17 نوفمبر، 2024 5:39 م
Search
Close this search box.

الامام المهدي عين الله في ارضه

الامام المهدي عين الله في ارضه

ليست مسالة الغيب غريبة على تفكير المسلم لان جزءً كبيرا من دينه ومعتقده مبني عليه ، فالجنة والنار والحساب والعقاب والملائكة كلها امور غيبية غير منظوره على المسلم ان يؤمن بها ، فهذه اشياء موجودة وبقوة بالرغم من عدم رؤيتنا لها ، فالشمس عندما تختفي خلف السحاب لا يعني انها غير موجودة ولا عديمة الفائدة ، او جارك الذي يمنعك الجدار عن رؤيته ، ولا عدم رؤيتنا للكهرباء تسري في السلك ، ولا هذه الاشارة المنطلقة من القمر الصناعي لتستقر صورة في جهاز التلفاز ، وكما قالوا عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود فالفائدة مستوفاة من هذه الاشياء غير المنظورة التي اصبحت جزءً مهما من حياتنا .
من المسائل مدار البحث مسالة وجود الامام المهدي المنتظر المنقذ اذ لا ينفرد المسلمون بهذه القضية بل ان بقية الاديان بشقيها السماوية ، والوضعية تؤمن بوجود مصلح سيظهر في اخر الزمان فاليهودية ، والمسيحية ، والصينية ، والزرادشتية ، والبوذية تؤمن بوجود المصلح من الظلم الذي اصاب العالم ، واما عند المسلمين وبالاخص الشيعة فان قضية الامام واضحة لكثرة وتوافر الدليل العقلي والنقلي من ايات ، وروايات ، واحاديث كلها تصب في خانة وجود هذا الامام الذي ادخره الله تعالى لحفظ دينه واظهاره على الدين كله .
لم يعد السؤال واثارة الشبهه حول طول عمر الامام موضع ترحيب واستقبال لكثرة الادلة القرآنية والعلمية على ذلك ولا داعي لذكرها لمعرفتها من قبل القاصي والداني وحتى من لديه اطلاع بسيط على الدين والعقيدة ، فالنبي آدم عمّر طويلا والنبي نوح واصحاب الكهف الذين انامهم الله هذه المدة المديدة ، والعبد الصالح الخضر فهو حي يرزق اطال الله عمره الشريف لغاية يعرفها واظهار قدرته وعظمته ولقد ذكر الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة اخبار المعمرين .
مسالة المهدي كيوم غدير خم اثيرت حولهما الشكوك والاشكالات بالرغم من جلائهما ووضوحهما كالشمس في رائعة النهار ، من اجل سلب هذه المناقب المنيفة والايات الشريفة عن اهل البيت ، فان براهينها معها لاتقبل الانفكاك والانفصال ، فهذا الاجتماع الكبير من الحجيج الذي يمخر عباب الصحراء القاحلة وتحت حرارة الشمس التي تصهر الحجر يستوقفه الرسول وكان الحجيج يضعون تحت اقدامهم جزء من احرامهم وملابسهم لتقيهم حر الرمضاء المحرقة في ذلك المكان بعد هذا ينزل الوحي على الرسول ليفسره المفسرون تفسيرا بعيدا عن روح الانصاف والخوف من الله تعالى واقل مايقال عنه انه ضئيل بضآلة عقول اصحابه .
لا يمكننا تكذيب قضية الامام المنتظر وولادته ومصاحبتها للمعجزات لان قسما من المسلمين لا يرغبون في ذلك ولا يؤمنون به لسبب او لاخر ، فاننا بذلك نحطم ذراعا من اذرع الاسلام القوية وننفي حقيقة ثابتة وركنا وطيدا من اركانه مع
وجود الدلائل الواضحة والبراهين الجلية ، او لان السياسات المنحرفة الظالمة التي حكمت المسلمين حاربت هذه القضية بكل قوتها لانها تعرف بان نهايتها ستكون على يدي هذا الامام المنتظر الذي بشر به الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم وهو بحد ذاته دليل آخر يضاف الى ادلة وجوده الشريف ، فلولا ثبوت مسالة الامام المهدي لما حاربتها السلطات العباسية الظالمة بهذا الشكل من القساوة والوحشية ولولا وجود مسالة المهدي المنتظر لما ادعتها شخصيات لاغراض معينة يقول الشيخ المظفر اعلا الله مقامه الشريف في عقائد الامامية : ( ولولا ثبوت ( فكرة المهدي ) عن النبي على وجه عرفها جميع المسلمين وتشعبت في نفوسهم واعتقدوها لما كان مدعوا المهدية في القرون الاولى كالكيسانية والعباسية وجملة من العلويين وغيرهم من خدعة الناس واستغلال هذه العقيدة فيهم طلبا للملك والسلطان ) .
حاصرت السلطة بيت الامام الحسن العسكري ونشرت العيون هنا وهناك وحتى انها ارسلت جواسيس من النساء لتفحص حمل ام الامام التي اودعت السجن بعد ذلك ، فارغمت الناس بالتهديد والوعيد على انكار هذه المسالة او مجرد التفكير بها بمساعدة وعاظ السلاطين ، وعلماء البلاط والناس على دين ملوكهم ، فأُخذت على مر السنين اخذ المسلمات وانكرتها الامة كما انكرت كثيرا من القضايا البارزة المسلمة في تاريخ الاسلام الثابتة المعززة بالدليل والبرهان ، ولكن وما تشاؤون الا ان يشاء الله ، للظلم ارادة ولله تعالى ارادة ، وجاء دور المعجزة وحملت السيدة نرجس حملا خفيفا مخفيا كما حملت ام موسى ليعمى فرعون وملأه ولتفقأ عيون السلطة الحاكمة ، وهكذا ولد امامنا صاحب العصر ليدخره الله لصيانة دينه وعباده وليكون الامام والرئيس في ارضه .
قضية الامام المهدي مستفيضة البرهان واضحة البيان قوية الدليل لاتقبل الشكك ولا التاويل في صدورها ، فهي لطف من الله تعالى بعباده لوجوب وجود الحجة والرئيس على الناس والمشرف الرقيب على مجريات الامور حتى لا ينفرط عقد الخلق ، والنظام ، انه صلة الوصل بين السماء والارض وبقية الله الباقية التي تذكرنا بالدين القويم وبالصالحين والاولياء والاخرة والحساب والعقاب والوقوف امام البارئ تعالى روى النعماني في كتاب الغيبة من كلام امير المؤمنين علي عليه السلام لكميل بن زياد النخعي المشهور حيث قال اخذ امير المؤمنين صلوات الله عليه بيدي واخرجني الى الجبّان فلما اصحر تنفس الصعداء ثم قال ( اللهم بلى لا تخلو الارض من حجة قائم لله قائم بحجته اما ظاهر معلوم واما خائف مغمور لئلا تبطل حجج الله وبيناته ) .
الامام تنبيه للاصلاح وحث على العمل ، اذ ان غيابه لحظه واحدة عن الارض موجب لسَوَخانِها باهلها ، الله تعالى سيد العقلاء وحاشا ان يبقي ارضه وخلقه هملا من دون حجة ولا رقيب ولا رئيس ولعلها من اساسيات الدين والعقيدة ان الارض لا تخلو من حجة فعندما استشهد الامام الحسن العسكري تسنم مهام الامامة ابنه المهدي وعمره خمس سنين بعدها وبامر الله وحكمته اختفى عن الانظار ليجعله الله حجة له لاصلاح الامر في اخر الزمان ، وبما ان الامام المنتظر هو امتداد
وممثل للرسول فان وجوده في الارض يمنع من العذاب . وجاء دور التشكيك والتكذيب لهذه المسألة بانه لم يولد وسيولد فيما بعد وهو من ولد الحسن وليس من اولاد الحسين ليغلقوا هذا الملف نهائيا وليلصقوا كذبة اخرى على الشيعة (بزعمهم ) ، وهذا فرار من حقيقة جلية واضحة لعدم امتلاكهم الرد الشافي بالحجة والدليل .
ولعل قائلا يقول بان الله سيصلح امر المهدي الذي لم يولد بساعة او يوم كما حصل مع النبي موسى اذ اصلحه الله بوقت قصير وبعثه نبيا بعد ان راى نارا ، ان معجزات الله كثيرة وهذا مظهر من مظاهر قدرته جل شانه لانه القدير الحكيم ولكن ابقاء عبد من عباده هذه المدة المديدة هي مظهر اخر من مظاهر قدرته التي لاتنقطع ، ولكن الامر الاول منتفي بحكم الروايات والاحاديث القوية الثابتة السند والمتواترة بولادته وانه من ولد الرسول ومن ابناء الحسين عليه السلام .
ليست مسالة تسنم هذا المنصب الكبير بالسهلة اليسيرة ولا اصلاح ذلك الانسان بساعة او بيوم للقيام بهذه المهمة الصعبة هي مجرد تركيب وتجميع اجزاء ثم دفعها ووضعها في مجال العمل دون قاعدة دينية قوية واساس عقائدي عتيد وتربية روحية عالية ووعي واسع بنفسية الانسان وطريقة تفكيره يتمتع بها ذلك الانسان ، ولم يكن ذلك الطراز من المصلحين عاديا بل يحضى بعناية الهية وتاييد رباني يؤهله لخوض غمار بحر الاصلاح اللجي في وقت ماتت فيه القيم والاخلاق واصبح الانسان يقتل كما تقتل البعوضة وتقطع الرؤوس وتركل بالارجل كما تركل الكرة وتؤكل الاكباد والقلوب .
هل باستطاعة حضارة ركيكة كحضارة زواج المثليين والاباحية وابادة البشر وقتل العلماء والعناصر الخيرة وشرعنة الفساد وسيطرة القوي والبشرية التي تلوثت بمعاني الشر وغيرها ان تنجب مصلحا منقذا يصلح حال الانسانية البائسة المنكوبة بالوان العذاب والعناء المغلف بخدع الحضارة المزيفة التي جلبت الويل والثبور لبني البشر وسط هذا التعقيد والتشابك في المشاكل بين الخلق .
لقد اختار الله الرسول من بين البشر وبعثه نبيا لان قلبه انظف القلوب وروحه اطهر الارواح وعقله انقى العقول لم يسجد لصنم ولم يعبد وثنا وكان موحدا قبل ان يبعثه الله نبيا وسط مجتمع وثني منغلق على الشرك والكفر والفساد فاستطاع ان يحفظ نفسه من دنس الجاهلية وشركها وسط معاناة كبيرة بحجم ايمان الرسول وهكذا الاوصياء ، فالمهدي يمتلك تلك القاعدة العريضة والمؤهلات العليا التي تصنع منه قائدا انموذجا يقود البشرية نحو الاصلاح واقامة الدين ، وان هذا المنصب لم يتات من صدفة او عشوائية بل هو نتاج معاناة وتربية روحية عالية وذوبان في الله قضاها الامام المهدي طيلة عمره الشريف ليتاهب ويتاهل لقيادة الارض نحو الدين والكمال ، والكرامة ، وسط قوة العصمة وعظمتها التي مكنته من رؤية ومعرفة حقيقة الاشياء والنظر بنظرة الهية بامتياز مما زاده تالقا ولياقة للقيادة والصدارة وان هذا السلوك يعطي للانسان وقاية ومنعة من الخطا وتوجيها نحو الصواب والسداد .
اراد الله تعالى جمع الامة على حب علي في بداية الرسالة المحمدية لكي لا تتفرق وتتمزق والان على حب المهدي المنقذ المخلص من هذه الحالة البائسة للامة ولكنها ابت ورفضت ونكصت على عقبيها فانحطت ووهنت على كل امم الارض وكل من يخالف الدليل يضيع في صحراء الضلال والضعف في كل شيئ . واصبح عبيد الشهوة والاباحية وعباد الخمرة والمال يمنعون المسلمين من دخول دولهم ولا من سميع او راد على ذلك لامن قريب ولا من بعيد لاسترجاع ولو الجزء اليسير من كرامة هذه الامة المفقودة ، ولكنها تجتمع على قتل ابناء جلدتها بالطائرات والصواريخ والقنابل المحرمة وسط صمت رهيب من دعاة حقوق الانسان ، او يكيلون التهم والاسقاطات والاباطيل لثلة من الشباب المؤمن امنت بربها فزادها الله هدى والذين حفظوا لهذه الامة ما تبقى من ماء وجه مراق والصاق التهم بها فمرة مجوسية واخرى صفوية وثالثة ارهابية لسبب وحيد وهو محاربة اسرائيل الغاصبة المتعالية على كل القيم والقوانين وسط نوم عميق من امة يسمع غطيطها وشخيرها من مكان بعيد وتخلت عن ابسط واجباتها .
اننا لا نشكك بقدرة الله على فعل كل شيئ ولكنه يختار من عبادة من يشاء ويقدر على العمل والمسؤولية من ذوي الدين واليقين والسابقة البيضاء الصحيحة في الاسلام ومن محص بالبلاء والامتحان وخرج ناجحا مرفوع الراس ، ولكن هل تتوفر هذه الصفات في زماننا هذا ، لا ننكر ان هناك قادة ومصلحين على مستوى منطقة او دولة ولكن ليس على مستوى الانسانية لتعقد الامور وتشابكها فلا يقدر على اصلاحها الا المؤيد المسدد من الله تعالى .
ان اية الاظهار من الدلائل القوية على ضرورة وجود الامام المهدي الذي سينصر الدين ويظهره على كل الاديان في شرق الارض وغربها وفي كل بقاع الكرة الارضية ولم يتحقق هذا الاظهار الا بظهوره عليه السلام عندما ياذن الله له ليملا العالم بالقسط والعدل والنَصَفَة ، فهل سينصر الدين هذه التنظيمات الارهابية التي وظفتها قوى ودول معروفة بعدائها للاسلام والنبي ولكنهم لم يصلوا الى ما يريدون لانها حركات فاشلة ومفضوحة ومكشوفة وسيعود ضررها على من صنعها ودفعها ولا يحيق المكر السئ الا باهله .
لقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي وقد رواه السنة والشيعة : ( ان من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية ) ولقد سئلت بنفسي جمعا من ابناء السنة والجماعة عن امام زمانهم فكان الجواب مريعا فظيعا ووقعوا في حيص بيص ولم يجتمع اثنان على اجابة واحدة وبعضهم لا يعرف ، فبقوا حيارى لم يملكوا ردا لقد اراد الله تعالى ان يجمع كلمة المسلمين ووحدتهم على امام واحد غائب سيظهر اذا اذن الله بذلك ليرفع الحيف والظلم عن كواهل المسلمين ويرجع الهيبة والاعتبار الى دين اهانه مدعوه قبل غيرهم . لقد سدت مدرسة الصحابة باب الامام المهدي المولود سنة 255 هجرية لكيلا تقع في سؤال ورد وبحث فهي بهذا سدت بابا فتحه الله رحمة لعبادة وتوحيدا لكلمتهم وجمعا لشتاتهم ، وهل يستطيع احد ان
يغلق بابا اراد الله فتحه الا مكابرة وعنادا واصرارا على الخطا المنطلق من العصبية والجمود الفكري .

أحدث المقالات