كثر الحديث هذه الايام من قبل اطراف سياسية معينة عن مخاوفها من محاولات تسعى الى تقسيم العراق، بالرغم من ان العراق واقعا هو مقسم فعلا الى ثلاثة كانتونات ( شيعية وسنية وكردية ) والجهات الحاكمة هي من قسمت البلد وهي تبكي الان على ما رددته نفسها من مفاهيم وكرسته من مفاهيم طائفية ومذهبية وقومية طيلة تربعها على عرش السلطة منذ اثني عشر عاما مضت.
حتى كاتب هذه السطور كان يتخوف من النظام الفدرالي او نظام الاقاليم ، لكنه مع مرور الزمن وبعد دراسة مضامينه الفكرية والعملية في دول اخرى ، وما وصل اليه الواقع العراقي من محاولات التشرذم والانفصال ، تبين ان مفهومي الفدرلة والاقاليم هي ليست ضد التقسيم بل هي توحد البلد وتحفظ له بقية هيبته ان صدقت نوايا (البعض) في الحفاظ على وحدة العراق.
أي ان مايطرح الان من دعوات لاقامة فدراليات او اقاليم ، حتى وان كان في بعض ملامحها طائفية ، فأنه لايعني بأي حال من الاحوال انفصالا كما يروج له البعض او عندما أقام هذا البعض الدنيا ولم يقعدها وهو نفسه كان من اول من ادخلها في مفاهيمه عند تقلده السلطة وراح الان يدعي كذبا وزورا معارضتها، وسنوضح دوافع البعض لهذه المعارضة وابعادها الخطيرة.
هناك دول اقليمية مجاورة للعراق تسعى الى ضم العراق باطيافه تحت امبراطورياتها، بعد ان كانت تدعي الدفاع عن طائفة او مذهب تعرض للظلم ، وما ان مرت سنوات ووجدت نفسها متحكمة بالواقع العراقي وتفرض ارادتها عليه حتى وجدت ان الطائفة والمذهب لايكفيها للاستحواذ على مقدرات العراقيين وارادت من خلاله العبور الى دول اخرى لفرض ولايتها على مقدراتها، ولهذا راحت تحرك الجهات التي تدعم توجهاتها للقيام بحملة معارضة لاقامة الفدراليات او الاقاليم بدعاوى اثبتت الاحداث والوقائع انها لاتعني التقسيم بأي حال من الاحوال، وحتى ان فسرها البعض بهذا المعنى افتراضا فهي اقل من مخاطر التقسيم الفعلية التي يعانيها البلد وهو مقسم فعلا شئنا ام ابينا، لأننا غير صادقين مع انفسنا ونرفع الشعارات ونغيرها كلما وجدنا مصلحة هذه الجهة السياسية او تلك تتناغم مع توجهاتها، وما ان تبدو ان اطماعها قد تجاوزتها حتى تخلت عنها وراحت تحارب مفهوم الفدراليات والاقاليم بدعوى كاذبة هي المحافظة على العراق من التقسيم.
ان الضجة المفتعلة التي راحت جهات سياسية تحرض على ترديد نغماتها وفي هذا الظرف العصيب بالذات ليس هدفها المحافظة على وحدة العراق بل تسهيل عبور الاخرين على جسد العراق بهدف محو هويته وتاريخه وحضارته وجعله تابعا لاجندة وتوجهات امبراطورية للزحف على بغداد باتجاه دمشق ومن ثم اقامة احلام امبراطورية توسعية تمتد من طهران وبغداد الى دمشق باتجاه مجاورة تل ابيب وعقد صفقة سلام معها بعد ان تكمل السبحة، ويكون لهذا البلد الجار ما اراد له من اطماع، وأهل البلد غارقون حتى اخمص رؤوسهم بجهلهم وانعدام الرؤية الثاقبة على مستقبلهم وترديدهم كالببغاء مايريده الاخرون منهم ظنا منهم انهم كانوا يحافظون على وحدة العراق ووحدة العراق ابعد مايكون عن تفكير من وضعوا انفسهم في خدمة اطماع الاخرين واضاعوا بلدهم ودم ابنائهم بين القبائل.