23 ديسمبر، 2024 4:55 م

الامام علي(ع) خمسة وعشرون عام من العزلة

الامام علي(ع) خمسة وعشرون عام من العزلة

أرتضى الامام علي (ع) أن يبقى جليس المسجد يرشد الناس للطريق الصحيح ,وينشر الفضيلة ويرتقي بالوعي بينهم ,ويعلمهم الحكمة والمعرفة ,وكان ناصحاً لهم في كل صغيرةٍ وكبيرة,يزرع الأراضي الجراداء ويعمرها لتدت فيها الحياة ,وكان خراجها للفقراء المساكين والضعفاء,بقي على هذا الحال لإكثر من (25) عام ,أي بعد حادثة السقيفة ,لم يسجل التاريخ طيلة فترة حايته أنه خلال هذه المدة انتهج منهج التآمرعلى الدولة بتحريض المجتمع على السلطة وعرقلة مسيرة بنائها,أو أشاع فكر الحقد والضغينة بين صفوف المسلمين خلال لقاءاته بهم,أوالتجأ لتزوير حقائق وخلطاً للأوراق بين الغث والسمين ,أوالتشويه والتسقيط المعنوي لرموز ووجهاء من حاربوه وعادوه ,أو أستأجر جماعة من خارج المدينة ومكة ليقوموا ببث الرعب والفوضى بين الآمنين ,لم يقم بأي عمل منافي للأخلاق التي كانت كالماء يرتوي منه ,لأن الدنيا لديه كما قال :لأبن عباس {والله لَهِيَ أَحَبُّ إِليَّ من إِمرتكم ، إِلاّ أَن أُقيم حقّ اً، أَو أَدفع باطلاً } لاأريد الغوص في التاريخ ومآسيه ,لكن الامام فضل الابتعاد عن الاجواء وتناقضاتها ليحفظ ماء وجهه ,وهو يشاهد الأمة ورجالاتها وهي تبحث عن السلطة ومنافعها وتسيد القوي على الضيعف ,وغياب للعدالة التي نادى بها الرسول الاكرم (ص) وظهور ممارسات لم يعهدها السلام اصبحت جزء منه وهي بعيدة كل البعد عن مضمون الرسالة الاسلامية ,انا لا اريد الغوص في عمق ازمات ظلت متوارثة ليومنا هذا ,لكن تجربة الامام خلال حكمه فرضت علينا منهج ونهج وسلوك علينا الاقتداء به ,وأبسطها ثوابت في احترام الرأي الاخر عندما نختلف مع شخص ما علينا ان لانعاديه ونضمر له الفرصة للنيل منه ,كما أن هيبة بقاء الدولة اسمى من صراعات نزاعات ,فوجود قانون تسير عليه الحكومة وان تشوبه بعض الاخطاء أفضل من عدمه ,ولعل حادثة خروجه من المسجد وتعرض اليه أحد الخوارج عندما قال له : أنا لا أتابعك ولا أبايعك ولا أخرج معك في وقت ولا أصلي معك جمعة أو جماعة، فردّ عليه الإمام (ع) وأنا لا أجبرك على شيء من ذلك ولا أمنع عنك الفيء وأسالمك ما سالمت المسلمين } كان بأستطاعته أن يفعل به مايرد لم ولن يفعل ,فهنالك حاجز بينه وبين سفهاء قومه هو جبل الحكمة بأن مثل علي لايهبط لمستوى هؤلاء الهمج الرعاع ,وعندما اجتمع على بيعته في المسجد المهاجرون والأنصارمطالبينه بأن يكون الخليفة للمسليمن،وتخلَّف عن بيعته نفرٌ منهم، فلم يهجهم ولم يُكرههم.. ومضى يصف في خطبته موقفه من الخلافة : « أما والذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة،لولا حضور الحاضر ولزوم الحجَّة
بوجود الناصر، وما أخذ الله على أولياء الأمر إلا يقرُّوا على كظَّة ظالم أو سغب مظلومٍ، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أوَّلها ، ولألفوا دنياهم أزهد عندي من عفطة عنزٍ “ومما سطره التاريخ في خلافة علي من أقواله : لا تفعلوا ، ولا أفعل ، فاني لكم وزير خير لكم من أمير,لا حاجة لي في أمركم… أيها الناس أنا معكم فمن اخترتم رضيت به,دعوني والتمسوا غيري.., إني إن أجبتكم ركبت فيكم ما أعلم، وان تركتموني فإنما أنا كأحدكم .. بل أنا من أسمعكم ، وأطوعكم لمن وليتموه أمركم ,وفي يوم بيعته خاطب علي الناس قائلا” ـ أيها الناس: إني كنت لأمركم كارهاً… فأبيتم إلا أن أكون عليكم .. رضيتم بذلك؟ فهتف الناس جميعا نعم يا أمير المؤمنين فقال اللهم اشهد..,أن شخصيته المتمدنة تجاوزت عصره وجالت في العصور المتعاقبة حتى زماننا هذا، وفي هذا العصر، عصر الحرية والديمقراطية، عصر حقوق الإنسان وقيم المواطنة والعدالة والمساواة، عصر حق الشعوب في تقرير مصيرها، عصر ولاية الأمة على نفسها وثرواتها، لم يسجل التاريخ على علي انه قام بقمع معارضةٍ قط، مادامت تمارس معارضتها في إطار من السلم الأهلي والأمان الاجتماعي لا تقتلوا الخوارج بعدي فليس من طلب الحق فاخطاه كمن طلب الباطل فأدركه,كان له مع الخوارج حربا ضروس إلا أنهم تمتعوا مثل غيرهم بأجواء حرة مكنتهم من التعبير عن معارضتهم السياسية لنهج الإمام ومخالفاتهم العقائدية لمذهبه أيضا، سواء بحضرته أو ضد أقطاب حكومته ومواليه،يقول كوفي عنان الامين العام للأمم المتحدة السابق {أن خليفة المسلمين علي بن أبي طالب أعدل حاكم ظهر في تاريخ البشر بعدل الرسول محمد لذلك ننصح ,البلدان العربية الى الأقتداء به كمثال لتأسيس نظام قائم على العدالة واليدمقراطية وتشجيع المعرفة }.