ساد العالم الاسلامي خاصة تلك المناطق التي يقطنها أهل البيت وشيعتهم كالمدينة في الحجاز والعراق بعد فاجعة كربلاء الدموية جو من الرعب والارهاب، وضعفت الحركة المعادية للسلطة الأموية وأُصيبت بنوع من الفتور والذهول واختل وتلاشى تنظيمها لما شهدته من تصفيات جسدية طالت حتى الأطفال، حتى قال عنها الامام علي بن الحسين بن علي أمير المؤمنين عليهم السلام: “ما بمكة والمدينة عشرون رجلاً يحبنا” – بحار الأنوار:46/143، وشرح نهج البلاغة:4/104.
الحالة ذاتها تتكرر اليوم في عالمنا الاسلامي من أقصاه الى أقصاه حيث الارهاب الأموي عاد بظلاله يسود الأمة ويزعزع أمنها واستقرارها ويفتك بصغيرها وكبيرها دون أدنى رحمة يمزق الأجساد ويأكل الأكباد ويفخخ ويفجر ويسرق وينهب ويستبيح الأعراض وينتهك المقدسات دون رحمة أو شفقة وكأنهم يصرون على عودة البشرية الى عهد الجاهلية وإنكار دين الرحمة والرأفة والمودة والمحبة حتى دفع بشعوب العالم الى رفع شعار “الاسلامفوبيا” رهاباً من رسالة التسامح والتعايش التي أخذ الأحرار يميلون لها ويتخذونها ديناً لهم فأوجس خيفةُ في قلوب المنافقين والفاسقين من الصهاينة والعربان فدفعوا بحاخاماتهم ودعاة عروشهم الى توحيد الكلمة والأفتاء بتمزيق الأمة .
عاصر الامام علي بن الحسين عليهما السلام الذي نعيش اليوم ذكرى مولده المبارك ستة من حكام ظلمة متفرعنة من أمويين وغيرهم مسودة صفحات تاريخهم يالقتل والذبح والتحريف والتزييف والقمع والتنكيل بأهل البيت (ع) وأنصارهم ومحبيهم وكل داعية بالعودة نحو القرأن والسنة وهم: يزيد بن معاوية ـ (61ـ 64)، وعبد اللّه بن الزبير ـ (61ـ 73)، ومعاوية بن يزيد (بضعة شهور من عام 64)، ومروان بن الحكم ـ (تسعة أشهر من عام 65)، وعبد الملك بن مروان ـ (65ـ 86) والوليد بن عبد الملك ـ (86ـ 96)، الذين عقدوا العزم على التضليل على الدين المحمدي الأصيل والثورة الحسينية الخالدة ثورة انتصار الدم على السيف، فكان الامام السجاد (ع) لهم بالمرصاد مستخدماً سلاح الدعاء والخطابة لفضح أنجراف السلطة والأمة والتصدي لهم بكل الوسائل السلمية فأضحى أمثولة للنضال السلمي ضد الأنظمة الديكتاتورية يتمسك به الكثير من المسلمين الأحرار منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا وعلى سبيل المثال حركة شعب البحرين الأبية السلمية الصامدة رغم كل العنف والقمع الدموي الذي يستخدمه نظام التمييز الطائفي الخليفي ضد شعب مظلوم أعزل لا يطالب سوى بالعدالة والحرية والمساواة .
ولد الامام علي بن الحسين (ع) سنة ثمانية وثلاثين للهجرة بالمدينة المنورة، وقضى طفولته هناك، وأدرك سنتين من خلافة جدّه الامام علي أمير المؤمنين (ع)، وعاصر بعدها فترة عشرة أعوام من إمامة عمّه الامام الحسن المجبتى (ص)، ثم مع أبيه الامام الحسين (ع) لمدّة عشر سنوات ايضاً وهو يجاهد معاوية الذي كان في قمة التزييف والتزوير والإنحراف والبذخ والتبذير والإرشاء، وحضر فاجعة الطف التي ذهب ضحيتها العشرات من أهل بيته الميامين وأنصارهم الكرام مقطعي الرؤوس والأجساد ولم ينجو منه حتى الطفل الرضيع، ليحمل لواء نشر الثورة على عاتقه بوسائله السلمية ليجعل من دم أبيه الطاهر ينتصر على قوة سيف الظلم والطغيان ويضحى مناراً للأحرار والشرفاء والنجباء والمجاهدين المدافعين اليوم عن شرف الأمة ووحدتها متصدين للارهاب التكفيري الوهابي السلفي الذي يفتك بالمسلمين الأبرياء في العراق وسوريا واليمن ولبنان وأفغانستان وباكستان ومصر وليبيا والجزائر ونيجيريا والبحرين، دون مبالاة منتهجين مدرسة “القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة” .
تمكن الامام السجاد (ع) ورغم أنه كان وحيداً وأنصاره لايتجاوزون عدد أصابع اليدين من التصدي بعلمه وفكره وإيمانه وقوته الالهية ورسالته السماوية التي كان يحملها على عاتقه من التصدي لإنحراف الأمة والتصدي لظلم وطغيان وجبروت وفرعنة الحكام والسلاطين وعلماء الزور والتزييف الذين أرادوا بالأمة العودة الى جاهلية قبل الاسلام، ذلك الانحراف الذي تمسك به الأحفاد من الأسلاف ونشهده يعصف ببلاد المسلمين وعبدة الدرهم والدينار يفتون بما لذ وطاب للحاكم والسلطان في قتل وذبح الانسان، وتدمير البلاد، وتمزيق العباد، وحرق الأبيض واليابسة، ونهب ثروات الأمة، وسلب النساء وتدنيس المقدسات، والقتل على الهوية الذي لا يستثني حتى الأطفال، وإيقاع الفتنة الطائفية بفتاوى تكفيرية سعودية – خليجية – صهيونية؛ سعياً للتضليل على نهج أئمة الهدى والرسالة السماوية الخالدة لكن مشيئة الباري تعالى تشدد على إعتلاء كلمة الحق ودحر الظالمين والمشركين والمنافقين على يد المؤمنين وهو وعد صدق جاء في كتابه الحكيم “يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ {32} هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ {33}- – سورة التوبة.. وأن وعد الله لقريب “إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ..” – سورة هود الآية 81 .
[email protected]