في ذكرى رحيل أحـد أقطاب الاستثمارات في العالم العربي نمير أمين قيردار الذي انتقل الى رحمة الله في 8/6/2020 وترك إرثا كبيراً وقاعـدة واسـعة في العلاقات الاقتصادية الدولية ومنها عضوية لجنة الاستثمارات التي شكلتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بدورتها السـتين سـنة 2006 وذلك لاستثمار موجودات منظمة الأمم المتحدة التي كانت تفوق الثلاثين بليون دولار، كما أوكلت إليه تقديم المشورة إلى الأمين العام للأمم المتحدة فـي قراراته النهائية بهذا الخصوص. ولاشك فأن هذه المهمة ذات المسؤولية الكبيرة جاءت نتيجة خبرته الواسعة في هذا المضمار وتدل على الثقة العالية التي حظي بها، كما سبق وحظي بها عراقيين آخرين قبله ومنهم السيد عصمت كتاني الذي انتخب رئيسـا للجمعية العامة للأمم المتحدة، والدكتور فاضل الجمالي الذي كان من الموقعين على ميثاق الأمم المتحدة عنـد تأسيسـها.
ومن المواقع المهمة التي احتلها السيد نمير قيردار عندما كان عضواً مؤسـساً لمجلس الأعمال الدولي ، أو ما يعرف بالمنتدى الاقتصادي العالمي الذي يعقـد سـنويا فــي (دافوس) بضواحي جنيف في سـويسـرا ويسـتقطب رؤسـاء حكومات بعض الدول وكبار رجال الأعمال وقادة الشركات العالمية لبحث مشـاكل الاقتصاد العالمي والأزمات السياسـية بين الدول.
ونمير أمين قيردار من مواليد مدينة كركوك العراقية سنة 1938 وينتسب الى إحدى عوائلها العريقة والمعروفة بمكانتها وتوجهها السياسـي، فقد كان جـدّه محمد علي الحاج مصطفى قيردار نائبا يمثل كركوك في مجلس المبعوثان العثماني، وهذا ما ذكره الدكتور علي الوردي فـي كتابه (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، ج٣، ص208) واستمرت نيابة العائلة لمحافظة كركوك لما بعـد قيام الحكم الوطني في العراق عام ١٩٢١ وحتى نهايته عام 1958.
نشـأ في بغـداد ودرس الابتدائية في مدرسـة السـعدون النموذجية وأكمل تحصيله الثانوي في ثانوية كلية بغـداد ثم رحل إلى الولايات المتحدة الأمريكية فدرس الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا، ونال شـهادة الإدارة العليا من جامعة هارفرد، ومنح درجة الدكتوراه الفخرية في الآداب والعلوم الإنسانية من جامعة جورج تاون في واشنطن ثم في الحقوق من جامعة المحيط الهادئ في كاليفورنيا، وفي الاقتصاد من جامعة ريتشموند في لندن وأنخرط بعدها للعمل في عـدّة مصارف كان آخرها مستشارا في (جيس مانهاتن بنك) المعروف دولياً، وبادر بعدها في إنشـاء مؤسسته الاستثمارية (انفستكورب) التي تعتبر من أهم المجموعات الاستثمارية في العالم، حيث خصص جانباً من مواردها لعدد من الطلاب المتفوقين ولدعم الجامعات ومراكز البحوث العلمية، إذ كان يرى أن على رجل الأعمال أن يتحول من منتفع يهدف لخلق الثروة الخاصة لنفسه الى بناء المؤسسات التي تعم النفع العام. وإن مكانة رجل الأعمال المرموقة لا تأتي من حجم ثروته بل بالطريقة التي يسـتخدمها لفائدة محيطه الاجتماعي. وتلك مواصفات عززت من مكانته التي أشار اليها الموقع الإلكتروني (ويكيبيديا) عندما ذكر بأنه أحتل المرتبة (26) في قائمة أكثر العرب نفوذاً سـنة 2006. الا أن شخصيته البارزة وسـعة علاقاته الدولية لم تشغله عن موطنه العراق وصلته الوجدانية به، فبادر لعرض برنامجا تجديدياً مفصلاً ومتكاملاً عن العراق من خلال كتابه الذي الفه بعنوان (إنقاذ العراق) يدعو فيه لنهضة سياسـية واقتصادية واجتماعية لعراق جديد مبني على أسـس علمانية ليبرالية وديمقراطية.
وبعد تلك المكانة التي أحتلها في حياته، وما كرّسـه من العمل بقيم مبنية على الثقة والنزاهة والسمعة الطيبة، رحل الى رحمة الله في فسيح الجنان والنعيم بإذنه، إنه سميع مجيب.