إتخذ الإقتتال الطائفي في العراق بعداً جديداً من خلال توسيع ساحة المعركة لتشمل المواقع الألكترونية المختلفة. وهذا بحد ذاته تتطور خطير ومهم ويعكس مدى الاحتقان الطائفي الذي وصل اليه العراق بعد مرور عشر سنوات من تغيير النظام. والمتابع لمختلف المواقع الالكترونية يستطيع ان يرى وبوضوح ظرواة وشراسة المعركة الدائرة بين الصفوف المتقاتلة، ومدى تتطور وسائل المعركة الالكترونية وحجم الموارد والافراد المجندين لهذه المعركة من قبل الأطراف المتنازعة.
كما هو معروف ان أي حرب تتطلب توفير كم كبير من الموارد المالية والبشرية والتخطيط والاعداد، ولا يختلف الحال كثيرا فيما يتعلق بالحرب الاعلامية او الحرب الالكترونية، فأن عملية قرصنة المواقع الألكترونية مثلاً تحتاج إلى جهود مستفيطة ومتابعة طويلة وعمليات استطلاع مكثفة لمراقبة مختلف المواقع الالكترونية وتحديد الاهداف المراد قرصنتها، ومن ثم اجراء عمليات تمشيط ومسح دقيقة لتحديد الثغرات الامنية في الاهداف المراد قرصتنها واستخدام الطرق الملائمة للدخول الغير مشروع لهذه المواقع والاستحواذ عليها، وسرقة المعلومات والبيانات التي تحتويها، بما ذلك من معلومات شخصية تتضمن عناوين شخصية وارقام هواتف وعناوين بريد الكتروني وغيرها
أن عملية قرصنة المواقع الإلكترونية تعتبر خرقا أمنيا كبيرا يظاف إلى قائمة الخروقات الامنية التي تحدث في العراق، لما يشكل ذلك من خطورة في استحواذ جهات معينة على معلومات مختلفة قد يساء استخدامها، في ظل غياب الرقابة الالكترونية والقدرة على ردع مثل هذه الخروقات. وفي الوقت ذاته فأن عدم وجود قوانين تحد من الخروقات المحتملة في هذا المجال وتكون رادعا لمن تسول له نفسه التطاول او التجاوز على حقوق الاخرين يجعل المجال مفتوحا امام الجميع لتوسيع ساحة الاقتتال الطائفي لتشمل الحرب الألكترونية والاعلامية.
وهنا لابد ان تطرح الكثير من التساؤلات حول من يقف وراد هذه الهجمات وعمليات السرقة الألكترونية ومن هو المستفيد من وراء ذلك، ومن الذي يمول ويخطط لمثل هذه العمليات. وهنا يتوجب إيضاح نقطة مهمة ألا وهي افتقار العراق لمثل هذه القدرات والموارد البشرية بمفرده وحاجته إلى تمويل خارجي في الجانب المادي والمعلوماتي والتقني، وهذا يعني ان وجود شركاء خارجيين في الجريمة لهم مصالح خاصة من وراء تنفيذ مثل هذه الهجمات وأشعال نار الفتنة الطائفية وابقاءها مستعرة لأطول فترة ممكنة.
إن على الحكومة العراقية كدولة قانون ان تشمل في حربها ضد الطائفية والإرهاب المجال الألكتروني وتحاول بشتى الطرق والوسائل الحد من عمليات الاختراقات والقرصنة الالكترونية وتعمل على تشريع وسن وتحديث القوانين لمنع مرتكبي مثل هذه الجرائم وردعهم ومحاستهم قانونيا ووضع قوانين للنشر الالكتروني. وفي نفس الوقت عليها تطوير امكانتياها في الرصد والتتبع لملاحقة مرتكبي هذه الجرائم وتحديدهم ومحاسبتهم.
ومن جانب آخر، فإن من المهم في هذه المضمار توعية افراد المجتمع وتثقيفهم لجعلهم يتفهمون خطورة مثل هذه الجرائم والتصرفات وحثهم على المشاركة في اطفاء نار الحقد الطائفي المقيت وعدم اعطاء الفرصة للغير بالتلاعب بعقولهم ومشاعرهم لغرض تأجيج نعرات طائفية باسم الدين والطائفة والقومية. وهذا الواجب يقع على عاتق منظمات المجتمع المدني المختلفة ووسائل الإعلام التي تستطيع من خلال الاعلام المعاكس وحملات والتوعية نشر ثقافة المحبة والالفة والسلام والتوافق بين اطياف الشعب المختلفة، كما وتقع هذه المسؤولية على المؤسسات التربوية والتعليمية من مدراس وجامعات من خلال تثقيف ابناء المجتمع وجعلهم يتفهمون واقع هذه المخاطر وكيفية مجابهتها وردعها لإفشال المخططات القذرة لكل من تسول له نفسه التلاعب بعقول وضمائر ومشاعر عامة الناس.