ايمن جواد التميمي
ترجمة / سداد جواد التميمي
لم يكن غريباً عندما تحولت عملية اجتثاث البعث في العراق إلى عملية اجتثاث اهل السنة احياناً، و ذلك ربما يفسر تأجيج التمرد السني العربي العراقي في الفترة 2003-2005. ومع ذلك، أحد المجالات التي يمكن استثنائها من هذه العملية هو القضاء.
غالبية رجال القضاء هم في الواقع من بقايا عهد صدام حسين، ومسألة اصدار الاحكام احياناً لا تعتمد كثيرا على الانتماء الطائفي على قدر الاستناد و الانصياع لمن يشغل المنصب الرئاسي الاكبر، و حاليا يشغل هذا المنصب نوري المالكي من حزب الدعوة الشيعي الإسلامي.
خير مثال على ذلك هو مدحت المحمود، الذي كان حتى وقت قريب رئيس المجلس الأعلى للقضاء وحاليا ما زال يترأس المحكمة الاتحادية العليا. اكتسب المحمود سمعة بانه من الموالين للمالكي، مما ساعد ذلك تأمين احتكار رئيس الوزراء للتسلط على فروع الإدارة التي يجب أن تكون خارجة عن إرادته.
ولكن فجأة تم إزالة محمود رسميا من منصبه كرئيس مجلس القضاء الأعلى ، و تم اضافة تهمة اخرى مفادها أنه سيخضع لإجراءات اجتثاث البعث (قابلة للاستئناف خلال 60 يوما) و التي من شأنها منعه من ممارسة القضاء تماما. السؤال هو: ما الذي أدى الى هذا التطور؟
يمكن تتبع عاملين. أولا الهجوم على محمود من قبل البرلمانيين المستقلين من الشيعة برئاسة صباح الساعدي ، وهو معارض للمالكي منذ فترة طويلة (واستطرادا محمود)، و كثيراً ما يدعي كذلك على امتلاكه لمعلومات مسربة متعلقة بفضائح الفساد في الحكومة.
في نهاية العام الماضي، صدر قانون السلطة القضائية الجديد الذي ينص على أن رئيس مجلس القضاء الأعلى يجب أن يكون نفس الشخص الذي يرأس محكمة النقض (محكمة الاستئناف). اتهم الساعدي المحمود بانه يدعي زوراً تقلده لمناصب لا يملكها . بالإضافة الى هذا، أشار الساعدي أن محمود تجاوز سن التقاعد لأعضاء السلطة القضائية.
يجب أن تعلم كذلك بان الساعدي ادرك انه ليس من الحكمة مهاجمة محمود لأنه من الموالين المالكي، و لذلك رفع قضية خدمة محمود تحت حكم صدام حسين، وقام بوضع قائمة من 28 قاضيا سيخضعون لعملية اجتثاث البعث.
كان الساعدي عنيفاً بشكل خاص حول محمود، متهما اياه وطارق حرب، وهو محام مقرب من المالكي، بارتكاب “جرائم ضد الإنسانية”. ادعى حرب أن العديد من احتجاجات السنة الحالية ضد الحكومة في الانبار غير قانونية من جراء استخدام العلم العراقي من عهد صدام.
تم الإعلان عن إزالة محمود من المجلس الأعلى للقضاء في 12 شباط. و استبداله بالقاضي حسن إبراهيم الحميري، و ملف الاخير الشخصي غير معروف عموما. في الوقت نفسه، أكدت المحكمة الاتحادية العليا أن محمود كان لا يزال في منصبه كرئيس للمحكمة.
ومع ذلك، و بعد يوم واحد فقط ، أعلنت لجنة اجتثاث البعث (المعروفة رسميا باسم لجنة المساءلة والعدالة) الى تحقيقها في ملف محمود. في هذا السياق، يبدو أن اللجنة – وهي هيئة برئاسة فلاح شنشل الصدري منذ اكتوبر تشرين الاول 2012 – انتهزت الفرصة لتنفيذ متشدد مناهض – للبعث ضد حليف المالكي. الواقع أن التيار الصدري، الذين يشكل جزءا كبيرا من اللجنة، في كثير من الأحيان تراه على خلاف مع رئيس الوزراء، و ان كان التوتر في حد ذاته بين الطرفين في الكلمات دون الأفعال.
ليس من الصعب تقسيم ردود الفعل الى حدثت على اسس حزبية تخضع لولاء من يصرح بها . أنتقد النائب عن الكتلة البيضاء الموالية للمالكي، عزيز شريف المياحي، إبعاد محمود كمثال على سياسة الولاء الحزبية. على العكس من ذلك ، ترى احد النواب من الكتلة العراقية يرحب بإزالة محمود و يعتبرها كخطوة جيدة نحو سلطة قضائية مستقلة. وبالإضافة إلى ذلك، ترى منشق من الكتلة البيضاء، حسن علوي، يقول إن الحكومة فقدت ثلث مصداقيتها مع الجمهور بعد إزالة محمود وعندما تأتي الانتخابات المقبلة، و سيتم التخلص من أعضاء فاسدين في الطبقة السياسية.
ردا على كل ذلك سعى المالكي على إزالة شنشل من هيئة المساءلة والعدالة، و عزم على ما يبدو استبداله بالسيد باسم البدري و الغاء جميع قرارات شنشل. يبدوا ان رد فعل المالكي كان ناجحاً، ففي 19 شباط أعلنت اللجنة الغاء قرار إخضاع محمود لعملية اجتثاث البعث، مما يسمح له الحفاظ على منصبه كرئيس للمحكمة الاتحادية العليا.
ما توضحه هذه القضية برمتها هو كيف تم تحويل عملية اجتثاث الى عملية سياسية بحتة . يمكن ان تتصور ان العملية أصبحت لعبة شطرنج سياسية بين المالكي ومنافسيه من السنة والشيعة، و تشير الى ان هناك اضطراب مرضي سياسي احد اعراضه عدم احترام الفصائل السياسية جميعها للعملية الدستورية وسيادة القانون.
قضية محمود، و حتى بعد تنحية شنشل ، من غير المرجح أن يكون لها أي تأثير رغم ان نائب الرئيس الهارب طارق الهاشمي دعا الى فصل محمود لأنه كان أحد المسؤولين عن إصدار مذكرة توقيف ضده.
بعد كل ذلك هناك مطلب رئيسي لحركة الاحتجاج الحالية هو وضع حد لاجتثاث البعث. كما يلاحظ مستشار كيرك ساول Kirk Sowell ، ان مثل هذا الامتياز(وقف اجتثاث البعث) لا يمكن تصور منحه من قبل أي فصيل من الفصائل السياسية الشيعية. اجتثاث البعث يحتوي على ابعاد طائفية وشخصية تم استغلالها في العملية السياسية. الجدل حول محمود ما هو إلا أحدث مثال على عدم قدرة الحكومة العراقية على التعامل مع أكثر القضايا الوطنية الملحة مثل الحاجة الى تطوير القطاع الخاص، ومعالجة أزمة المياه الخطرة، وتحسين نوعية الخدمات العامة. بدلا من ذلك، ترى النخبة السياسية مشغولة باقتتال و صراع بين الاحزاب و الكتل.
أيمن جواد التميمي
طالب الدراسات الكلاسيكية جامعة اكسفورد بريطانيا