23 ديسمبر، 2024 8:59 ص

الاكراد والحكومة الاتحادية

الاكراد والحكومة الاتحادية

سنبدأ بخبر مهم جدا: زيارة رئيس حكومة كردستان الى إيران.

كي نعرف لماذا وصلنا الى ما وصلنا اليه، من سقوط محافظات بكاملها وانهيار معنوي (بدأ الناس بالتعافي التدريجي منه، مع أمل في انتصار الجيش على الارهابيين)، علينا أن نرجع الى الاسباب الرئيسية ونحلل أخطرها.

صرح ماكين أن اوباما فشل في العراق، ويمكن اضافة بوش الابن للقائمة. وسعت امريكا الطائفية ولبننت العراق، وهو السبب الجوهري الاول.

السبب الثاني آثار حكم صدام حسين الديكتاتوري الذي شوه الشخصية العراقية بالكامل وجعلها خاضعة للقوة، هشة الوطنية، مزدوجة التفكير، انفعالية، ضعيفة امام الجاه والسلطة والمال، يجانبها الصدق، وقلما تتسم بالنزاهة. الشخصية العراقية المنهكة، ضعيفة الولاء والمتناقضة هي التي قادت العملية السياسية بعد الديكتاتورية وهي التي ادلت بصوتها في الانتخابات وهي التي ادارت المؤسسات فانتشر الولاء الطائفي من جهة وتغليب المصلحة الشخصية من جهة اخرى.. أدير العراق وهو محمل بأوزار 35 سنة من الحكم غير الرشيد.

السبب الثاني يشمل جميع السياسيين من غير استثناء، لكن ما يحصل الآن هو نتاج 8 سنوات من حكم المالكي. وهنا نعود الى الخبر المهم جدا: (رئيس حكومة كردستان يزور ايران) لكي نوضح ان الاعذار التي تساق عن أن خصوم المالكي لم يتركوه يعمل، وأنهم اما فاسدين او ارهابيين او فاشلين، وهي نصف الحقيقة. النصف الآخر أن الماكلي لا يمتلك المؤهلات ولا الكارزما او سعة التفكير كي يكون قادرا على حكم بلد معقد ومهم مثل العراق. ولكي تتضح الصورة سنقرأ وضع الاكراد في المنطقة وكيف استطاعوا أن يبنوا من كردستان مثالا للدولة المستقرة (نسبيا) والتي ينبئ مستقبلها بإزدهار محتمل.

للاكراد محيط عدائي، بدءً بالمناطق السنية المحاذية والتي تتنازع معها على مناطق نفطية في كركوك وديالى الخ. للاكراد محيط عدائي مع تركيا خاصة بسبب خطر اقامة دولة كردية تؤثر سلبا على الداخل التركي بالاضافة الى نزاع ملكية الارض المتبادلة. للاكراد محيط عدائي مع ايران لاسباب عديدة ليست طائفية وقومية وأيدلوجية فقط بل أمنية واقتصادية كذلك. للاكراد ملفات عالقة مع سوريا.. للاكراد محيط عدائي مع الحكومة الاتحادية في بغداد..

لكن كيف تعاملوا مع كل هذه التحديات. اولا بنوا علاقات اقتصادية وطيدة مع تركيا بحيث يتبنى الاتراك تصدير النفط الكردي، بالاضافة الى طمأنة السياسي التركي أمنيا. لم يحتك الاكراد بالقضية السورية ولم يستعدوا النظام السوري والتزموا الحياد بل لعب وزير الخارجية هوشيار زيباري دورا ذكيا جدا ومدروسا فيما يتعلق بالقضية السورية. لم يحتكوا بحرب مباشرة مع المناطق المتاخمة لحدود كردستان بل اصبحوا هم الملاذ لقادة تلك المناطق والسياسيين، بله والمواطن. (حجاج مكة يناشدون البرزاني أن يرسل لهم طائرة تعيدهم الى العراق، وكذلك الجنود العالقون في أربيل، وقد فعل)! قاموا بحماية حدود الاقليم ولم تحدث خروقات كثيرة كالتي تحدث في بغداد فيما يخص المفخخات والتفجيرات والاغتيالات والحرب الطائفية. قام الاكراد بأذكى تحرك في تاريخهم حينما جعلوا خلافاتهم الجوهرية داخلية في الاقليم ولم يصدروها خارجه وذهبوا الى بغداد ككتلة واحدة متماسكة بحيث جعلهم ذلك رمانة الميزان في العملية السياسية وبحيث يحصلون على 17% من الميزيانية اضافة الى ميزات أخرى.. ولو انهم ذهبوا الى بغداد متفرقين لاصبحوا اضعف طرف في العملية السياسية. قام الاكراد ايضا بالابتعاد عن الصراع العربي الاسرائيلي، ووطدوا علاقاتهم مع امريكا وكذلك الاتحاد الاوربي. لم يدخل الاكراد طرفا في الصراع الطائفي وتمكنوا من التعامل مع التطرف السني في مناطقهم تدريجيا حتى وصلوا الى نتائج ايجابية لم تصل الى ما وصل اليه تعامل حكومة بغداد مع مشاكل مشابهة.

اذن، واجه الاكراد بهذه العقلية وبهذه الطريقة. كيف واجه المالكي تحدياته؟

* لم تحصل حكومته على دعم الولايات المتحدة ولا دعم الاتحاد الاوربي ويعتبرونه معزز للطائفية و (فاشل اداريا).

* وزارة الدفاع والداخلية والامن القومي تدار بالوكالة؟!

* حالف ايران وتماهى مع سياستها بالكامل.

* وقفت مع نظام الاسد ضد المنتفضين عليه ولم تتخذ الحياد.

* صفقات السلاح مع اوكرانيا (مشوبة بالفساد) ومع روسيا (ثبت فسادها) بينما ليس هناك صفقات ذات قيمة مع حلفائنا المفترضين (خاصة امريكا).

* بني الجيش على اساس طائفي ومارس بعض افراده اسلوبا احتقاريا لابناء المناطق الغربية عبر الاهانة الشخصية وازدراء الرموز الدينين وتحويل حياتهم الى جحيم يومي.

* علاقات العراق غير ودية خاصة مع دول الخليج.

* توترت العلاقات مع تركيا.. ولم تكن الحكومة دبلوماسية في تعاملها مع الجوار الاقليمي.

* دخلت الحكومة في صراعات داخلية لا نهاية لها مع جميع الاطراف.

* اعلى مستويات الفساد المالي والاداري.

* ادنى مستويات الخدمات.

* تفتيت التحالف الشيعي ومحاربته والهيمنة عليه.

* قبل كل انتخابات يشن حربا اعلامية وواقعية ضد الاكراد (رمانة الميزان) وضد المناطق الغربية.

* اطلاق التصريحات غير المسئولة والتراجع عنها بسهولة عجيبة (كمثال: السعودية راعية للسلام، السعودية راعية للارهاب!) الخ من سلوكيات هي بالعكس تماما من سلوك الاكراد التي يلخصها الخبر العاجل: رئيس حكومة كردستان في زيارة مفاجئة الى ايران.

هذه عقلية وسلوك سياسي وتلك عقلية أخرى، واحدة تبني وأخرى بارعة في التحطيم.