اهتم كثيرا بالدراسات والابحاث المتعلقة بالتكوين الاجتماعي والنفسي للشخصية او مايعرف ب سايكوسوسيولوجيا الانسان .
ومهتم تحديدا بالبحث في العوامل التي كونت هوية القائد والزعيم السياسي وكيف تنعكس على منهجه في ادارة السلطة بشقيها القوة والمال .
في دول الشمال كان الرهان على معاهد ومراكز وشبكات وآليات تنتج القادة .
في فرنسا انشئ معهد الاقتصاد الوطني الذي يخرج قيادات المستقبل
في اميركا ، يتفاخر الكثير من الساسة بانهم كانوا من نخبة المتخرجين من كلية ويست بوينت العسكرية .او من كلية القانون في هارفرد هذا بالاضافة الى دور كبير تقوم به مراكز الدراسات التابعة للحزبين الديمقراطي والجمهوري في انتاج القادة .
في دول الجنوب وتحديدا المصنفة تحت خط العالم الثالث وبدءا من جاكارتا شرقا والى سانتياغو عاصمة جمهورية تشيلي غربا ، يتولى السلطة قادة انتجتهم الصدفة .او الانقلابات او عبر صراعات سياسية دموية وتأمرية او في احسن الاحوال عبر ديمقراطية صورية وسخيفة ومسيطر عليها من قبل قادة لعبة السلطة .
في عام 1992 كنت ضمن وفد زائر لمكتب مسؤول ايراني كبير ، والذي كان يحدق بامعان في صورة للرئيس الاميركي الجديد بيل كلنتون .
رفع المسؤول راسه من الصورة وقال : الا تعتقدون ان الولايات المتحدة دخلت عصر الزعامات الصبيانية والرعناء ؟
يقول المارشال ريتشارد كوهين ان التحدي الاكبر في مستقبل الولايات المتحدة هو فقر القيادة لان المؤسسة السياسية والعسكرية لم تعد حريصة على انتاج قيادات مؤهلة لرسم وتطبيق سياسات استراتيجية تحافظ على الهيمنة الاميركية .
ويمضي كوهين محذرا من ان السلطة في الولايات المتحدة باتت رهينة المال السياسي ولا أوبالية الناخب .
وفي هذا السياق يقول الكاتب الاميركي فرانسيس فوكوياما :ان فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية عام 2016 جاء نتيجة لسقوط اخلاقي في المجتمع الاميركي .
وليس الهدف تبرير وصول ساسة تافهين الى السلطة حينما نقول ان المتغيرات الاجتماعية لها دور في تسفيه نظام الحكم ،حينما تتفكك الهوية الاجتماعية والوطنية وينشغل الفرد في شؤونه الخاصة مايؤدي الى انغلاق لعبة الحكم واحتكارها من قبل نخبة معينة وبالتالي يسود نظام التفاهة وبادارة نخبة التافهين .
والتأريخ القريب، يقدم مصاديق على قرارات كارثية رعناء اتخذها حكام سيطرت عليهم مزاجاتهم الشخصية وانفعالاتهم النفسية ، ما تسببوا بمأسي وويلات لشعوبهم التي اخرجوها بقسوة عن المشاركة في السلطة .
الديكتاتور السابق صدام حسين ارسل القوات الى الكويت في اب اغسطس عام 1990 وذلك لثني حكام الكويت عن المطالبة ب 8 مليار دولار وهي اجمالي ديونهم على العراق . وفيما بعد اضطر العراق وعلى اثر ذلك القرار الغبي والمتفرد الى دفع تعويضات للكويت بلغت 53 مليار دولار ، وبدلا من ضم الكويت ، خسر العراق جزءا مهما من اطلالته البحرية لصالح الكويت ايضا .
ولكن ، متى تعي الامة الدرس ؟ وهل ستدرك ان قرارات الحكم الرعناء هي في اغلبها نتيجة لابعاد الامة عن الحكم ، وسبب من اسباب عدم وعيها بخطوة التفرد بآليات السلطة ؟
المتنورون واصحب العقيدة الوطنية وهم المخلصون للامة، هم من يتحمل الجزء الاكبر من مسؤولية توعية الامة وتعليمها كيف تتعض من تجارب الماضي وألا تظل حقل تجارب وتكتفي بالجلوس على مقاعد المتفرجين لمتابعة مباريات المتنافسين على السلطة ، وفي النهاية تصفق بحرارة للفائز الاوحد .
يقول مراسل رويترز في بغداد . كنت جالسا في مقهى ام كلثوم في مدخل شارع الرشيد وقد اذاع الراديو رسالة الرئيس صدام حسين الى نظيره الايراني هاشمي رفسنجاني في 15 آب اغسطس 1990 واعلن فيها عن التزامه باتفاقية الجزائر وقال ((.. وبذلك تحقق كل ما أرتموه .. )) .
ويضيف مراسل رويترز : في تلك اللحظه توقعت ان يهب العراقيين من رواد المقهى الى الشارع للتظاهر ومسائلة صدام حسين عن دواعي 8 اعوام من الحرب الطاحنة مع ايران .
…ولكن كان الجميع منشغل بلعبة النرد والدومنيو فيما ام كلثوم تغني ( عودت عيني على رؤياك .. ) .