23 ديسمبر، 2024 1:25 ص

الاقتصاد والتعليم وجها عجلة النمو!

الاقتصاد والتعليم وجها عجلة النمو!

يمثل الاقتصاد والتعليم وجها عجلة النمو في أي بلد، والارتباط بين ازدهار الاقتصاد وبين التعليم ومخرجاته وثيق جداً، فإذا ما أردنا أن نقيس النمو الاقتصادي لبلدٍ ما فكل ما علينا هو النظر في البنية التحتية للمنظومة التعليمية لذلك البلد.

وقد زادت ملامح هذه العلاقة بين الاقتصاد والتعليم التي تبرز مدى التطور لدى أي مجتمع في الوضوح منذ بداية دخول العالم في عصر المعرفة والنظام المعرفي الذي رأسماله هو العلم والمعرفة الإنسانية.

لقد عاش العالم في فعالية جائحة كوفيد 19 حالة استثنائية أفرزت مظاهر جديدة فرضت إعادة صياغة شاملة للمنظومة التعليمية وفرضت تحديث بناها التحتية من خلال التوجه الاجباري نحو التعليم عن بعد وكذلك العمل عن بعد في قطاع الأعمال، فعدا عن أن هذان النمطان الجديدان من التعليم والعمل يوضحان مدى الدور الحساس الذي يلعبانه في تسيير حياة البشر من حيث الأهمية والأولوية، نجد أن ثمة عوائق لازمت هذان النمطان أثناء كوفيد19 والآن، ومن تلك العوائق عائق الوصول إلى التكنولوجيا والحصول على موارد الممارسة التعليمية والعملية بالنسبة للمجتمعات النامية فالطبيعة الاستهلاكية لموارد التكنولوجيا لهذه المجتمعات تفرض ارتفاع تكلفتها بالنسبة لهم وهو ما يجعل في الحصول عليها عبئا آخر يضاف إلى أعباء المعيشة وانعدام فرص العمل والوظائف.

لقد خلفت جائحة كوفيد 19 الأزمة الراهنة التي يعيشها العالم وبالمقابل ازدهار الاقتصاد التكنولوجي نسبيا لكنه ازدهار سرعان ما يخبو أواره شيئا فشيئا، وبالمقابل أيضا ركود شامل وعلى كافة المستويات في قطاعات المهن والوظائف والأعمال حتى في عوالم التكنولوجيا وبالتالي نجد أن النتيجة لكل ستوصلنا إلى نمط العمل والتعليم عن بعد ليس فقط لدواعي اقتصادية وإنما أيضا لأسباب تتعلق بمتطلبات عصر المعرفة والتوائم مع معطيات أدواتها.

الممارسة التعليمية قد تبدو أكثر سهولة بعد كوفيد19، حيث أصبحت عن بعد ما يعني استبعاد الكثير من تكاليفها لكن في ظل ركود الاقتصاد وعدم وجود فرص للعمل نستطيع القول أن التخلف والتسرب عن التعليم سيسود فئات أكثر من المجتمعات أكثر مما كان في الشكل التقليدي للعملية التعليمية وسيحقق نسب أعلى بكثير من نسب التخلف والتسرب السابقة.

وإذا استمر التعليم في السير في ذلك المساق الذي فرضته جائحة كوفيد19 فعدا وجوب مجانيته يجب تسهيل عملية الحصول على موارد التكنولوجيا وتسويغها لكافة الطبقات في المجتمع هذا إذا أردنا تلافي النكوص في سير العملية التعليمية والحصول على مخرجات جيدة تدفع بعجلة الاقتصاد إلى الأمام وتعزز من فاعلية النظم المعرفية التي قوامها الإنسان المتعلم وتخدم هذا التوجه إلى أعلى حد.

ما جدوى وجود البئر في ظل غياب الحبل والدلو، ما جدوى النظام المعرفي وازدهار التكنولوجيا ومواردها وغياب مسوغات الحصول عليها وغياب الإنسان المتعلم.

إذا أراد العالم تحقيق غايات حصول الناس كافة على حقوقهم في التعلم واكتساب المعرفة وتنمية المهارات الخاصة بهم، التي تعد على رأس قائمة أهداف وغايات التنمية المستدامة التي يسعى إليها فإن عليه أولا أن يسوغ كل الأدوات اللازمة لتحقيق ذلك وجعلها متاحة في متناول الجميع وإلا فسوف يعيد تاريخ صراع الطبقات الذي ساد في العصور المظلمة نفسه لكنه في هذه المرة سيخلق عواقب غير محمودة نتيجة لغياب هذه الممارسة الحضارية.

أخيرا يمكن القول أن من ثمار العمل والتعليم عن بعد القضاء على جميع مظاهر الفساد التي سادت في عصر ممارسة الأعمال والتعليم بالطريقة التقليدية تماما مثلما نجد في العملات الإلكترونية رقمية ومشفرة علاجا ناجعا لكل مظاهر فساد الاقتصاد الأسود أو اقتصاد الظل مثل جرائم تزييف العملة وجرائم غسيل الأموال، ومثل ذلك في قطاع التعليم القضاء على مظاهر تزوير الشهائد الدراسية والفساد في النفقات التشغيلية وكذلك الأموال التي تهدر في جوانب المنح التعليمية وأيضا المنح التعليمية التي تمنح لمن لا يستحق وعدا ذلك ستتغير الغايات المنشودة بالنسبة للدارسين حيث سيكون العلم هو الغاية فقط والتنافس سيكون في سياق العلم في ذاته وليس من أجل أموال المنح الدراسية والسفر والتي تحول دون وجود أجيال فاعلة في مجتمعها.