23 ديسمبر، 2024 12:58 ص

الامام الحسين (عليه السلام) امتداد للرسالة النبوية

الامام الحسين (عليه السلام) امتداد للرسالة النبوية

عند تسلم امير الفاسقين يزيد السلطة طلب من عامله في المدينة المنورة ان يطلب من الامام الحسين (عليه السلام) ان يبايع يزيد ابن معاوية ابن ابي سفيان خليفة للمسلمين ولا يخفى على الامام الحسين وعموم المسلمين من هو يزيد نتيجة لتجاهره بالخمر والطرب والمنكرات واني لأتعجب كيف تجرا والي المدينة وطلب من أقدس الناس وأعلمهم وافقههم وأشجعهم على الاطلاق البيعة لشاب طائش متجاهر بالمنكرات وغارق بها. وهنا يمكن القول ان في تلك المرحلة بالذات صار خطان؟ خط الايمان والرسل والانبياء الذي يمثله الامام الحسين (عليه السلام) وهو المؤتمن على الدين والرسالة وتوجيه الناس الى ما فيه النجاة لذا كانت الأنظار متوجه اليه ماذا سوف يصنع مع هذا الطاغية المتهتك لحرمات الله وخط الشيطان والكفر والنفاق وبلغ ذروته في زمان يزيد بشكل فاضح بعد ان كان متخفي فيمن هم قبله ممن تسلم السلطة زورا وبهتانا. وما ان عرض امر البيعة على الامام أدرك خطورة الامر أعلن وبصريح العبارة لوالي المدينة عن موقفه قائلا:(يزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق ومثلي لا يبايع مثله)
بكلمته هذا سلب الشرعية من يزيد. الشرعية التي أعطيت لليزيد من خلال سكوت الامة وفي مقدمتهم كبار الصحابة عن يزيد عند ما يتجاهر بفسقه بسبب القبضة الحديدية التي كانت الحكومة الاموية تفرضها على المعارضين لحكمهم الا الامام الحسين (عليه السلام) فانه تحدى كل جبروت بني امية وطغيانهم ومضايقاتهم واخذ على عاتقه حماية الرسالة الإسلامية بعكس بعض الصحابة الذين فروا من المدينة سرا خوفا من يزيد. وضع بني امية  امام الامام الحسين (عليه السلام) خياران اما البيعة او القتل ولم يضعوا عروض أخرى كما وضعوا امام بعض المعارضين لاستمالتهم إليهم لأنهم كانوا يعلمون علم اليقين ان اهل البيت (عليهم السلام) لا يتفاعلون مع هكذا عروض واغراء؛ وودع قبر النبي (صلى الله عليه واله) وخرج الى مكة وفي مكة أحس الامام بأن هناك مؤامرة لاغتياله وانهاء حركته الإصلاحية فأشل المخطط الاموي والقى خطبة على الحجيج وبهذه الخطبة يمكن القول ان الامام الحسين (عليه السلام) استطاع ان يعلن للعالم من خلال الحجاج الذين جاءوا من كل فج عميق رفضه لليزيد واعتباره خليفة غير شرعي وانه ماضا بالإصلاح مهما كلف الامر ثم نعى نفسه حيث قال(خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ؛ وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب الى يوسف ؛ وخير لي مصرع أنا لاقيه. كأني بأوصالي هذه تقطعها عسلان الفلاة بين النواويس وكربلاء. محيص عن يوم خط بالقلم؛ رضا الله رضانا اهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين من كان منكم فينا باذلا مهجته وموطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا. فإني راحل مصبحا إن شاء الله تعالى) وعند ما خرج من مكة ووداعه أخيه محمد ابن الحنفية قال له محمد في الليلة التي أراد الخروج في صبيحتها: (يا أخي لقد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت) ثم خرج الى العراق بعد ان الح عليه اهل الكوفة بالمجيئ اليها وبعثوا له الكتب ليكون حاكما عليهم. بدا اهل الكوفة بمراسلة الامام الحسين (عليه السلام) بعد استشهاد الامام الحسن (عليه السلام) أرادوا خلع معاوية ومبايعة الامام الحسين (عليه السلام) وكان الإمام الحسين(ع) في كل ذلك يمتنع عليهم، ويطلب منهم الصبر إلى حين موت معاوية، فإذا حدث ذلك نظر في الأمر.
وهكذا صارع الامام الحسين (عليه السلام) أولئك اللعناء أبناء الطلقاء الذين أرادوا إطفاء نور الإسلام المحمدي بإسلام اموي مزيف ليستعيدوا أيام الجاهلية {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بأفوههم ويأبى ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكفرون} ومضى الى ربه شهيد هو واهل بيته وانصاره في رمضاء كربلاء.
نعم لقد استشهد الامام الحسين (عليه السلام) من اجل قضية إنسانية قبل ان تكون دينية وضحى من اجلها بأعز ما يملك اهل بيته حيث قدمهم قرابين حتى يتحرر الانسان من العبودية التي أراد أعداء الإنسانية فرضها على الانسان وحتى يتحقق المشروع الإلهي الذي كان هو يمثله وامتداد له في الأرض لذا اجتباه الله وكرمه واعطاه هذه المنزلة العظيمة التي نراها اليوم حيث تهفو اليه الملايين من كل حدب وصوب وجعل في قلب كل انسان غيور سليم الفطرة حب للحسين (عليه السلام) وهو النور الذي يقتبس منه احرار العالم مناهجهم الثورية الإصلاحية ويعبؤوا بها الجماهير من اجل استنهاض الروح المعنوية بداخلهم لمواجهة الخصم.
الحسين (عليه السلام) مدرسة شاملة لكل العلوم والمعارف الدينية والأخلاقية والإنسانية والجميع يدعي الانتساب لهذه المدرسة لما لها من مكانة في قلوب الناس. الانتساب للحسين مسؤولية فلا يجوز لكل محب ان يدعي الانتساب. هذه مبادئ الحسين وتعاليمه ووصاياه حية وخالدة بيننا هل طبقت عمليا! الإصلاح الذي نادى به الامام الحسين (عليه السلام) لم يكن شعار ليستميل به الناس اليه بل كان يتكلم ويعتصره الألم والحسرة على ما آلت اليه الامة الإسلامية عند تسلط عليها من لا يستحق قال في مسيره الى كربلاء (إن هذه الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا فإني لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برما إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون) ولم يقتصر الإصلاح الحسيني على محاربة الظالمين بل هو أوسع من ذلك ولا يجوز لاحد ان يقتصر الثورة على هذا النقطة فقط لا بد ان تتثقف الامة ثقافة حسينية من خلال نشر الوعي الديني والذي احد مصاديقه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر  لمواجهة التيارات المضادة للإسلام التي تحاول وبكل إمكانياتها لطمس الهوية الإسلامية في المجتمع الإسلامي وان التغافل عن هذه المؤامرات الشيطانية يبعدنا عن الله تعالى ويوقعنا تحت هيمنة الظالمين عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال: لا تزال أمتي بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر ، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات وسُلّط بعضهم على بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء ) وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: ( لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيُولَّى عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم ).
ومن مبادئ الحسين (عليه السلام) الصدق مع الناس
تقول بعض الروايات رافق الامام الحسين (عليه السلام) عند خروجه من مكة زهاء خمسة الاف فارس واخذ العدد يتقلص لان الامام أخبرهم بأنه لا مفر من الموت ووصل الى كربلاء ولم يبقى معه الا قرابة الخمسمائة ثم خطب فيهم الإمام (عليه السلام) بحسب ما جاء عن مولاتنا سكينه عليها السلام قالت:” سمعت أبي يقول لمن كان معه: أنتم جئتم معي لعلمكم أنيّ آتي إلى جماعة بايعوني قلباً ولساناً. والآن تجدونهم قد استحوذ عليهم الشيطان ونسوا ذكر الله تعالى فليس لهم قصدٌ إلاَّ قتلي وقتل من يجاهد معي وأخاف أن لا تعلموا ذلك أو تعلموا ولا تتفرقوا حياءً مني، ويحرم المكر والخديعة عندنا أهل البيت فكل من يكره نصرتنا فليذهب الليلة الساترة قالت مولاتنا سكينة: فتفرّق القوم من نحو عشرة وعشرين حتى لم يبقَ معه إلاَّ ما ينقص عن الثمانين) وهذا خير دليل على ان الامام لم يكن يريد سلطة او سيادة او ممن يريد ان يجمع الناس ليصعد على اكتافهم وهو على حق ولا شك في ذلك. فلم يذكر المؤرخون انه حاول اغراء احد بمال او منصب من اجل ان يقاتلوا معه كما كان يفعل الطرف الاخر بل كان يقول لهم هذا الليل فتخذوه جملا واخذ يمتحن أصحابه ويخبرهم بان الموت لا محالة حتى بقت هذه الثلة المباركة صامدين صابرين رضوان الله تعالى عليهم حيث ينقل نافع ابن هلال (رضي الله عنه) انه سمع السيدة الجليلة بطلة كربلاء زينب(عليها السلام) تخاطب الامام الحسين (عليه السلام) تقول له (أخي هل اختبرت من أصحابك نيّاتهم, إنّي أخشى أن يسلموك يوم الوثبة واصطكاك الأسنّة”. فقال الحسين عليه السلام إي والله بلوتهم فما وجدت فيهم إلّا الأشوس الأقعس، يستأنسون بالمنيّة دوني استئناس الطفل بلبن أمّه) هذه الثلة الطيبة كانت على بصيرة من امرها صدق القائد معهم وهم صدقوا معه. فلا يحاول من يريد ان يصل الى مبتغاه من منصب او غيره يمني الناس بأشياء هو لا يستطيع توفيرها لهم ثم يتركهم يعيشون الماسي كما يفعل بعض المسؤولين في بلد الحسين (عليه السلام) ومع احبابه وعشاقه ومرديه؟
الامام الحسين (عليه السلام) مدرسة امتداد لمدرسة النبي وعلي والحسن (عليهم أفضل الصلاة واتم التسليم) وهي مدرسة العلوم والمعارف الإلهية والإنسانية بأعلى قيمها. واحياء ذكر الحسين (عليه السلام) هو احياء للرسالة الإسلامية وسلامة هذه الشعيرة المباركة من التحريف هي سلامة الإسلام من الشبهات والنقد اللاذع الذي يطلقه بعض المتصيدين بالماء العكر. فلنخاطب العالم باسم الحسين (عليه السلام) لان الحسين هو الحب والأمان والسلام الذي يفقده العالم لأنه يفقد المبادئ والتعاليم الحسينية سلام على الحسين يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.