سبق وان تناولنا موضوع يكاترينا الثانية ومواقفها الثقافية ( انظر مقالتنا بعنوان – يكاترينا الثانية والادب الروسي ) , ولكننا نعود الى هذا الموضوع لاهميته في تاريخ الادب الروسي , وكذلك لظهور مصطلح طريف في المصادر الروسية يرتبط بها هو ( الانقلاب الثقافي ) في البلاط القيصري الروسي , وهو يتناول بالاساس المراسلات الفكرية العميقة بينها وبين فولتير وديدرو.
ض.ن.
الامبراطورة الروسيّة يكاترينا الثانية (1729– 1796 ) , هكذا يكتبون اسمها باللغة الروسية , ولكنها حسب التسميات العربية السائدة عندنا فهي كاترين , ولا اظن ان هناك ضرورة لتوضيح سبب ذلك , فنحن (لا نعترف!) بشكل عام بتعددية اللغات ( ولا اريد حتى الاشارة هنا الى مسألة تعددية الآراء !!!) , واذكر مرّة ان احدى زميلاتي في قسم اللغات الاوربية بكليّة الاداب بجامعة بغداد ( وهي حاصلة على الماجستير من جامعة امريكية ) قد ( صحّحت !) لي لفظي عندما ذكرت اسم الكاتب الروسي تشيخوف مرّة, وقالت لي امام الجميع في اجتماع اللجنة العلمية للقسم – ( اسمه تشايكوف وليس تشيخوف كما تقول ). هذه هي الملاحظة الاولى حول عنوان مقالتنا , اما الملاحظة الثانية , فهي عن ( الانقلاب الثقافي ) , اذ اننا نتناقش – وبشكل حاد جدا – لحد اليوم , هل نطلق على الاحداث الفكرية الكبيرة في مسيرة حياتنا – ( ثورة ) ام (انقلاب ) , وقد ألقى عليّ احد زملائي (محاضرة!) باكملها حول ذلك, وقال لي – وبحماس – ان ماوتسي تونغ نفسه أطلق عليها تسمية ( الثورة الثقافية ) في الصين , وليس ( الانقلاب الثقافي ) , فسألته , وكيف نسمي العمل الترجمي الكبير لمصطلحات الجيش العراقي , الذي قام به المترجم العراقي عبد المسيح وزير في بدايات تأسيس الدولة العراقية ؟ فقال لي – بسخرية – انه لم يسمع بهذا الاسم اصلا . ورغم ملاحظة زميلتي و( تصحيحها بنكهة ولكنّة امريكية !) لاسم تشيخوف الروسي , ورغم محاضرة زميلي عن ( الثورة والانقلاب !) وهو الذي لا يعرف من هو عبد المسيح وزير , فان عنوان مقالتنا يبقى كما تكتبه المصادر الروسية وباللغة الروسية – الامبراطورة يكاترينا الثانية وانقلابها الثقافي .
عاشت يكاترينا الثانية (67) سنة, وهي المانية الاصل , وانتقلت الى روسيا وتزوجت من وصي العرش القيصري الروسي عندما كان عمرها (15) سنة, ثم اصبحت هي نفسها قيصرة روسيا ذات الصلاحيات المطلقة , وحكمت الامبراطورية الروسية (34) سنة بالتمام والكمال (من عام 1762 الى عام 1796) , وهي اطول فترة حكم لأمرأة في تاريخ روسيا منذ بداية الدولة الروسية و حتى الوقت الحاضر , وهذه الفترة من الحكم لم يصل اليها في القرن العشرين حتى ستالين نفسه , الذي حكم ( 30) سنة فقط . ولا نريد الخوض هنا في كل التفاصيل , اذ ان مقالتنا تتناول الانقلاب الثقافي , الذي يرتبط باسمها فقط بين كل القياصرة الروس ( وليس القياصرة فقط ) , الذين حكموا روسيا عبر تاريخها الطويل و المتشعب.
الانقلاب الثقافي ( كما تتحدث عنه المصادر الروسية الحديثة ) لهذه الامبراطورة يرتبط بموقفها من الادب والفن في روسيا بشكل عام ودورها ودعمها الهائل لهذا النشاط , ويشمل كذلك مساهماتها الشخصية في مسيرة الادب والفن , ويرتبط طبعا بالعلاقات الثقافية الواسعة , التي حققتها مع مجموعة من المثقفين و المفكرين الروس مثل لامانوسوف ونوفيكوف وغيرهم , وكذلك مع المفكرين الاوربيين الكبار ايضا مثل فولتير وديدرو وغيرهم , ومراسلاتها الفكرية العميقة مع تلك الاسماء اللامعة في دنيا الادب العالمي , والتي لازال الباحثون يكتبون عنها ويتناولوها بالدراسة و التحليل .
النقاط الواسعة جدا في المجال الثقافي لهذه الامبراطورة لا يمكن تلخيصها , ويكفي ان نقول هنا , ان تلك الاعمال لا زالت موجودة في المجتمع الروسي لحد الان , وان الجميع يتعايش معها , ومتحف ( الارميتاج ) في بطرسبورغ وحده هو الشاهد الاكبر على ذلك , ولكننا نود هنا ان نؤكد على نقطة واحدة فقط من هذا النشاط الثقافي لها , وهي مراسلاتها مع فولتير وديدرو , اذ لم يتراسل احد من القياصرة الروس مع مفكرين اوربيين كبار كما فعلت يكاترينا . نصوص هذه المراسلات منشورة الان في روسيا وفي الغرب ايضا , ولكني بحثت عنها في المصادر العربية ولم اجدها مع الاسف , وربما يكون بحثي هذا غير شامل ليس الا , وفي كل الاحوال فان علاقة يكاترينا بفولتير وديدرو موضوع يستحق منّا ان نتأمله وندرسه ونترجمه الى لغتنا العربية , اذ توجد هناك افكار عميقة ومفيدة جدا لنا , افكار يمكن لنا حتى ان نستخدمها في مسيرة حياتنا الان , مثل دور التعايش الديني في مجتمع متعدد الاديان وضرورته, وكيف ان التعصب الديني يؤدي الى خرق الهدوء والاستقرار في ذلك المجتمع , او عن اهمية الترجمة , وكيف انها تعدّ عاملا مهما في موضوع التقارب والتفاهم بين الحضارات , او حتى عن ضرورة حملات التشجير حول المدن ودورها في الحفاظ على البيئة , وغيرها من المواضيع المتنوعة و الحيوية جدا في مسيرة الامم .
يكاترينا الثانية ودورها في الحياة الثقافية الروسية – موضوع كبير ومهم يستحق اكتشاف شعابه….