….. منظمة بعثت قبل بداية النصف الثاني من القرن العشرين، الذي لم يحمل في طياته غير يأس لشعوب كثيرة قرر لها ان لا تعيش الا المأساة….
تسميتها، لا تدل على شيء غير اهتمامها بالسعي نحو السلم والعدل والمساواة والتقريب بين الشعوب…. وتعد بأنها تقترب من تحقيق اهدافها السامية، وتضع بين ايديك ارقاماً عجيبة تصدمك وانت تتفحصها، وقد يصل بك الامر الى الاقتناع بأنك لا تعايش الواقع، وتزيدك وسائل الاعلام ظناً بنفسك حين تصفها بالمصادر الموثوق بها.
منظمة، بعثت اثر حرب اتت على الاخضر واليابس… وخلفت دماراً لا تزال بعض دول العالم تعاني ويلاته… فتشبث بها المستضعفون وآمنوا بها قبل ان يؤمن بها صانعوها… وما دروا ان القوانين لا تخدم الا واضعيها. ولم يكن للمقهورين خيار غير ان يؤمنوا بها وهم يبحثون عن قشة يتعلقون بها… والاستعماريون يجثمون على صدورهم، ارتكبوا من الفظائع ما لا تقدر اغنى اللغات بمفرداتها على وصفه… مهما اوتيت من قدرات ادبية خلاقة.
منظمات تفرعت عنها… منها ما خلق للهيمنة، ومنها ما بعث لبث الفرقة، ومنها ما انشيء لنفث السموم… خيوط توظيفها بأيدي من يكرسون عكس ما تدعو له.
بعد اكثر من نصف قرن على المحك، بدأت العورات تتكشف.. وذاب العسل، وظهرت الاهداف الحقيقية لهذه المنظمات…
في اعلى الهرم، تتربع ما تسمى بمنظمة الامم المتحدة… ولم نفهم الى حد الآن، ضد من تتحد هذه الامم؟ اذ انه، ومنذ ظهورها الى الوجود، لم تتغير الاحوال… فالمهيمن لا يزال مهيمناً، بل وازداد شراسة… والمهيمن عليه لا يزال يرزح تحت نير الهيمنة بل ازداد وضعه تردياً. كل ما تغير، ان الاستبداد اصبح يأخذ صبغة قانونية بصدور قرارات تصدرها مجموعة نصبت نفسها وصية على الجميع الذين تراهم (قصراً).
وزاد الامر سوءاً، تفرد دولة، سلم لها الكل بالعظمة، باصدار هذه القرارات حتى اختلطت علينا الامور، ولم نعد نقدر على التمييز بين (الامم المتحدة) و (الولايات المتحدة)، وقد يكون في التسميتين سر لم يصل (تفكيرنا المحدود) بعد الى ادراكه!!
وفي (شيخة المنظمات) هذه، هياكل عجيبة في تسمياتها وفي تركيباتها… فقد احاطت بكل ما يصبوا اليه الانسان… العدل، الامن، اغاثة الطفولة، الاغذية… وغيرها كثير.. تسميات ليس لنا الا ان نقف امامها ونحن نحني رؤوسنا في غاية الامتنان لمن كان سبباً في تواجدها.
انها قمة العناية بالانسان والاحاطة به من جميع الجوانب، وضمان الرفاه للجميع… واذا صادف ان قرأت اهدافها ستشعر بنشوة انسانية الانسان الذي فكر في اخيه اينما كان ومهما كان لونه وجنسه ودينه، وتأخذك العزة بالنفس فتتوهم ان الارض هي الجنة الموعودة، ويحلق بك الخيال فتصبح من دعاة الاسراع بالعولمة حتى يشملك الرخاء.
ولن يوقظك الا واقع مغاير تماماً لما يدعون، فمجرد ان تعرف تركيبة هياكلها وطرق عملها حتى تصاب بنكسة حادة، وتعرف ان التسميات ليست الا ذر رماد على العيون، وما قرأته في الكتب ليس الا حبراً على ورق.
ومن الامور المذهلة، تركيبة ما يسمى زوراً (مجلس الامن) ونغمته النشاز (الفيتو) الذائعة الصيت. فعبرها او عبره.. تشرع قرارات اتخذتها (الدولة اللاعظمى) بتحريض ممن يسعون الى ارتهان العالم، وبعد الحصول على (الشرعية الدولية) يمكن لصاحبة النفوذ ان تشرع في التطبيق، بعد تأويلها كما يحلو لها، على من يخالفونها الرأي او يقفون ضد مصالحها، وان كانت ضد مصالح الجميع…
– فأي مفهوم للامن يقصدون؟
– ومن المعني بهذا الامن؟
ومن المفارقات العجيبة في هذا المجلس، ان صوتاً واحداً له من القوة ما يجعله اقوى من جميع اصوات من آثروا الانخراط في هيئة الامم .. وان اتحدوا.
ويعنّ لصاحبة السيطرة ان تنفذ ما يحلو لها من قرارات وتتجاهل اخرى، والامثلة في هذا وذاك تعج بها دهاليز المقرات الموقرة.
ومن المفارقات العجيبة ايضا… اننا مازلنا نتوهم ان هذه الهياكل الخاوية ما زالت قادرة على حمايتنا، في حين يتأكد كل يوم انها ليست غطاء لتبرير الاعمال الوحشية والهمجية التي ينتهجها اولو النفوذ…..
قس على ذلك، وستجد نفس السياسة، ونفس الهيمنة في تابعاتها… منظمة التربية والثقافة والعلوم، منظمة الاغذية والزراعة، محكمة العدل الدولية… منظمات كثيرة تابعة للمنظمة (الشيخة)، ولكنها جميعاً لا يتجاوز عملها حدود مقراتها.
وقد تعقد بين الحين والآخر اجتماعات هنا او هناك لتضفي على نفسها الشرعية او تبعث الامل في نفوس بدأ اليأس يتسرب اليها…. فلا الغذاء وصل الجياع، ولا العلوم انتشرت بين الاميين، ولا العدل طبق، ولا …. ولا…
العكس تماماً هو الذي يسود على مرأى ومسمع ممن يعيشون حياة طفيلية على حساب هذه الهياكل الخاوية… فالجوع قد حصل خلال النصف قرن الاخير اكثر مما يمكن ان يكون قد حصده خلال نفس المدة قبل انشاء المنظمة العتيدة، ولا اظن ان الأمية في طريقها الى الانحسار، بل ازدادت الفجوة بين المهيمنين والمهيمن عليهم في عصر المعلوماتية والهاتف المتلفز.
اما عن الحروب، فأستعارها يزداد يوماً بعد يوم، وقد اصبحت موجهة بحكمة ودقة متناهيتين ممن لا يفكرون الا في مصالحهم.
– فبماذات استفدنا من هذه المنظمة؟
– وماذا يمكن ان تنتظر منها، وقد كانت وراء كل ما اصبنا؟
لقد آن الاوان لتقييم دور هذا (الهيكل) ومدى استفادتنا منه، واخذ القرارات التي من شأنها ان تجعلنا اكثر تواجداً في القرن القادم، ولا اظن اننا كعرب امام خيارات كثيرة…
فالخيار الوحيد، هو اخذ امورنا بأيدينا، ونبذ الفرقة، والسعي للتوحيد في عصر ستسود فيه التكتلات، ولا مكان فيه لغير (القوة) بجميع اصنافها. فاذا لم نحزم امورنا، ونعول على انفسنا دون انتظار رأفة منظمة فارغة، لا شك ان اوضاعنا ستزداد تدهوراً، والطامعون يتربصون بنا، فلنسرع- فالوقت كالسيف ان لم نقتله قتلنا.
[email protected]