها قد يكون مباشرة على حياتهم. ويشعر بعض الفلسطينيين بالقلق لجهة أن تتسبب حملة الانتخابات الإسرائيلية بمزيد من التحريض في إسرائيل ضد الفلسطينيين والعرب عموماً. ويظهر عقب توسع خطابات الكراهية في المجتمع الإسرائيلي ضد الفلسطينيين منذ فترة اخذت تزداد بشكل واسع بين الاوساط الصهيونية الدينية المتشددة خاصة.