على الرغم من وصف البعض لمجريات الانتخابات الإيرانية التشريعية وانتخابات مجلس الخبراء التي من المقرر أن يجري الاقتراع فيها الجمعة المقبلة بالتقليدية حيث الوجوه المتنافسة ذاتها، والتيارات والبرامج لا تغيير يذكر في فلسفتها وفكرها، إلا أن قراءة معمقة بين السطور تشير إلى ما هو غير تقليدي لا سيما فيما يتعلق بتوقيت هذه الانتخابات وشكل المرحلة الحبلى بالصراعات الإقليمية والتغيرات السريعة داخل إيران وخارجها. يستشف ذلك بشكل خاص من تصريحات القادة الإيرانيين، وأخرها ما جاء على لسان المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، علي خامنئي، وعبّر من خلاله عن خشيته من الانفتاح على الغرب عقب التوقيع على الاتفاق النووي الأخير بين طهران والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة لألمانيا، وأسفر عنه رفع الكثير من العقوبات الاقتصادية اعتباراً من يناير 2016. وفيما يعتقد خامنئي والعديد من قادة النظام بأن رفع العقوبات عن إيران يشكل خدمة له تمكنه من السعي لرفع نسبة المشاركة في الانتخابات التي يسوّق فيها نفسه بالفارس الذي أدار الأزمة باقتدار واستطاع في نهاية الأمر أن يفتح باب الأمل في انتعاش اقتصادي قادم واندماج في المجتمع الدولي بعد عزلة صعبة دفع الشعب الإيراني ثمنها من قوته على مدى سنوات طويلة، إلا أن النظام يخشى مما يمكن أن يكلفه من أثمان لهذا الانفتاح أو الاندماج لا سيما في جوانبه الثقافية والسياسية والاجتماعية. لذا فإن النظام (تحديدا التيار المسمى بالمحافظ إلى جانب المؤسسة العسكرية) يسعى في هذه الانتخابات إلى ضمان تصدره، لمواجهة نتائج الانفتاح التي تشكل تحديات لوجوده، لا يمكن معها الارتكان إلى قدرة ما يعرف بالتيار الإصلاحي، وحتى التيار المعتدل، في مواجهة هذه التحديات التي من شأنها أن تهدد النظام بأجنحته المختلفة، وان اختلفت التسميات. بمعنى آخر فإن المنافسة تبدو على أشدها بين ركنين من أركان النظام، أحدهما يسعى للحفاظ على مراكزه ومكتسباته في السيطرة على مفاصل الدولة بما فيها المؤسسة العسكرية، على رأسها الحرس الثوري الإيراني، والمتمترس خلف نظرية ولاية الفقيه، وآخر يرغب في التحرك داخل دائرة أكثر اتساعاً في التعامل مع الغرب تحديداً في المجال الاقتصادي، مع التقليل من هيمنة المؤسسة العسكرية وسعيها إلى التحكم بشكل مستمر والتأثير في صناعة القرار. وفي وقت ينظر فيه المواطن الإيراني لأول انتخابات تجري بعد رفع العقوبات الاقتصادية كبارقة أمل تأتي بمن تأتي به من أجل تحسين الوضع الإقتصادي فحسب، فإن الأطراف المتنافسة تدرك بأن تحديات الخارج ليست بأقل من الداخل، بعدما زج النظام بنفسه في ساحات صراع إقليمي في عدد من دول المنطقة، مدفوعاً بأحلامه التوسعية، ليضعه موضع المواجهة مع دول في المنطقة، وشعوبها التي أراقت الميليشيا الطائفية المدعومة من الملالي دماءها بغزارة، إلى حد بات من الصعب معه التنبؤ إلى ما ستؤول إليه نتائج هذه الصراعات، التي تستنزف منذ سنين كافة الأطراف الإقليمية، وعلى رأسها إيران التي ألقت بكل ثقلها في أتون هذه الصراعات. خلاصة القول، فإن الانتخابات لن تأتِ بمن يملك العصا السحرية لحل أزمات إيران المستعصية، والتي كانت نتاج سياسات النظام طيلة السنوات الماضية، في بلد ديمقراطيته في الأصل “عرجاء” ينص دستوره على استفراد الولي الفقيه بالحكم المطلق لكافة السلطات، حيث أن اختيار المرشحين للمجلس التشريعي لا يخرج من يد النظام، فلا يسمح لأي معارضة من خارج هذا الطيف السياسي والعقائدي بالترشح، وبالتالي لا مستقبل لأي مكون سياسي لا يخرج من تحت عباءة الولي الفقيه.