شكل الحكم العباسي انعطافة كارثية كبيرة في مسيرة الامة الاسلامية عموما والشيعة خصوصا, فهذا الحكم جاء على انقاض الحكم الاموي, المعروف بنصبه العداء العلني لآل البيت عليهم السلام وشيعتهم.
اختلف العباسيون عن الامويين بادعائهم النهوض للمطالبة بحق أهل البيت عليهم السلام, ورفعوا شعار يا لثارات الحسين كشعار لثورتهم المزعومة.
هذا الشعار يدفع بعامة شيعة اهل البيت عليهم السلام للتعاطف معه, فاستغل العباسيون بساطة الشيعة, لإيهامهم بأنهم سائرون على نهج أهل البيت عليهم السلام.
ولما كانت الأوضاع مبهمة ومضطربة, حال التغيير بين الحكميين –الاموي والعباسي- لم تكن العقائد تشكل معضلة وقتها, وخصوصا مع وجود الامام جعفر الصادق عليه السلام, راعي الجامعة الاسلامية العظيمة, وطلبته الذين كانوا يذودون عن المذهب, ويدرؤون الشبهات بحجة ودليل قاطع.
لذا صار القرار بالتخلص من الامام الصادق عليه السلام, لوئد هذه المدرسة في زمن المنصور, وفعلا تم لهم ما أرادوا, ولقرب العباسيين النسبي من اهل البيت, فكانوا يعرفون بعقائد الشيعة, لذا بدأوا بانتهاج الحرب العقائدية لضرب الشيعة من الداخل, ليخلوا لهم الجو, ويوهموا الناس بأن لهم الحق بوراثة النبي صلى الله عليه واله, لقربهم نسبا منه فهم أبناء عمه العباس.
أول انحراف عقائدي نمّاه العباسيون في زمن المنصور, هو إنتاج فرقة الإسماعيلية نسبة لإسماعيل ابن الامام الصادق عليه السلام, والذي توفى في زمن أبيه, وليبعدوا بذلك الامامة عن الإمام الكاظم عليه السلام, ثم بعد ذلك وفي نهاية حكم المنصور أخذ المنصور لتشويش والتمهيد لثقافة المهدي المنتظر, وان المهدي من نسل المنصور, فسمى ابنه بالمهدي, ليوهم عوام الشيعة بأحقيته بالإمامة, كل هذه الأباطيل كان الإمام الكاظم عليه السلام يردها بالحجة والدليل والبرهان.
بعد هلاك المنصور العباسي صار الحكم لابنه المهدي, هذا الحاكم تنبه لقضية العقائد, وان قوة الشيعة في عقيدتهم, فبدأ بالتشكيك بالفروع المتشعبة من الأصول الخمسة, وكانت فتنة قاعدة اللطف التي اثارها, وهل إن ارسال الرسل واجب على الله أم لا؟ ولكون الدليل على الامامة هو عين الدليل على النبوة, فقد بث علماء البلاط العباسي بأن قاعدة اللطف غير واجبة في الإمامة, وأخذوا يرسلون الاشكالات تلو الاشكالات, لكن وقوف الامام موسى الكاظم عليه السلام وطلبته وعلماء مدرسة ال البيت عليهم السلام حال دون تفاقم واستفحال الانحراف العقائدي.
بعد فشل الحركة العقائدية المنحرفة التي انتهجها المهدي العباسي, وبعد تولي الهادي العباسي الحكم بعد هلاك اخيه المهدي, غيَّر هذا الظالم النهج, واتخذ خط جديد وهو حرف المجتمع عن الخط الاخلاقي والقيمي, فبدأ بدعم المغاني والمعازف, واخذ يغدق الاموال على المغنيين والراقصات, وفتك الانحلال بالمجتمع, وكانت خطته تهدف لفصل المجتمع عن قيادته الروحية, ولكن ايضا لم تنجح هذه الخطة, وبعد سنة وشهر من حكمه, هلك الهادي العباسي ليتسلم الحكم هارون العباسي.
هارون العباسي كان مغرورا جدا ومتعالٍ, ويحمل من الدهاء والمكر الكثير, فاتخذ نهجا, جمع بين نهجي اسلافه, فمع دعمه للعقائد المنحرفة, دعم الانحلال المجتمعي لفصل القاعدة عن قادتها, واضاف اليها خطة ثالثة, وهي تغييب القائد عن رعيته, فأمر بحبس الامام الكاظم عليه السلام.
غاب عن فكر هارون ان الامامة منصب الهي, لا تحده الحدود, ولا تعرقله القيود, فكانت روحية الامامة حاضرة بين اتباع مدرسة اهل البيت, ورغم حبسه إلا إن الامام الكاظم روحي فداه كان يتواصل مع شيعته باليات وأشكال مختلفة, ومنها الآليات الإعجازية, أو عن طريق من يزوره من شيعته كعلي بن سويد.
ولما لم يروا بُد من انهاء الامامة -رغم تغييب الامام موسى بن جعفر عليه السلام- لذا عمد هارون بالأمر للسندي بن شاهك لاغتيال الامام عليه السلام, حيث كان مسجونا روحي فداه في هذا السجن المظلم, وهو السجن الثالث للإمام بعد سجن عيسى بن جعفر في البصرة, وسجن الفضل بن الربيع وآخرها سجن السندي بن شاهك.
قام السندي بدس السم في التمر, وقدمه للإمام عليه السلام, ولما تناوله الامام روحي فداه, بقي في الطامورة التي هو مسجون فيها, يعاني من اثر السم, حتى قضى بابي وامي هو, نحبه غريبا وحيدا في ظلمة المطامير.
فالسلام عليك يا سيدي يا موسى بن جعفر, يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا.