18 ديسمبر، 2024 8:18 م

وهنا كانت المفاجأة………….
اجل حدثت المفاجأة حين رشحت الى دورة تدريبية في احدى المحافظات الجنوبية لمدة ثلاثة اشهر لا يتخللها اي يوم اجازة ولا يمكن لأيام العطل الرسمية ان تستغل في السفر الى رؤية الاهل والاحبة في مدينتي التي تعتبر بعيدة جدا بالنسبة للموقع الجغرافي للمحافظة التي ستقام فيه الدورة ولذا وجدتني امضي هذه المدة دون السفر الى مدينتي ورحت اقضي ساعات الفراغ في استطلاع معالم ومواقع مهمة في المحافظة وادون في دفتر الملاحظات الصغير بعض مشاهداتي …
كانت الساعة تشير الى الخامسة عصرا وكان الجو معتدلا والشمس في طريقها الى الغروب وقد نشرت اشعتها التي لم تكن ملتهبة كما في الظهيرة كأنها انسان يعلن ضعفه ووهنه بعد ان امضى شوطا طويلا في الجهد والنشاط ,هكذا رسمت في ذهني صورة للشمس في تلك اللحظات ومضيت أخطوا سائرا في طريقي الى احد المعالم التاريخية في تلك المحافظة وهنا توقفت …
عند منعطف الشارع كان يقف الى جانب عربة صغيرة تكدست عليها حاجيات ولعب وملابس اطفال .
توقفت امامه ودون ارادة مني هتفت مناديا عليه باسمه
يا عم
رفع اليّ نظره وراح يتأملني مليا لكنه لم يحر جوابا اذ لم يعد يتذكر وجهي او ملامحي بعد هذه السنوات الطوال لذا وجدتني اعيد عليه النداء
يا عم …الا تتذكرني …انا قريبك وجارك قبل سنوات مضت في مدينتي اقصد مدينتنا.
ارتسمت على محياه ابتسامة وهتف قائلا:-
ما شاء الله ما شاء الله لقد اصبحت رجلا كيف حالك وكيف حال الاهل.
انني بخير وأهلي بخير وانت كيف حالك ومتى عدت من السفر….؟
نظر اليَّ كمن اصابته الدهشة والحيرة لسؤالي متسائلا بدوره
اي سفر ….؟
من الخارج …هكذا قيل لنا قبل عشر سنوات.
انا لم ابرح بلدي قط لكني تركت مدينتي الى هذه المحافظة ووجدت فيها راحتي بعد طول عناء.
فغرت فاها وادركت اننا عشنا اكذوبة اختلقت وبنينا عليها تصور لا يمت بصلة للواقع وهكذا تفعل الاكاذيب في كل آن ومكان.
عدت اسأله
ولكن يا عم كيف حالك وماهي اخبار الاهل
تطلع الي بعينيه الواسعتين السوداوين وهما تشعان بنار غضب دفين كأن سؤالي نكأ جرحا بليغا حاول ان يداري المه لأمد طويل وهتف بنبرة حادة:
ليس لي من اهل وليس لي من عائلة …
بعد لحظات من الصمت استأنف كلماته
انا غريب وليس لي من أحد ,ارجو ان لا تبلغ ايا كان عن مكاني او عملي او تخبرهم بأنني حي ارزق …
لماذا ….؟لماذا….؟سبقت كلماتي ارادتي فما من شك بأن ذلك السؤال يثير غضبه ويجدد الامه فبادرت الى الاعتذار قائلا:
انا آسف لم اكن اقصد …اعتذر مجددا واسحب سؤالي
قال وهو يمسح بضع قطرات من العرق المتجمع على جبينه لا أدري ان كان من الغضب او الالم او المفاجأة…..
لا عليك …لا عليك…فقط اعتبر نفسي غريبا وليس لي من أحد …اعتبرتهم من الاموات الذين لا يذكرون بخير كما اعتبر نفسي من الاموات بالنسبة لهم .
رحت اطمأنه على اني لن اذكر لاحد من الاقرباء او الاصدقاء بل وحتى الاهل شيئا عن هذا اللقاء او اخبر عن عنوانه او عمله.
وجدته قد امن الى عهدي وزالت عنه شكوكه بصدق النوايا مما شجعني على ان اعرض عليه امرا فكرت فيه للحظة قائلا:
هل تأذن لي ان اعاود زيارتك ما دمت ضيفا في هذه المدينة …؟
اجل ضيفا وولدا مرحبا بك وسيكون لنا حديث أخر ليس في هذا المكان ولكن …………………….
لم يكمل عبارته ولكني ادركت انه وعدني بلقاء قريب فودعته ومضيت في طريقي مرددا تساؤلاتي و انا استعيد احاديث وعبارات قيلت ولم تكن واقعا.