19 ديسمبر، 2024 2:10 ص

الامم المتحدة وسيلة لهيمنة الدول العظمى

الامم المتحدة وسيلة لهيمنة الدول العظمى

في الوقت الذي تعقد الامم المتحدة دورتها الثانية والسبعين يعيش العالم في موجة من الاحداث والاتفاقات والخروقات تقف عاجزة حتى عن الرقابة عليها او اصدار تصريح استنكار بشأنها. حتى بالوسائل السياسية والدبلوماسية التي تعتبر من أحسن الوسائل لحل المنازعات الدولية وأيسرها وهي وسيلة تتميز بالاحترام الشديد للسيادة الوطنية للدول الأخرى، ولما لها من مزايا فهي وسيلة واجبة الإتباع لجميع الدول الكبيرة منها والصغيرة لكونها اقتراحات تقدم للدول ما يعني الاعتراف للأطراف بحق البحث عن وسيلة أو وسائل أخرى لحل نزاعهم .

رغم خطط العمل المنبثقة عن سلسلة من المؤتمرات الدولية التي نظمتها على تعزيز المعايير التي تضمنتها العهود والاتفاقات الدولية واكتسبت هذه المؤتمرات الأهمية بكونها منتديات حقيقية لاتخاذ القرارات حول السياسات الوطنية والدولية المتعلقة بالقضايا العالمية المختلفة فانها تقف اليوم دون حراك لان قرارات هذه المنظمة الواسعة أصبحت تتعرض لمظاهر الهيمنة يتمثل في تسخير المنظمة العالمية في خدمة المصالح الحيوية للقوى العظمى. وبصفة عامة فان استفحال ظاهرة التدخل قد تمخض ليس فقط عن التراجع في مصداقية الأمم المتحدة، بل إن التفاعل في المصالح الدولية أخرج الكثير من القضايا التي كانت تعد من صميم الاختصاص الداخلي إلى المجال الدولي.

كما أن المعيار القانوني لم يعد هو الأساس، بل أصبح المعيار بالدرجة الأولى سياسياً، وهي وضعية لم تعد الكثير من الدول قادرة معها على الاحتماء بالقانون الدولي لمنع تدخل الآخرين في شؤونها .وقد أقر غوتيريش الامين العام لهذه المنظمة بأن “البيروقراطية والهياكل المجزأة والإجراءات المعقدة تقوض عمل منظومة الأمم المتحدة ” إلا ان قوانينها لا تزال إحدى الأدوات الرئيسية لحل المشكلات الدولة اذا ما تم التعامل معها بشكل سليم وتم تحصينها ، كما تعد رمزاً للتعاون والتنسيق البنَّاء بين الدول وللأمم المتحدة العديد من الوسائل القسرية أو غير السلمية لحفظ السلم والأمن الدوليين وهذه الوسائل تضمنها الفصل السابع من الميثاق بدءا من المادة 39 إلى المادة 51 من الميثاق والتي حدد تلك الوسائل وهي أولا حالة الأمن الجماعي المنصوص عليها في المواد 39 و42 و43 من الميثاق، وكذلك حق الدفاع الشرعي المنصوص عليها في المادة 51 ثم حالة استخدام القوة ضد العضو الممتنع عن تطبيق حكم محكمة العدل الدولية عملا بالمادة 94 من الميثاق. وإن كان أمر إتباع إجراء دون الآخر مسألة تقديرية لمجلس الأمن الذي له حرية إتباع إجراء دون آخر، . أن فعالية الأمم المتحدة وقدرتها على تحقيق أهدافها ظلت ضعيفة من الناحية العملية منذ تأسيسها، حيث لم تستند هذه المنظمة على أي شكل من أشكال القوة الحقيقية التي تؤهلها للقدرة على التأثير من مجريات الأحداث في العالم بحيث ظلت إرادتها مرهونة بإرادة الدول الكبرى و فشلت في حفظ الأمن الدولي وبذلك برزت طلبات عديدة في أورقة الأمم المتحدة تدعو إلى إصلاح حال الأمم المتحدة لتكون تعبيرا حقيقيا عن حال العالم اليوم. وقد فشلت في مواجهة منع العدوان الأنجلو أمريكي على أفغانستان وأعادت الكرة على العراق وبدأت رحلة طويلة مع النظام العراقي السابق لتبادل الاتهامات وتدرج الحجج المختلفة لتدبير هجومها وعدوانها على العراق واحتلال أراضي ،وعدوان التحالف العربي على اليمن والدولي على الجمهورية السورية وفي بورما ضد مسلمي روهنغيا ، رغم أن العدوان أمرا مخالفا للقانون الدولي وانتهاكا صارما لميثاق الأمم المتحدة، مما يستلزم تدخل مجلس الأمن الدولي بموجب الميثاق، حيث تقع على عاتقه المسؤولية الرئيسية عن صون السلم والأمن الدوليين. وللمجلس 15 عضوا، ولكل عضو صوت واحد. والمسؤولية تقع على جميع الدول الأعضاء الإمتثال لقرارات المجلس وبوصفه صاحب الاختصاص الأصيل بردع العدوان وحفظ السلم والأمن الدوليين أو الجمعية العامة عند عجز مجلس الأمن عن ذلك ملحقا لقرار الاتحاد لأجل السلم الذي منح الجمعية العامة الاختصاص بمواجهة جميع حالات تهديدا السلم والأمن الدوليين أو أعمال العدوان. وعكس ذلك يعني انها طرف في العدوان بصمتها وتواطؤها ويصل الى حد التعاون مع العدوان على الكثير من البلدان الشاهد الاكبر ودليل على الدور السلبي واللا مسؤول للمنظمة التي تم انشائها للحد من الصراعات والحروب لكنها لم تستطع ان تقدم اي شيء حتى الانساني لتلك الدول ولعل الامر بالنسبة لليمن وبورما من الادلة التي لايمكن اغفالها . والسكوت على تكوين جماعات مسلحة في الدول وتدريبها بقصد غزو دول اخرى مثلما وقع للعراق وليبيا واليمن وافغانستان وسورية يتضح هذا النشاط حينما تتوافر المعلومات الكافية عن هذه الجماعات لدى أجهزة الدولة المهددة ومطالبتها للدولة بمصدر التهديد بضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لمنع تكوين ونشاط هذه الجماعات ورفض الدولة الأخيرة لهذا الطلب ، ما يدل على ضعفها الواضح و انفراط العقد الدولي وجنوح الأعضاء في المنظمة الدولي الحالي إلى التحلل من القيم والمبادئ الدولية الراسخة التي أرساها ميثاق الأمم المتحدة والأعراف والأخلاق الدولية والخروج عنها والتي حضت على السلام بدلا من الحرب وعملت جاهدة على إنماء العلاقات الودية بين الأمم وتحقيق التعاون الدولي في مختلف المجالات وصولا إلى تحقيق غايتين أولهما حماية الأمن القومي الدولي وثانيهما تحقيق الرفاهية لجميع شعوب في العالم. ومن المعلوم ان هذه المنظمة العالمية قامت من أجل حفظ السلم والأمن الدوليين في المقام الأول، ثم منع الحروب بعد ذلك، ويمكن قراءة ذلك في ديباجة ميثاقها والتي جاء فيها “نحن شعوب الأمم المتحدة وقد ألينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب ” التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية حربين عالميتين خلقت أحزانا يعجز عنها الوصف.

 

أحدث المقالات

أحدث المقالات