22 ديسمبر، 2024 8:37 م

الامام الحسن.. حقن دماء المسلمين فخذلوه ورموه ببغيهم

الامام الحسن.. حقن دماء المسلمين فخذلوه ورموه ببغيهم

أربعة عشر قرناً والشبهات وسوء الظنون لا يزال يحوم حول تاريخ حياة ريحانة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سيد شباب أهل الجنة الامام الحسن بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهما السلام، حيث التاريخ كتب بأقلام أموية حاقدة مأجورة وثنية تحمل الضغينة والعداء بكل ما للكلمات من معان لبني هاشم عاملين كل جهدهم في تغيير حقائق التاريخ وإيجاد الشبهات حول الشخصيات الاسلامية الفذة الفريدة المحبة للخير والسلام من بيت الوحي التنزيل، خاصة بعد التوقيع على ميثاق الصلح مع معاوية “أبن الطلقاء” حفاظاً على بيضة الاسلام ومنعاً لسفك الدماء.

أحاديث الرسول محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الأخيار ووصاياه بخصوص ريحانته وحفيده الامام الحسن كثيرة لا يسعنا تفصيلها في مقالنا هذا، ومنها ما روته كتب العامة قبل الخاصة هو ما روي عن عائشة :” أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يأخذ حسناً في ضمه إليه، ثم يقول: اللهم ان هذا ابني وأنا أحبه فأحبه وأحب من يحبه” (كنز العمال ج13 ص652 رقم 37653، رواه ابن عساكر في حياة الإمام الحسن من تاريخ مدينة دمشق ص 56 رقم 98، ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ص 176. ورواه البدخشي في مفتاح النجاء ص 173)، وكذلك ما رواه ابن عساكر باسناده عن حذيفة بن اليمان:”ان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: ألا ان الحسن بن علي قد أعطي من الفضل ما لم يعط أحدٌ من ولد آدم ما خلا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله”( ترجمة الإمام الحسن ص121 رقم 194، ورواه أبو نعيم في أخبار أصبهان ج2 ص242) .

ظروف عصيبة جداً تلك التي كانت تمر بها الأمة بعد اغتيال أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب عليه السلام بسيف القاسطين والمارقين المنافقين الخارجين عن دين الله سبحانه وتعالى، حيث الفوضى عمت بسبب الاعلام الأموي المسموم والضال في الكوفة مما دفع بالكثير من أصحاب وأعداء الامام الحسن بن علي عليه السلام التخطيط والعمل على اغتياله إرضاءً لابن هند آكلة الأكباد صاحبة الراية الحمراء، والتي قامت ببث الدعايات المسمومة والمغرضة دفع بالانقلاب على الواقع والحقيقة وانتصار الشر على الخير كما هو مألوف لدى عرب الجاهلية والقبلية على مر السنين والقرون وحتى يومنا هذا.

أدرك الامام الحسن بن علي أمير المؤمنين الذي نعيش هذه الأيام ذكرى استشهاده الأليمة المفجعة، أبعاد المؤامرة وكشف الجواسيس، وأرسل الى “معاوية” يدعوه التخلّي عن انشقاقه وعصيانه ضد الخلافة الإلهية التي نص وعهد بها الرسول الأمين، فأرسل “معاوية” رسالة جوابية يرفض فيها مبايعة الامام الحسن، وتبادلت الرسائل بين ريحانة المصطفى و”أبن هند” الفسق والفجور وتصاعد الموقف المتأزّم بينهما حتى وصل الى حالة إعلان الحرب.

ما دفع بالامام الحسن ورغم كرهه لذلك بأن يسير بجيش كبير حتى نزل في موضع متقدم عرف بـ”النخيلة” فنظم الجيش ورسم الخطط لقادة الفرق؛ ومن هناك أرسل طليعة عسكرية في مقدمة الجيش على رأسها “عبيد الله بن العباس” و”قيس بن سعد بن عبادة” كمساعد له؛ لكن مجريات الأمور والأحداث جرت خلاف المتوقع؛ وفوجىء سيد شباب أهل الجنة الحسن المجتبى بالمواقف المتخاذلة من أنصاره وقادته والمقربين له، منها:

1- خيانة قائد الجيش “عبيد الله بن العباس” الذي التحق بركب “معاوية” لقاء رشوة تلقاها منه رغم أن الأخير كان قد قتل أثنين من أبنائه.

2- خيانة زعماء القبائل في الكوفة الذين أغدق عليهم معاوية الأموال الوفيرة فأعلنوا له الولاء والطاعة وعاهدوه على تسليم الامام الحسن (ع) له.

3- قوّة جيش العدو في مقابل ضعف معنويات جيش الامام (ع) الذي كانت تستبد به المصالح المتضاربة.

4- الدعايات والإشاعات التي أخذت مأخذاً عظيماً في بلبلة وتشويش ذهنية المجتمع العراقي.

أمام هذا الواقع الممزّق وجد الحسن بن علي أن المصلحة العليا تقتضي عقد “معاهدة صلح” مع طاغية محتال “معاوية” حقناً للدماء البريئة وحفظاً لمصالح المسلمين والدين الاسلامي الحنيف؛ فكان لابد من التوقيع على وثيقة وضع الامام الحسن شروطها بغية الحفاظ على شيعة ومحبي وأتباع أهل البيت وترك المسلمين يكتشفون ماهية قائد الشجرة الملعونة “معاوية” الحقيقية بأنفسهم ليتسنى للامام الحسين فيما بعد كشف الغطاء عن بني أمية الطلقاء وتقويض دعائم ملكهم.

أقبل “عبد الله بن سامر” الذي أرسله معاوية الى الامام الحسن بن علي حاملاً تلك الورقة البيضاء المذيّلة بالإمضاء وإعلان القبول بكل شرط يشترطه ريحانة الرسول وتمّ الإتفاق على وقف القتال حيث نصت “وثيقة الصلح” بما يلي:

بسم الله الرحمن الرحيم

“هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان، صالحه على أن يسلّم اليه ولاية المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب الله وسنّة رسول الله، وليس لمعاوية أن يعهد الى احد من بعده عهداً، على أنّ الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله تعالى في شامهم ويمنهم وعراقهم وحجازهم.

وعلى أنّ أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم حيث كانوا، وعلى معاوية بذلك عهد الله وميثاقه.

وعلى أن لا يبغي للحسن بن علي ولا لاخيه الحسين ولا لاحد من اهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غائلة سوء سرّاً وجهراً، ولا يخيف أحداً في أفق من الآفاق. شهد عليه بذلك فلان وفلان ، وكفى بالله شهيداً” – المدائني في شرح النهج ج 4 ص 8 ؛وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 194؛وابن كثير ج 8 ص 41؛ والاصابة ج 2 ص 12 و13؛ وابن قتيبة ص 150؛ وابن أبي الحديد ج 4 ص 15؛ والدينوري ص 200.

مسؤولية الامام الحسن عليه السلام كانت مهمة وصعبة جداً، أصعب بکثیر من مسؤولية الامام الحسين عليه السلام، وذلك لأن مسؤولية الإعداد أصعب من تفجير النهضة والقيام المسلح، لأن الشخص الذي يريد بناء وتربية جيل على المفاهيم الصحيحة، فمن دون شك وترديد لابد من أن يلاقي صعوبات عديدة، وربما يهان، كما أنه يحتاج الى برنامج منظم وزمان طويل ومخطط دقيق على المدى البعيد، والكوادر الصالحة والتقية والاحتياط من أجل المحافظة على هذا الجيل في حال الاعداد والبناء، وعوامل البقاء خلال عشرين أو ثلاثين سنة أو أكثر، وأخيراً فهو بحاجة للاستعداد الكامل لتحمل الكلمات الجارحة وأن يكون بعيداً عن كل مدح وثناء.

روى المدائني قال: خرج على معاوية قوم من الخوارج بعد دخوله الكوفة و”صلح الحسن”، فأرسل معاوية الى الامام الحسن يسأله أن يخرج، فيقاتل الخوارج، فقال الحسن: سبحان الله! تركت قتالك – وهو لي حلال – لصلاح الأمة وألفتهم، افتراني أقاتل معك؟ فخطب معاوية أهل الكوفة فقال: “يا أهل الكوفة، أتراني، قاتلتُكم على الصلاة والزكاة والحج، وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وعلى رقابكم، وقد آتاني الله ذلك وأنتم كارهون، ألا إن كل مال أو دم أصيب في هذه الفتنة فمطلول، وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين، ولا يصلح الناس إلا ثلاث: إخراج العطاء عند محله، وإقفال[1] الجنود لوقتها، وغزو العدو في داره، فإنه إن لم تَغْزُوهم غَزَوكم” ثم نزل – شرح ابن أبي الحديد ج4 ص6، وجمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة نویسنده : أحمد زكي صفوت ج 2 ص14.

بدلاً من الوقوف الى جانب الامام المفروض طاعته استناداً للقرآن الكريم “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ” سورة النساء الآية 59، وبما قاله الرسول الأعظم مراراً وتكراراً وهو الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى: “الحسن والحسين عليهما السلام إمامان قاما أو قعدا”- جاء في كتاب علل الشرائع ج1ص248باب 159 والمناقب لإبن شهر آشوب ودعائم الإسلام والإرشاد للمفيد والبحار وكفاية الأثر وغيرها من مصادر الحديث.. انقلبت الأمة الساذجة على اعقابها كما حصل في “سقيفة بني ساعدة”، وبدأت برمي الامام الحسن ببغيها واتهمته بأنه “مذل المؤمنين”!! مما جرح قلبه ريحانة رسول الله سيد شباب اهل الجنة عليه السلام ليرد عليهم بقوله:

1- أرى والله أنّ معاوية خير لي من هؤلاء يزعمون انّهم لي شيعة، ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي – الاحتجاج : ج2 ، ص20.

2- والله لئن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي وأؤمن به في أهلي خير من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي وأهلي ، والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلما – المصدر السابق.

3- لولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلاّ قُتِل- علل الشرائع : ص 211.

4- والله لئن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير أو يمنّ عليّ فيكون سنّة على بني هاشم آخر الدهر لمعاوية لا يزال يمنّ بها وعقبه على الحيّ منّا والميت – المصدر السابق.

5- والله ما سلّمت الأمر إليه إلاّ إنّي لم أجد أنصاراً ولو وجدت أنصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه – علل الشرائع ص 12.

6- لكنّي أردتُ صلاحكم وكفّ بعضكم عن بعض » وقوله في جواب حجر بن عدي : “وما فعلتُ ما فعلتُ إلاّ إبقاء عليك والله كلُّ يوم في شأن”- شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد : ج16 ، ص15.

7- ولكنّي خشيت أن يأتي يوم القيامة سبعون ألفاً أو ثمانون ألفاً تشخب أوداجهم دماً، كلهم يستعدي الله فيم هريق دمُه – المصدر السابق.

8- علّة مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة رسول الله (ص) لبني ضمرة و… أولئك كفّار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل- المصدر السابق.

[email protected]