كانت امطار تاريخيه حقا التى سقطت فى الاسبوع الماضى فىى يوم الثلاثاء المصادف24 .12. 2012 على العاصمه بغداد والعديد من المدن العراقيه, والحقيقه فاننا قد نسينا مثل هذه الكميات من المطر , بهذه الغزاره وبهذه الاستمراريه, فقد استمرت وبدون انقطاع قرابة الاثنى عشر ساعه.
ان الذين كانوا خارج بيوتهم, فى مراكز العمل, او فى التسوق او لقضاء حاجات مهمه تتعلق بحياته وحياة عائلته,فقد وصل الى بيته متأخرا لعدة ساعات وقد جابهه مواقف حرجه جدا, بداية بالملابس التى تشبعت بمياه المطر وليس اخيرا بالمأزق التى حصلت فى الحصول على وسيلة نقل, سواء ان كانت ” الكيا العتيده” او” الكوستر” وحتى التكسيات التى تتزاحم فى الايام العاديه فى الحصول على عمل ,(عبريه) قد اختفت من الشوارع, او ان اصحابها قد ارتوا العقل ورفضوا المغامره فى السير فى الشوارع المغطاة بالمياه والتى تغطى الحفريات العديده التى من شانها ان تصيب السياره باذى ستكون عواقبه ماديه وخيمه على السائق. اما اذا كان يقود سيارته الشخصيه فلم يكن احسن حظا , او استطاع الوصول الى بيته اسرع من “الكيا ميكروباص” وقد وصل بيته ليجد مياه الامطار فى زحفها المقدس اخذت تتدخل بيته بقوة واباء وعليه تدبر الامر. عموما كانت ماساة متعددة الوجوه, فما بالك “بالكوستر” الذى انطلق من ساحة الطيران متوجها الى مدينه الشعب, ولكنه اثناء سيره فى شارع الشيخ عمر دخل فى حفره وتصاعدت مياه الحفره الى ماكنة السياره وبشكل خاص ” الكهربائيات” التى توقفت عن ايصال الشحنه الكهربائيه وبذلك تعطل المحرك عن العمل. وبعد المحاولات العديده فى اعادة الحياة الى المحرك الا انها لم تجنى نفعا, وبعد ساعة من الانتظار وتعليقات ونصائح واراء وتكبرات الركاب والاستنجاد بالخالق العظيم وبالائمه والمعصومين اخذ المحرك يعمل ثانية, واخيرا وصلت الحمله المباركه باب المعظم, بعد التريث والعنايه التى ابداها السائق فى قيادته للكوستر, ولكنه اعلن انه غير مستعد لاستمرار الرحله الى مدينة الشعب حتى لودفع كل راكب 2000 دينار اضافيه. وبدات مرحلة جديده من الانتظار, واخيرا قد اسعفنا احد اصحاب الكوسترات وبعد ان نال المطر من مزاج وقابلية التحمل الشىء الكثير. وسار الكوستر بثبات الا المشكله كانت خطيره حيث كانت ماسحات المطر معطله , ولكن مع التكبيرات ومناشده الرب الكريم والائمه والمعصوممين استطاع السائق ان يقود سيارته بحكمه ويوصل الراكبين الى مدينة الشعب بعد قرابة الساعتين من الزمن, وذلك لتحاشى وتفادى الشوارع التى طفحت بها المياه وتماشيا مع الاتصالات التليفونيه التى كان يجريها السائق مع زملائه للاستطلاع عن اوضاع الشوارع وما هى الطرق والشوارع التى يمكن ان يسلكها بامان.
لقد قاربت الساعه العشره ليلا حينما وصلت البيت, وكانت الشوارع والطرق المؤديه الى البيت تعرض صوره عن ما يمكن ان يكون عليه البيت والزوجه والاطفال, فقد كانت الخطوات الاولى فى المشى قد جعلت الحذز ومحاولة ان لا يغرق الحذاء محاولة بائسه وكان لا بد من السير دون تخوفات كبيره. كانت مياه الامطار قد وصلت الى منتصف الكراج وغمرت حديقتنا الصغيره بالمياه واخذت زوجتى تطلق الحسرات المصحوبه بالالم على الجهود والتكاليف الماديه التى ذهبت سدى. كان لابد ان نعمل شىء فان كل نظره الى السماء تعبرمن ان السماء حبلى بالمياه, كما ان شدة هطول الامطار لم تتوقف ومستمره فى عطاءها الكريم فى الوقت الذى لم نكن نتوقعه ولم نحلم به ايضا.
المطر, عطاء الخير والخصب, خاصه فى بلاد مهدده بالجفاف ومهدده باغتيال حصتها المائيه خلافا للاتفاقيات الدوليه, لم يكن بالنسبه لملايين المواطنين مصدر خير وامل, بل انه اصبح كارثه وخسارات ماديه كبيره, وجهود مضنيه لانقاذ ما يمكن انقاذه من مستلزمات العيش والحياة التى تكونت وتراكمت على مدى سنين طويله من الجهد والتكاليف. لقد شحذنا الهمم وقمنا برفع المفروشات الشتويه الاعتياديه, وقمنا ايضا برصف وتحميل الاثاث فوق بعضها. هذا ما كنا نستطيع القيام به فقد تأخر الوقت وبدات علامات التعب والاعياء تظهر علينا جميعا, وصعدنا الى الدور الثانى لناخذ قسطا من النوم. الا ان العديد من الجيران قد تركوا بيتهم وتوجهوا الى الاقارب لعدم وجود دور ثانى, وتركوا تجهيزات البيت تحت رحمه المياه.
كان صباح يوم الابعاء, وبعد ان توقف هطول المطر,يرسم صوره بائسه وخطيره لما نحن عليه, فقد صعد منسوب المياه الى جميع ارجاء البيت وعلى ارتفاع حوالى عشرون سانتمترا, هذا يعنى ان جميع الاثاث والتلاجه والمجمده والكاونترات قد اصبحت تحت رحمة وخطر المياه ,هذا وقد اختلطت مياه الامطار بعد ان طفحت مع مياه المجاى والمياه الثقيله واخذت تنبعث رائحه غير طيبه. كان انذارا بالخطر وصول المياه الى الثلاجه والمجمده , خاصه ان ثلاجتنا لم يمضى على شرائها بضعة اشهر ثم امكانية ان تكون الرطوبه قد تسللت الى الخطوط الكهربائيه مما يهدد باقصى درجات الخطر, وعليه حزمنا امرنا وقمنا بوضع الثلاجه والمجمده على قواعد فوق مستوى الماء, وكان هذا العمل مضنى ومتعب الى درجه كبيره, الا ان علامات الارتياح قد بدات على محيا زوجتى حيث استطعنا انقاذ ما قد انجزته من المكولات العراقيه اللذيذه, خاصة واننا نسير فى المياه دون حمايه. جاء وقت الغذاء , حيث لم نستطيع تناول فى الصباح اى شىء للقلق الذى بعثه فينا طوفان وغرق البيت وامكانية التماس الكهربائى.
رحم الله المدفئه النفطيه الشهيره”علاء الدين” فقد كانت خير عون وصديق فى تجهيز وجبات بسيطه وسريعه من الغذاء وعمل الشاى, وكان لابد من تقليص متطلباتنا الى اقصى حد ممكن وبمفردات بسيطه ايضا , وهكذا قضينا ثلاثه ايام دون ان نخرج من البيت, وكان الجيران يجهزونا بالصمون حينما يحضرونه من الفرن القرب من السوق. ان هذا الحصار الذى فرض علينا لم يكن نتيجه لظواهر طبيعيه عاديه فقط وانما ايضا للاهمال الكبير الذى مارسته الجهات المختصه فى تهيئة الظروف والشروط اللازمه لاستيعاب نسبه معينه من الامطار”التاريخيه” التى هطلت والتى من شانها ان تخفف من حدة الاضرار التى تراكت على المواطنيين فى نهاية الامر. والحقيقه فانى وزوجتى قد خسرنا الكثير والكثير جدا, ليس اثاث البيت فحسب وانما استمرار وجود المياه فى البيت لمدة (9) ايام واختلاطها بالمياه
الثقيله والرطوبه التى اخذت تنخر فى الاسس والجدران, وماذا سيكون مصير كاشى الارضيات؟ انه سوف يخلع من مكانه ويفقد مستواه ويصبح غير قابل لللاستخدام , وما بالك بالحمام والتواليت والمجارى التى فاضت واصبحت هى الاخرى غير صالحه للاستخدام؟ انى وزوجتى امام وضع فى غاية الصعوبه, اننا قد خسرنا حجما كبيرا من جهود العمر, ليست من الناحيه الماديه وانما من الناحيه النفسيه ايضا, هذا البيت وما فيه هو محصلة العمر وهو ما سيكون ذ خيره للبنين والبنات لتامين حدا ما من مستقبلهم وحياتهم. اننا لا نستطيع اصلا فى هذه الظروف الصعبه جدا والاسعار العاليه لمواد البناء والاجور غير المعقوله للعمال والفنيين تأمين هذه التكاليف الباهضه, ولكننا بنفس الوقت لا نستطيع الاقامه فى البيت الذى اصبح مرتعا لمختلف الجراثيم والاوبئه.
ان الخيارات التى اطلقتها الحكومه واعلنها وحددها السيد محافظ بغداد من ان التعويضات ستكون بين مليون الى خمسة ملاين دينار, اننا نسال السيد المحافظ فيما اذا قام بمشاهدة ميدانيه لبضعة حالات من انواع الخراب الذى حل بالبيوت والمواطنين؟, وماذا عن المواطنين الذين سقطت البيوت على رووس ساكينيها ؟ وكيف سيكون تفادى عمل اللجان التى سوف تحدد حجم الاضرار التى حلت بالبيوت من ان تاخذ المسار المعهود والمعتاد على طريقة العم والخال والطائفه والاقربون اولى بالمعروف؟
اننا يجب ان نعترف وناخذ بنظر الاعتبار من ان العاصمه بغداد والعديد من المدن والنواحى العراقيه قد غرقت, وغرقها جاء نتيجه هطول امطار غزيره, وهذه الحاله لا تختلف كثيرا فى واقع الامر عن غرق المدن حينما كانت مياه دجله تطغى على السدود والحواجز الترابيه وتفتح لها منافذ كيفما كان وبدون استئذان. انها حالة عامه تحصل فى مختلف دول العالم وحتى فى اكثر دول العالم تقدما وتنظيما, الا ان الاختلاف بين الدول يكمن فى درجة التنظيم والاستعداد لتحمل المسؤليه ووضع المعالجات والاساليب الضروريه لمجابهة حالة الخطر. ان رئيس الوزراء او رئيس الجمهوريه وعدد من المسؤلين يقومون بواجباتهم, حيث تعلن حالة الطوارىء وتستنفر المؤسسات المختصه للقيام بواجباتها ويستدعى الجيش بأمكانياته البشريه الهائله وقابلياته وتجهيزاته بالمكائن والمعدات للعمل. فى هذا الاطار الذى يشمل قادة البلد والمؤسسات المختصه وقوى الجيش يتم السيطره على الخطر, وفى هذا العمل اشاره ورساله الى المواطنين بان حياتكم ثمينه لدينا وسوف نقوم بالمساعده والتعويض على قدر المتطاع.
نعم لقد ظهر السيدر رئيس الوزراء فى احد مناطق بغداد وتفقد المواطنين واوضاعهم, كما ساهم عدد من الوزراء فى هذه الحمله وكانوا فى اناقتهم المعهوده وطلعاتهم البهيه, وهذا ما يتطلبه الحضور والظهور فى التلفزيون,الا ان المواطنين لم يكونوا على ثقه من ان هذه الزيارت سوف تترجم الى برامج عمل, وهذا ما حصل فعلا!! وما مغزى مبادرة السيد وزير التخطيط فى المساهمه بسيارات حوضيه لسحب مياه الامطار فى مدينة الصدر, هل كانت المبادره من ماله الخاص او من مهمات واجباته المتعدده ومن ضمنها المساهمه فى حل الازمات والتخفيف من حدتها ؟, ولكن والحقيقه يجب ان تقال, كانت اللافتات المثبته فى مقدمه السياره جميله جدا!!
الحمد لله ونشكر جهود الخيرين الذين سبق لهم استيراد ” الجزم الايرانيه” التى تلاقفها المواطنون وبسعر احتكارى, بعشرة الاف دينار للزوج, حيث تم فك الحصار المفروض علينا واستطعنا الحركه وخوض المياه المتراكمه التى اصبحت كسواقى مدينه البندقيه الايطاليه او شبكات القنوات فى مدينة امستردام الهولنديه, اننا ما زلنا محاصرون منذ احد عشر يوما(11 يوما) وحركتنا ترتبط بالجزمه الايرانيه, وعملية سحب المياه بطيئة جدا حيث لم ينخفض منسوب المياه فى الشوارع اكثر من بضعة سنتمترات, وتطل علينا الشاحنات الحوضيه صباحا كما يظهر عمال الامانه بالاسلاك الحديديه فى محاوله لتسليك المجارى, اى مجارى؟هل هى مجارى المياة الثقيله ام مجارى مياه الامطار,وهذا ما لا يعلمه الا الله.