8 أبريل، 2024 12:40 م
Search
Close this search box.

الامبريالية…وبداوة السياسة العربية

Facebook
Twitter
LinkedIn

دون الرجوع الى التعريفات المشهورة للمصطلحات السياسية،ارى انها لاتبتعد كثيرا عن معنى التسلط والاستحواذ بالقوة على اراضي ومجالات او وسائط النقل التجاري المشترك بين الدول،،التأمر لسلب ثروات وحقوق الاخرين ،وكل معاني الظلم والقهر والفقر والحرمان والكوارث الاقتصادية والحروب والازمات المفتعلة،قد اكون اختزلت اشياء كثيرة عن هذا المفهوم الواسع”الامبريالية”لكنني عايشتها منذ الحرب العراقية الايرانية وصولا الى حروب الوكالة مابعد٢٠٠٣،لاشيء جديد فالتاريخ كما يقول المؤرخون والمفكرون يعيد نفسه،هيمنة الامبراطور لابد ان تسحق في طريقها كل عقبات السيطرة الشاملة على قارات العالم الخمس او الست،مايعنينا هنا المنطقة العربية وانظمتها السياسية الحديثة،بعد ان رحلت عربات الاستعمار المصفحة عن بلادنا اواسط القرن الماضي،بقيت الدول العربية عاجزة عن تبني مشروع دولة المؤسسات،فعمر اغلب الانظمة العربية ذات السيادة الشبه كاملة لم تتجاوز الستة او السبعة عقود،هذه الحالة لاتعني ان الخلفيات التاريخية المعنوية تعطينا الشرعية الاخلاقية بحجب الحقائق عن الاجيال الحالية والقادمة، لابد من التذكير بها والاعتراف من اننا لم نكن دول كبقية دول العالم قبل سبعة عقود كما ذكرنا،انما اقوام بدوية كانت تعيش كالعبيد او قطاع الطرق تحت ضل الحكم العثماني الاسود،صحيح كانت هناك جماعات معارضة تقاتل هذا السلطان الخرف لكنها لاترقى لمايسمى بالحركات السياسية المنظمة الحديثة،هذه الحقائق لابد ان يعاد دراستها بعمق كي تتجنب الاجيال القادمة، والحركات السياسية الثورية المتجددة من التفريط بفرصة بناء اسس وقواعد واعمدة الدولة الوطنية الدائمة الاستقرار،المغلقة امام التدخلات التخريبية الخارجية….
ماحصل بعد٢٠٠٣ ومن ثم اندلاع ثورات الربيع العربي،اثبتت بالادلة الواقعية المنظورة للجميع بأننا شعوب مفككة غير متماسكة وطنيا،وكشفت عن فقر نخبوي شبه شامل لجميع الحركات السياسية والثقافية ،التي سقطت امام كراسي الحكم ولون الرفاهية المغمسة بدماء الشعوب المحرومة من ابسط لحظات الحياة الامنة المزدهرة،فقدان تلك الفرص بفعل الفشل والعجز الداخلي عن بناء دولة المؤسسات المدنية،وكذلك بفعل التدخلات الخارجية المباشرة في الشؤون الداخلية،كما هو حاصل فعليا في العراق وسوريا واليمن ومصر وكذلك ليبيا،تصبح مهمة الانقاذ والخروج من تلك الاوحال صعبة، بل مستحيلة قبل مرور دورات تاريخية طويلة…
الثقافة والتفكير والمعرفة التراثية العربية جعلت من ثقافة المدن عبارة عن ثقافة سطحية،تجاوزت عمليات التطور التدريجي لثقافة اي مجتمع مدني حر (كالمجتمعات الاوربية الحديثة)،اي انها لم تفعل مثلا بشكل اعمق كما فعلت الاحزاب الشيوعية والماركسية مشاركتها التعبوية للطبقات المسحوقة، عندما زحفت على القرى والارياف والطبقات العاملة لتحثها على التعلم والثورة والتغيير،مع ان تجربتهم بقيت ناقصة وغير قابلة لتثبيت النجاح الدائم بعد ان ارتطمت بحائط الدين الصلب، وكذلك بحواجز البيئة والتراث وظروف حرية المرأة المكبلة،الا ان الغاية في كسب هذه الشرائح وجعلها طبقات اجتماعية فاعلة ومؤثرة في القرار السياسي والثقافي والاجتماعي العام،حققت انجازات ميدانية غير متوقعة،لكن بقيت المشاكل الاجتماعية والثقافية المتجذرة عصية على الحل والتغير،وهكذا مرت بقية الاحزاب والحركات والتيارات القومية بنفس التجارب الاخرى،التي كانت دائما اسيرة التراث البدوي،الذي علم الشعوب العربية انها غير قادرة من قيادة نفسها دون ان تسير خلف راية القائد وسلطته المطلقة،سواء كان حاكم دولة او رئيس حزب او شيخ او امير قبيلة او عشيرة،ولانها دول حديثة لم تسنح لها فرصة صناعة اجيال المستقبل السياسي كما تفعل دول الديمقراطيات العريقة،فبرزت بعد الربيع العربي كارثة السلطة الدينية او رجل الدين بقوة(وهي تعد من اقوى السلطات الرديفة للانظمة السياسية المستبدة عبر التاريخ)،كنتيجة طبيعية لفشل بقية الحركات والاحزاب والشخصيات السياسية العلمانية(ليست علمانية بالمفهوم المتعارف عليه في الانظمة السياسية المتطورة انما انظمة لاتؤمن بعلاقة رجال الدين بالدولة وليس الدين) في قيادة الدول العربية،فقد كانت صورة الخليفة والجواري والسلطة والجاه تحوم حولهم من كل مكان،وهذه ثقافة شائعة بين الطبقات السياسية العربية ،التي لاتفكر بعد الوصول للسلطة الا بالجاه اي التسلط والمال والجنس،فحصل مالم يكن بالحسبان،حيث اوقد الاوغاد مرتزقة الامبريالية شرارة الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة،بغية تفكيك او تدمير حلقات او رباط مايسمى بالهلال الشيعي الممتد كما ذكر من طهران الى بيروت مرورا ببغداد ودمشق،ان الطامة الكبرى التي دمرت اخر قواعد الثقافة المدنية العربية،هي بروز ظاهرة التعارض الفكري بين الدين الظاهري(السني اوالشيعي)والحضارة التكنولوجية المدنية،اذ اصبحت الاجيال العربية الحديثة اي مابعد اواخر القرن الماضي غير قادرة على الاقتناع بالتفسير والتأؤيل القراني الذي يعارض المكتسبات المدنية الالكترونية المتطورة،فبين قوائم المحرمات الطويلة العريضة(الذي يقلل منها ويحصرها الدكتور محمد شحرور بالعشر اقل او اكثر قليلا )اصبح لزاما ان تخرج ثقافة عربية اسلامية جديدة، تعيد قراءة التاريخ الاسلامي لتنقيته من الشوائب،واعتماد الاساليب الفطرية العقلانية في قبول التفسير والتأويل القراني،فمافعلته القاعدة وداعش من تأويلات شيطانية مستندة على التراث السلفي لابن تيمية والوهابية وغيرهم ايقظ روح الشيطان في النفوس المنكسرة او المهزومة، وحرك المياه الراكدة في البرك الممنوعة عن عوام المسلمين،بحيث اصبحت اغلب الاصوات الواعية التنويرية تنتقد بشدة التراث السلفي الوضعي(نقد كتب الصحاح الستة كالبخاري)،وكذلك بروز ظاهرة المرجع السيد كمال الحيدري والعديد من رجال الدين الشيعة في نقد وتفكيك الخطاب ومراجعة التراث الشيعي،ظاهرة متقدمة لتوعية المجتمع وابعاده عن ثقافة التبعية والصنمية الدينية،كل هذه المحاولات تبقى داخل اطار الثقافة البدوية العربية التي عليها التعامل مع الكيان العربي الاوسع المتمثل بدولة الامة المتماسكة امام المحاولات الامبريالية لتمزيقها،وهذا مانراه حقيقة متجسد بشكل متذبذب لكنه مقبول نسبيا في تجربة النظام الديمقراطي الحديث في جمهورية مصر العربية،لازالت المدنية ودولة المؤسسات والنقابات تعمل بطريقة معقولة الا انها غير مضمونة النتائج،لكثرة التدخلات والمؤامرات التي تحاك ضد الدولة والشعب المصري،الا اننا نرى في
الجهة الاخرى نموذج فاشل في العراق لم يستوعب شيئا من دروس الماضي،بل عاد لتركيز الثوابت التراثية القبلية البدوية في اغلب مؤسسات الدولة ،فلا يخجل المسؤول الحكومي من نقل مشاكله مع الدولة الى مضائف ومجالس العشائر لحلها،وصرنا نسمع هذه الايام انهم يريدون تشريع قانون ينظم السلطة العشائري في المجتمع الخ.
الامبريالية التي لم تغمض عينها يوما عن الدول القلقة صاحبة الثروات الطبيعية القريبة من حدود روسيا والصين تواصل هجماتها الشاملة ضد تلك المجتمعات او الدول البدائية التنظيم،عبر مشاريع تخريبية متعددة بغية تغذية الازمات المستمرة،لتفكيك الدول الكبرى وتحويلها الى دويلات متناحرة يسهل السيطرة عليها،الجميع يرى كيف تعامل الامريكان مع الملف السوري والعراقي،ترسل اسلحة مجانية لمايسمى بالمعارضة المعتدلة في سوريا او البيشمركة شمال العراق(يتعمد المسؤلين الامريكان زيارة اقليم كردستان في كل زيارة رسمية للعراق) بينما تمتنع عن دعم الانظمة السياسية الرسمية(الحليفة لها ظاهريا)المتصدية للارهاب بالسلاح المجاني او المخفضة اسعارها،،ولازالت مواقفهم غير واضحة بعد الانتصار الكبير الذي حققه الجيش العراقي في الموصل وكذلك الجيش السوري في حلب(الامر ترك للرئيس ترامب وفريقه)،مجرد عمليات استنزاف بشري ثقافي اقتصادي سياسي معرفي كبيرة،تجعل من الشعوب العربية الاستهلاكية مكبلة غير قادرة على النهوض بسهولة…
تتجسد البداوة السياسية العربية في التورط الخليجي المفضوح بأكبر واخطر مؤامرة دولية اقليمية بعد نهاية الحرب الباردة،بمحاولة تدمير السواتر العربية وخطوط الدفاع الاولى امام اسرائيل،والترويج دينيا لقدسية التفجير الانتحاري المحرم انسانيا واسلاميا،هؤلاء وضعوا ايديهم في يد الشيطان لتدمير الدول العربية جميعها بما فيها دول الخليج نفسها،هي غير مقتنعة انها لاتمتلك انظمة سياسية مؤسساتية عريقة ،تؤثر فيها الفوضى والانهيار عند الازمات الكبرى بسرعة قياسية،ومن ان التخريب السياسي العربي وتغذية الارهاب ودعمه ستدمر دولهم في المستقبل القريب كما هو متوقع،ماحصل في العراق وسوريا ليس امرا عاديا انما كارثة عظمى،سوريا المدمرة شبه تدمير كامل،اصبحت دولة فاشلة اجتماعية وسياسيا واقتصاديا ان لم يحصل شعبها على معجزة انقاذ شاملة،ودول الخليج اصبحت امام حقيقة صادمة نسبة الى العجز المالي بسبب تدني اسعار النفط (التي كانت هي احد اسبابه)،يحسبون عملية التورط هذه نزهة صيد بدوية،وليست لعبة امبريالية دموية بشعة لاناقة لهم فيها ولاجمل،منطقيا روسيا هي الدولة الاقرب للثقافة والتاريخ والحضارة والجغرافية العربية،بلد يؤمن بالنظام الاشتراكي المتماشي مع البيئة والتراث والطبيعة المعاشية والثقافية الشرقية ،مالذي دعاهم الى الذهاب الى اقصى بقاع العالم للتحالف مع صديق غير مضمون لايهمه سوى حلب عربان الصحراء وتقليل اسعار النفط والوقود عموما لادامة ماكينته الامبراطورية،هذه الازمات المفتعلة تجعل من جميع الدول العربية الخاسر الاكبر،وتسمح للجارة تركيا وايران من ان يصبحوا اصحاب التفوق الاقليمي الاكبر في المنطقة،بينما كان الاجدر بأن لايسمح ال سعود بصعود طبقة سياسية ملكية جاهلة بالمخاطر الجمة التي ستجلبها مغامراتهم الفاشلة في المنطقة،كان الاولى ان يتحصن العرب بكل حجر يمكنه ان يصد الرياح الصفراء القادمة عليهم من كل الاتجاهات،لا ان تصبح هي المروج والداعم الرئيسي لتلك المخططات الارهابية القذرة…
النخب المفكرة الواعية النزيهة هي من يعرف الطرق والاساليب المعرفية الحديثة المنقذة للمجتمعات العربية،ببناء نظام تعليمي تربوي تكنولوجي متطور، للمدارس والمعاهد والجامعات،وعبر تأسيس اجهزة امنية وعسكرية وطنية مهنية،ونظام ثقافي اجتماعي ديني متحضر،وكذلك تحديث النظام الاداري للدولة،ومراجعة التراث العربي بشكل جذري لتعديله وازالة كل ما من شأنه ان يتعارض مع روح العصر والتقدم الحضاري،وتقليل من ثقافة الاقصاء والتهميش لدور المرأة في المجتمع،والابتعاد قدر الامكان عن طاحونة الامبريالية…

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب