تتحدث الأنباء عن تمارين عسكرية أمريكية إسرائيلية ترجَمَها بعضُ العراقيين والعرب والإيرانيين المتفائلين بأنها استعداد لضربة عسكرية مرتقبة لإيران.
ولنا أن نتساءل، إذا صحت هذه الظنون، هل يحق لنا أن نصدق بأن إدارة بايدن قررت الانحياز إلى الشعب الإيراني وإسقاط النظام.؟
وهل إذا حدث فعلا ووقع الهجوم ألن يتحول إلى حبل إنقاذٍ للنظام، وإحراج انتفاضة الشعب الإيراني؟، وألن يُوحد الإيرانيين في مواجهة المعتدين؟.
وإذا كانت أمريكا تنوي حقا مهاجمة إيران ألن يكون عليها، بالتزامن مع الهجوم المحتمل، أن تخوض حربها الأهم مع أذرع النظام الإيراني في العراق أولا، وفي سوريا ولبنان ثانيا واليمن ثالثا، وفلسطين رابعا، وربما في مناطق أخرى غير متوقعة؟.
إن الذي جرى وما يجري في العراق، منذ أن تسلم محمد شياع السوداني رئاسة الوزارة مُنفِّذا، ونوري المالكي موجِّها وآمرا، لا يوحي بأنها في وارد الدخول إلى هذا المعترك.
فمن غير المعقول أن تكون، بكل جبروت مخبراتها وقواعدها وأقمارها التجسسية، لم ترصد إجراءات الزحف المبرمج للهيمنة العسكرية والأمنية والسياسية والمالية والاقتصادية على المفاصل الحساسة في الدولة العراقية، لحساب النظام الإيراني المحاصر والمضطر لاتخاذ العراق قاعدةَ انطلاقهِ المحصنة والمهيمَن عليها كليا ضد أي هجوم محتمل.
فالعراق تمَّ، ويتم قضمه، قطعة قطعة، لوضعه، كلِّه، في قبضة الموكَّلين العراقيين بإدار المستعمرة العراقية لحساب ولاية الفقيه.
إن الذي فعلته حكومة حزب الدعوة الجديدة، وما هي ماضية في فعله، يذكر العراقيين بما تعودوا على رؤيته في الانقلابات العسكرية المتعاقبة، تموز 1958، شباط 1063، تشرين1963، تموز 1968، ثم تموز 1979.
فقد جرى تسريح كبار ضباط الجيش والأمن والمخابرات، إما لعدم ثقة بولائهم لإيران، أو لإخلاء مواقعهم ومنحها لموالين أشداء، ثم استبدلوا عددا كبيرا من ذوي الدرجات الوظيفية المدنية العليا والمتوسطة، خصوصا في المؤسسات السيادية الحساسة، بآخرين من أعضاء حزب الدعوة والأحزاب والفصائل المتآخية معه.
ولا تفسير لإنشاء شركة تابعة للحشد الشعبي للتجارة والاستثمار، على طريقة ما جرى للحرس الثوري الإيراني، سوى الرغبة في المصادرة الكلية للتجارة والمال والاقتصاد، بالتزامن مع السيطرة على جميع مراكز الفعل الأمني والعسكري في البلاد.
وشيئا فشيئا يجري، حاليا، وسيجري لاحقا، تقزيم سنة الحكومة، ووضعهم أمام خيارين، إما القبول بأن يكونوا نتوءا عرضيا في الوضع السياسي الجديد، لا يطالب ولا يعارض ولا يشاكس، أو عودتهم إلى حقبة تهم الإرهاب، فالاعتقال، أو النفي والإبعاد.
وكردستان العراق هي الأخرى لم تفلت من العقاب. فقد دخلتها القوات الإيرانية وقوات حكومة المالكي تمهيدا لترويضها وإعاداتها إلى بيت الطاعة الإيراني في النهاية.
وفي تطور جديد بدأت السلطة الجديدة باعتماد سياسة منع الكلام المخالف باعتقال المتوفر في العراق من الصحفيين والمحللين والمعلقين، وإرهاب المقيمين منهم في الخارج.
ولأن الامبراطورية الإيرانية خائفة من أهلها، وتتوقع الأسوأ الآتي في قادم الأيام فهي أصبحت أكثر احتياجا إلى العراق، بموقعه الجيوسياسي وأمواله وجيوشه ومليشاتها التي خبأتها فيه من سنين.
والظاهر أن مطلوبها، في المحصلة النهائية، هو تحويل العراق إلى مركز تجمع وانطلاق لمضايقة دول الخليج العربي وتهديد أمنها لمنعها من دعم التظاهرات، ومن سماحها للطائرات الإسرائيلية والأمريكية باستخدام أجوائها في عمليات محتملة ضدها.
ألم يقل المرشد الإيراني المريض لضيفه رئيس وزراء الإطار التنسيقي الشيعي الإيراني، خلال استقباله في طهران إن”أمن العراق هو من أمن إيران”؟!!
وها، بعد شهرين من الاغتيال والاعتقال والإخفاء والتهديد بفؤوس فدائيي الباسيج وخناجره وسيوفه وكواتمه، ورصاص الحرس الثوري الحي، تجرع النظام السم واضطر لإلغاء شرطة الآداب، ومراجعة قانون الحجاب، عملا بنصيحة الأمريكيين.
حتى أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي تناسى تهديداته الجهنمية السابقة، وراح يلوح للمتظاهرين بإمكانية تعديل بعض فقرات الدستور.
أليس هذا بيان مكتوب بالحبر السري يعترف فيه النظام بخوفه من استمرار الانتفاضة، وبعجزه عن القضاء عليها؟.
نعم إنه ضعف لابد أن يتبعه ضعف آخر، وبلا توقف، ومن المؤكد أن يستثمره المنتفضون، ويوقنوا بنصرهم، ويتشجعوا على الصمود حتى سقوط العدو.
ورغم أن التظاهرات الشعبية الإيرانية المتصاعدة تحاصر النظام وتهدد بقاءه، إلا أن أحدا من الأوربيين والأمريكيين الباكين على حقوق الإنسان في إيران لم يقدم لها سوى بيانات الشجب والاستنكار الكلامي الفاضي، وسوى مطالبة النظام بالرفق بالمتظاهرين.
وعلى ذمة موقع (إيران إنترناشيونال) فقد “شددت” وزارة الخارجية الأميركية على ضرورة أن ينتبه النظام إلى رغبة الشعب الإيراني في التغيير.
أليس في هذا القول طعمُ النصيحة المخلصة للنظام بضرورة تعديل سلوكه، مقابل النجاة من السقوط؟.
ومن مجمل المراقبة والتدقيق لا يبدو أن هناك تصميما أمريكيا عمليا حقيقيا على معاقبة النظام على قمعه الدامي لشعبه، ولا على تمدده في الإقليم، ولا تهديده الملاحة الدولية، ولا استمراره في تهريب السلاح والذخيرة إلى الحوثيين وحزب الله اللبناني، ولا استهدافه مراكز ومواقع اقتصادية سيادية حيوية في دول الجوار، ولا اختطاف السفن التجارية، ولا تهديداته المتكررة بغلق المضيق، ومنع تدفق الإمدادت النفطية إلى الدول التي تحتاج إليه.
والرفض الوحيد الحقيقي الأمريكي الإسرائيلي الأوربي الحازم هو لسعيه إلى امتلاك سلاح نووي، فقط لا غير.
ويبدو أن وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، فهم اللعبة وفضح السر حين قال إن “واشنطن تدعم الاحتجاجات الأخيرة من أجل إرغامنا على الامتثال لمطالبها المتعلقة بالمفاوضات النووية”.
وتأسيسا على ذلك يبقى الفعل المنتظر الأخير، أرادت أمريكا أم لم ترد، وتراخى النظام أو تشدد، لن يكون في النهاية إلا للشعب الإيراني، أولا، وثانيا، للشعب العراقي الذي يرى ويسمع، ويدفع الثمن، وفي ساعة مباركة قادمة لابد أن يثور.