22 ديسمبر، 2024 7:09 م

الامام الحسن المجتبي (ع) مدرسة القيم الخالدة

الامام الحسن المجتبي (ع) مدرسة القيم الخالدة

ولد الإمام الحسن (ع) في الخامس عشر من شهر رمضان من السنة الثالثة للهجرة، و قد كان لمصادر الاعداد الأصيل، التي رعت الامام الحسن (ع)، أثراً مهماً في تربيته الإسلامية الرسالية الرصينة، التي تلقاها من رسول الله (ص)، ومن بضعة رسول الله فاطمة الزهراء(ع)، ومن سيد الوصيين الإمام أمير المؤمنين، علي بن ابي طالب (ع)، فكانت هذه التربية مصادرَ ثرةً لبناء شخصيته و تكاملها .
هذه التربية النبوية أعطت لكيانه الروحي زخماً قوياً، وجعلت منه (ع) شخصية قياديّة من الطراز الأول، صمدت أمام أعتى التحديات التاريخية، التي واجهتها المنظومة الإسلامية العقائدية و الفكرية و السياسية و الاجتماعية.
بدأ دور الإمام الحسن (ع)، يتألق في دنيا الإسلام، في وقت مبكر من حياته الشريفة، فقد كان أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع)، يُنيبُه ممثلاً عنه و يرسله لتهيأة الجيوش، و إعداد الخطط مع قادته، و كان والده (ع)، يُسند إليه مهمّة قيادةِ أحدِ أجنحةِ جيشهِ، أثناء مواجهات أعداء الاسلام في القتال، وقد بلغت تلك الشخصية ذروتها بعد استشهاد أبيه (ع).
لقد ورث الإمام الحسن (ع)، ركاماً ضخماً من التناقضات، التي أنتجتها الأفعال المعادية لدولة الاسلام، في زمن خلافة أمير المؤمنين (ع)، ومنها المنهج التكفيري الذي تبناه الخوارج، الذين لم يتورعوا، بنعت الإمام علي بن طالب (ع)، بالكفر و عدم الحكم بالقرآن ، فيالها من مهزلة تاريخيّة، تصف ربيب القرآن، ببُعده عن القرآن .
لقد كانت السياسة المعادية لمنهج أهل البيت (عليهم السلام)، تذكي الاتجاه المعادي لدولة الاسلام التي كان يقودها الامام علي (ع)، وتمدّه بما يحتاج من دعم مادي و معنوي، و كانت محصّلة هذا الصراع، استشهاد وصي رسول الله (ص)، في محراب مسجد الكوفة في العام أربعين من الهجرة الشريفة.
كان الموقف الذي واجهه الإمام الحسن(ع)، قد وضعه إزاء حلين لاثالث لهما: الأول:
إمّا ان يتنازل عن قيادة دولة الإسلام، ويعهد أمر الأمة إلى أعداء الاسلام، معاوية ابن هند، و يزيد بن معاوية، و ابن (النابغة/ كنية للمرأة المشبوهة) عمرو بن العاص و أشباههم.
الثاني:
أو أن يقف بحزم لإرساء دعائم الإسلام، والحفاظ على كيانه. وهذا ما عمل به الإمام الحسن (ع).
فلم يلجأ للحرب كوسيلة لحل الأزمات، لسبب مهم هو أنّ الدولة التي ورثها عن ابيه (ع)، قد انهكتها الحروب. إضافة الى ذلك فان الازمات، قد اضعفت البعد الروحي و الايماني في نفوس الناس.
فكان على الأمام الحسن (ع)، الدخول في صفحة التفاهمات السياسية، للوصول الى حالة التوازن الذي يحفظ للمسلمين سلامة عقيدتهم و كرامتهم، و أمنهم واستقرارهم، بعيدا عن جعجعة السلاح .
لقدّ أَرسى الامام الحسن (ع)، مبدأ استثمار السياسة، للوصول الى المصالح المفيدة للأمّة الاسلامية، وبناء هيكليتها الروحيّة و الفكريّة و النفسيّة من جديد، بعدما نالت منها الأزمات المختلفة الكثير، على مدى نصف قرن من الزمن تقريباً.
و إذا نجح الإمام (ع) في حفظ بيّضة الاسلام، فانه لم يسلم من تأثير الدعاية الإعلامية المعاديّة. فأمر معاوية بن أبي سفيان، أن يُسمى العام الذي تصالح فيه مع الامام الحسن (ع)، بـ(عام الجماعة)، ليوحي للجماهير انه (اي معاوية)، مع الجماعة، و الامام الحسن كان خارجاً عن الجماعة، ثم عاد اليها.
و في القرن الثاني الهجري، تم تحوير المصطلح ليكون (أهل الجماعة). وفي الصدر الأول من حكم العباسيين، أُجري تحوير آخر على هذا المصطلح، فأضيف اليه كلمة (السنة)، فاصبح (أهل السنة والجماعة). و هذا المصطلح لم يكن موجوداً على الاطلاق، في زمن رسول الله (ص).
كما نعتت الدعاية الأموية الامام الحسن (ع)، ظلماً وعدواناً، بأنه رجل مزّواج (كثير الزواج من النساء)، حتى يُصدق الناس بأن الامام الحسن (ع)، رجل طالب لَذّات.
كما كان يُروّج بين العامّة و الجهلة، بأن الامام الحسن (ع)، بعَقده الصلح مع معاوية، قدّ ذلّ المؤمنين، و غير ذلك من التخرصات و الاراجيف المعادية، التي ترمي النيل من شخصية الإمام (ع)، و تسقيطه في نظر العامة من الناس.
و لعَمري كيّف لا أَعتب، على أُمّة ذلك الزمن، التي ارتضت لنفسها، أن يقودها (ابن هند آكلة الأكباد)، و أَبتّْ أن يقودها (ابن الزهراء)(ع).
الإمام الحسن (ع) إمام معصوم من الخطأ و الزلل، و هو أعرف من غيره بمصلحة الاسلام و الأمة الإسلاميّة، خصوصاً أن المرحلة التاريخية التي عاشها الإمام (ع)، كانت في غاية الحراجة و الحدّة، من حيث حساسيّة المواقف، و كثرة المتغيرات المحفوفة بالمفاجآت.
وعلينا اليوم أن نستذكر، سلوك الإمام الحسن (ع)، لنستلهم من ذلك التراث الضخم، أبلغ الدروس، في تقديم الأهم على المهم، و المصلحة العامة على المصلحة الخاصّة. و مصلحة الأمّة على مصلحة القلّة.
فسلام عليك يا أبا محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) حين ولدت، و حين رَأَبْتَ صدعَ الأمّة، و حين استشهدتَ، و حين تبعث حيا ، و ان العاقبة للمتقين .