عاش الامام في بيئة المغالاة في حب الذات، التسلط، الانفرادية، إلغاءالغير،تضخم في حجم ال أنا،قصر النظر وضيقه، وبداوة جلفة عدوانية ومع ذلك بنى دولة مدنية فيها ملامح الدولة المدنية العصرية .. حيث نقل مقر الخلافة من المدينة الى الكوفة لتوفر البيئة الثقافية القابلة لمشروعه !
امـــير الفكر والبيان والحكمة علي ، والذي يعتبر اول حاكم ديمقراطي في عصره ، لانه الحاكم الاوحد الذي نصّبه الشعب باجماع جماهيري وهو الرافض لذلك ، وهو الرائد الاول والمثال للحاكم الديمقراطي العادل الذي يتقبل النقد والراي الاخر بكل أريحية .. لم يدعوا الى دولة عقائدية دينية بحتة .. بل يدعوا الناس للاعتراض وتصحيح المسار ان وجد فيه انحراف عن نهج الحق والعدالة .. وهو الدعوة ليكون نمط الدولة مدني وليس ديني اسلاموي .
ففي بعض طروحاته في نهج بلاغته المشهور يدعوا ابناء رعيته للاعتراض عليه وبكل حرية ان اخطأ ، او لعرض وجهة نظر في شأن ما { فلا تكفّوا عن مقالة بحق او مشورة بعدل ، فاني لست في نفسي بفوق ان أخطئ } – وهو الذي لم يُسجًل في سيرته انه اخطأ – كما تتيح (الدولة المدنية) حرية الرأي بشكل كامل وتكفل للمواطنين ممارستهم لذلك الحق ولا كاتم لصوتهم لذا فإن (الرقابة الشعبية) تمارس باعلى صورها فبقدر ما تكون حرية المواطن (مطلقة) بقدر ما حرية المسؤول (مقيدة) وبما يحققه وقبل ذلك بنزاهته ، فكم من والي من ولاته قد اصدر امر إعفائه من منصبه بناءاً على شكوى مواطنين تخدش بعدالته ، وما حربه مع الزنيم معاوية في صفين إلاّ لعزل معاوية عن ولاية الشام لانه كان باغياً- جائراً -مترفاً -عابثاً باموال الناس ، وهو الداعي لعدم تولية خونة الأمانة { لم يخنك الأمين ولكنك إئتمنت الخونة } .
او دعوته ليكون الخطاب معه ( وهو خليفة المسلمين ) بعيد عن الألقاب وخالٍ من التزلف او الرهبة ( فلا تاج راس ولا شخوص مقدسة ) فيقول الامام ع : { لأتكلموني بما تكلموا به الجبابرة ، ولاتتحفظوا مني بما يُتحفظ به عند أهل البادرة ( وهو الشخص الارعن ) ، ولاتخالطوني بالمصانعة ، ولاتظنوا بي إستثقالاً في حق قيل لي ، ولا إلتماس إعظام لنفسي ، فانه من استثقل الحق ان يقال له ، او العدل ان يُعرض عليه ، كان العمل بهما عليه اثقل }.ولنا في قضية احتكامه للقاضي شريح في استرداد درعه المفقود وعدم تسليمه له لعدم توفر الشهود اعظم واكبر دليل على حرصه على احترام القانون من قبل راس الهرم في السلطة وفِي نفس الموقف اعترض الامام على عدالة القاضي في عملية التقاضي حيث كنّاه بأمير المؤمنين امام خصمه ولم يكنَي غريمه !
الامام القائد الذي يعترضه احد الخوارج وهو خارج من مسجد الكوفة ( مقر خلافته) ويسيئ له ببذاءه بانه غير عادل وانه لايصلي خلفه ولايقاتل في جيوشه ويجيبه الامام انه في حل منه مادام لايسيئ لاحد من الرعية !هل هذا الموقف لو كان مع ايرئيس او ملك او امير عربي هل يتقبل ذلك ؟؟
صلوات ربي عليك ابا الحسن