22 ديسمبر، 2024 1:08 م

الاله البيولوجي صدمة الالفية الثالثة للانسان والاديان2/2

الاله البيولوجي صدمة الالفية الثالثة للانسان والاديان2/2

ومن الحقائق الملفتة لغرابة الوجود المادي وغير المادي للكون من الناحية العلمية، ان الاخير حسب ما يذهب اليه علماء ناسا يتكون من أقل من 5% من المادة المعتادة (ريكيولر ماتر)، و23% من المادة المظلمة (دارك ماتر)، و72 % من الطاقة المظلمة (دارك اينيرجي)، أي أن 95% من الكون معتم تقريبا، وهذا ما يصعب تفسير وجود الحياة بشكل اجسام عضوية او خلية او ديناصور او انسان على الارض او في القضاء.
اما من الناحية الدينية نجد ان النظريات والحكايات والاساطير الواردة في الكتب السماوية لا تقدر على تقديم رؤية واقعية وعلمية وحقيقية لتفسير وجود الحياة كفايروس وحامض اميني وخلية وكائنات ديناصورية ومخلوقات بشرية وحيوانية ونباتية على كوكب الارض، وارتباط هذه المسألة بالرب والانبياء لا تبعث على التفكير العقلاني الصحيح بل تحيله الى حالة من التجمد الفكري لفرض الغيبية الدينية وغياب التصور العقلاني والتخيل التحليلي على عقل البشر، ولو اعتمد على النهج الغيبي والمسار المسدود للدين عبر العصور والعهود والمراحل التاريخية لما تطور العقل، ولوقف في حدود العقول التي تتحكم بسلوكيات وممارسات القبائل البدائية التي ما زالت تقطن مجاهل قارة افريقيا ومجاهل بعض المناطق البعيدة عن التحضر في اسيا وامريكا الجنوبية.
والاغراء المتمثل بالجنة المطروحة للمؤمنين وعذاب الجهنم السعير الموعود به للكافرين والمشركين في الاديان الابراهيمية، لا وجود لهما بحقيقة الواقع بالمواصفات المذكورة في الكتب السماوية، وذلك لان بنيتهما المسردة في النصوص الدينية خارجة عن مألوف الحقيقة وخارجة عن المنطق والعقل والعلوم والفيزياء وعن النظريات والاراء العلمية للعلماء واالعاملين في البحوث والدراسات المعتمدة على البراهين والتجارب والادلة.
والنهج الغيبي لرجال لا يمكنهم ان يتقبلوا ما تذهب اليه عقول بعض علماء الفيزياء الى ان الكون يتكون 23% من المادة المظلمة (دارك ماتر وهي القوة الغامضة التي تسرّع تدريجيا من تمدد الكون)، و بناء على هذا فإن الفرضية الأكثر رواجًا بين العلماء حول نهاية الكون تقضي بأن المجرات والنجوم ستتحرك بثبات أبعد وأبعد حتى تصبح أبرد وأبرد من أن تتفاعل أكثر، وبذلك يموت الكون ببطء، و هذه الفرضية تعرف بالتجمد الكبير (بيك فريز) أو الموت الحراري للكون.
وحسب التصور العام للعلماء فان الكون المرئي شبه المحسوس للانسان بالتلسكوبات والذي يقدر عمره بـ 13.4 مليار سنة ضوئية، والمتكون من المجرات والنجوم والكواكب والاقمار والثقوب السوداء والسديم والغبار الكوني، وبما في ذلك كوكب الارض الذي يحتضن الإنسان والحياة، تشكل تقريبا 4% من الكون المعروف وفقا لعلوم الفيزياء المعاصرة، والنسبة المتبقية من الكون بحسب اعتقاد العلماء هي خليط من المادة السوداء والطاقة السوداء، ولا تعرف ماهية اي منها بالكامل لحد الان.
وكما جاء قي لقاءات علمية مع علماء مختصين بالبحوث البايولوجية، خلال السنوات الاخيرة تبين اكتشاف اجزاء عضوية من الاحماض الامينية وكائنات وحيدة الخلية مثل العضيات البكترية والاميبا والسبور البوغي في النيازك خارج كوكب الارض، وكذلك تبين اكتشاف انواع معينة من احياء مجهرية لا تعتمد على ضوء الشمس وهي تعيش داخل الاحجار، وكذلك اكتشاف اخر يغير من نظرية خروج الحياة من البحار راسا على عقب، وهو اكتشاف احياء مجهرية في البرية والصحاري قبل ظهور المياه والبحار على الارض بمئات الملايين من السنين، هذه الاكتشافات العلمية المثيرة تعتبر تاريخية لانها تدون لاول مرة في تاريخ العلم وفي حياة البشرية، ولا شك ان الاكتشافات العلمية المستقبلية في مجال البيولوجيا والفيزياء والفضاء ستخلق صدمات كبيرة للاديان وللكتب السماوية المقدسة، وستسبب بصدمات صادمة للانسان، لانها ستأتي باجوبة حاسمة على الاسئلة الكبيرة التي تجول في مخيلة البشرية عن الحياة والانسان والرب والكون.
لهذا فان الاكتشافات العلمية المثيرة والمستندة الى العقل والمنطق والتجربة والبرهان تذهب بنا الى الاقرار بان الانسان الواعي بجواهر الحقيقة هو المجيب عن الاسئلة والكاشف للاسرار، وليس الانسان غير الواعي والمتفاعل مع طروحات الغيبيات الواردة في النصوص الدينية وفي الاساطير الادبية والاجتماعية، والتي لم تخرج منها شيء نافع للبشرية منذ الاف السنين، بينما حقائق العلم خرجت منها مئات الملايين من الاشياء النافعة للانسان والمجتمع وللبشرية، ولو ان البعض منها استخدم لنوايا سيئة من قبل ناس اشرار لم تحمل قلوبها الانسانية ولا المحبة.
وعلى العموم واستنادا الى الحقائق التي يحتضنها عالمنا باشكاله ومظاهره القديمة والمعاصرة، والتطور العلمي الحاصل خاصة في السنوات الاخيرة، يمكننا الاستنتاج من باب التفكير العقلاني والمنطقي بما يلي:
(1) وجوب الابتعاد الكامل عن التصورات الغيبية المرسومة في النصوص الدينية خاصة للاديان السماوية.
(2) ربط العلاقة بين الانسان والدين والرب بالمسائل الانسانية الشخصية ومن السلوكيات الايجابية النافعة.
(3) حصر العلاقة بين الانسان والرب، وحسب منظور كل دين ومعتقد، بالطقوس والشعائر الدينية على مستوى الافراد فقط، وليس على مستوى الجماعات، وحماية هذا الحقق بالدستور من قبل الدولة والمجتمع.
(4) فصل الدين عن الدولة، وبناء بنيان الدولة على اسس مدنية حديثة مدونة وموثوقة بقوانين وشرائع انسانية وقانونية ودستورية تنظم عمل جميع القطاعات التي تبنى عليها الكيان التنظيمي الرسمي للمجتمع.
(5) اتخاذ العلمانية المدنية العلمية الدستورية منهجا ومسارا رئيسيا واساسيا لنظام الدولة الصالحة للمواطنة المدنية، وحصر المفهوم الرسمي للعلمانية بفصل الدين عن الدولة، والتعامل مع العلم كقاعدة تربوية وتعليمية وتنموية للانسان، وابعاد هذا المفهوم عن الالحاد الذي لا علاقة له بالعلمانية.
(6) دفع رجال الدين الى تغيير مناهجهم المذهبية الغيبية، وتصحيحها وفقا للتطورات العلمية والمدنية المعاصرة في حياة البشرية، وترك الغيبيات ونصوصها الواردة في الكتب الدينية وفي الاساطير المقدسة.
(7) ابعاد المدرسة والتربية والتعليم عن اي منهج ديني، والتركيز على العلم والحقوق المدنية والدستورية.
(8) فصل الدين عن الحياة العامة، وحصره في البيوت كعبادة شخصية ممثلة لعلاقة الانسان بربه حسب تنوع المعتقد والمذهب، وحماية هذا الحق الشحصي بالقانون والدستور.
(9) اعتبار الديمقراطية وعملية انتقال السلطة للشعب مرجعا سياسيا اساسيا ورئيسيا لبنيان الدولة، واحتسابها شرطا فقهيا اساسيا للمذاهب والاديان الابراهيمية حسب مراجعها الدينية، وتحريم الانظمة الدكتاتورية والمذهبية والمافيوية الفاسدة.
(10) حصر الفترة الزمنية لولايات السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية باربع سنوات فقط، وعدم تمديدها باي شكل من الاشكال، وتحريم جميع المحاولات السياسية للبقاء اللاشرعي على كرسي السلطة.
(11) اعتبار الدين حق شحصي يتكفل القانون والدستور بحمايته وضمان ممارسته في اطار بيئة شخصية.
(12) اعتماد الوثائق العالمية لحقوق الانسان القاعدة الاساسية لنظام الحكم والمصدر الرئيسي لكل التشريعات القانونية والدستورية والمدنية.
باختصار وبهذه المباديء الاساسية يمكن للانسان بناء عالم مبني على الحقيقة والعلم والانسانية، ويمكن من خلالها تجاوز الازمات والمشاكل العالمية المستعصية والتي بدأت ترسم للانسان مستقبلا مجهولا، ويمكن ايضا من خلالها تعديل المسارات الخاطئة والمتخلفة التي تسير عليها المجتمعات الدينية والاسلامية والعربية والتي تركت اثارا خطيرة وقاتلة على مسيرة حياة البشرية في عالمنا المعاصر، وذلك نتيجة للمآسي التي تركتها الحركات الدينية الارهابية على البشرية بصورة عامة، والله من وراء القصد.