22 ديسمبر، 2024 7:31 م

الاغلبية في العراق ليست صامتة ….بل هي معارضة ساخطة

الاغلبية في العراق ليست صامتة ….بل هي معارضة ساخطة

يتردد في ادبياتنا السياسية مصطلح ” الاغلبية الصامتة ” للدلالة على اغلبية الشعب العراقي غير المنغمسة لا في مغانم السلطة ولا في ” الجهاد ” المسلح المعارض. وفي الحقيقة ان تقسيم الناس بين موال للسلطة ومعارض لها وأغلبية ” صامتة ” هو تقسيم وهمي ومخادع يراد منه الايحاء أن هناك ثمة توازن في ميزان القوى الشعبية لان مفهوم “أغلبية صامتة  ” يعني انها سلبية لم تحسم امرها الى اية جهة او هي معتكفة وبعيدة عما يدورفي المشهد السياسي والامني للبلد وبالتالي هي خارج نطاق الصراع الدائر في قمة هرم السلطة الذي ينحصر بين الموالاة والمعارضة …..
    هل حقا هذا هو الواقع ؟
   الجواب بالطبع لا … فهذه صورة وهمية جرى للاسف تعميمها طوال السنين الماضية  بهدف تكريس مواقع المستفيدين ممن هم في السلطة ( موالاة ومعارضة ضمن السلطة ) … وبالتالي ايصال المواطن الى حالة يأس من اي امل في تغيير قادم  ،فالطبقة السياسية باحزابها الاسلاموية والمتجحفلين معهم يكررون استنساخ انفسهم مع كل انتخابات برلمانية بفعل سيطرتهم الدكتاتورية على ادوات التاثير الرسمية .
لكن واقع الحال يوحي بان ميزان القوى في البلد ليس بهذه الصورة الستاتيكية ابدا ولا بد ان يتمخض عنه تغيير كبير في وقت قد لا يكون بعيدا عند نضوج ظروف معينة .
فالموالاة  في حقيقتها لا تتألف الا من نواة صغيرة جدا تشكل هرم السلطة السياسية ممن كانوا يصنفون تحت خانة المعارضة في الخارج أو من نسب لنفسه هذه الصفة لاحقا ( حقا او زورا ) …وصلت الى السلطة ليس بجهودها الذاتية وانما ظروف الاحتلال مكنتها من موقعها الحالي فاستفادت منه لتتمدد وتتسع بشكل سرطاني بعد ان التحق بها من التحق .
    المجموعات الملتحقة بركب الموالاة متنافرة الهوى والانتماء والفكر والارتباط والمصالح ( مثقفون وتجار وعسكريون سابقون يبحثون عن صفقة او منصب ، مغامرون ومتملقون يبحثون عن الظهور والمنفعة ، رجال دين مسيسون وطائفيون متعصبون يحلمون بارجاع البلد الى حكم الخلافة او الطوائف ، وخليط من البسطاء والجهلة الذين يسيرون خلف كل مدعي او من المستفيدين ماديا من النظام الجديد ) .
   هذا الجسم المنتفخ وغير المتجانس قابل للانفجار والتفكك في اية لحظة عند تضارب المصالح او اختلاف الظروف لذا فهو لا يمثل باي حال من الحوال حالة وطنية دائمة ومستقرة ، واحتمال الانقلاب من الداخل وتحول بعض عناصره الى معارضة امر وارد بل نراه واقعا.
    نأني الى المعارضة … وفي الحقيقة لا توجد معارضة سياسية حقيقية في البلد كالتي نراها في البلدان التي تسير بنظام الديمقراطية ….لان الجماعات والاحزاب التي تعارض نهج السلطة هي في الواقع مشاركة في صلب السلطة وممثلة رسميا فيها فهي اذن جزء من نسيج الموالاة …. وما ممارستها المعارضة من الداخل الا بدعة ينفرد بها العراق …اولا هي لا تمثل شريحة كبيرة من المجتمع …. وثانيا معارضتها ليست انتصارا لمصالح شعبية  او لتحسين وتقويم اداء السلطة ، بل تنكيدا على خصومهم وشركائهم في السلطة من اجل مصالح فئوية ومناورات الغرض منها الوصول الى توافقات جديدة تحفظ مصالحهم او تزيد مكتسباتهم . وهذه الصورة السريالية للمعارضة الرسمية المقنعة وما تخلقه من صراعات وازمات مستمرة تشل عمل الدولة وتلحق افدح الضرر بمصالح الناس من الفئة التي يطلق عليها “الاغلبية الصامتة” .
أما المعارضة المسلحة التي تتبع اساليب العنف المسلح والارهاب في عملها فهي صغيرة نسبيا وقد انحرف جزء كبير منها من مقاومة المحتل الاجنبي الى اجندات دينية متطرفة وطائفية تعصبية تشكلمصدر خطر ليس على السلطة ( مهما كانت الاتهامات الموجهة اليها صحيحة ) بل على السلم الاجتماعي ووحدة البلد ، الا ان المتضرر الرئيس منه هو جمهور الاغلبية “الصامتة” الذين لا حماية لهم في احيائهم وفي مراكز عملهم وفي الشوارع والاسواق ..
ولا يخفى ان هذه المعارضة المشلحة تتغذى من سياسات الامنية الخاطئة للسلطة ومن سياسات الاقصاء والتهميش ضد مكونات معينة التي تساعد على توسع حواضن لهذه المجموعات وتفتح الثغرات للتدخل والدعم الخارجي لها وهو ما ينعكس سلبا على الوضع الامني ان التعامل مع هذه المعارضة ممكن من خلال سياسة وطنية عادلة ومصالحة وطنية حقيقية تستقطب الكثير منها الى حضن الوطن وفرز من يمارس الارهاب بهدف الارهاب وهؤلاء بعد حصرهم وتجريدهم من حواضنهم يمكن التعامل معهم امنيا وتحييد خطرهم .
تبقى المعارضة الحقيقية والواسعة جدا والتي يطلق عليها الاغلبية الصامتة والتي هي في الحقيقة ليست صامتة بل ساخطة . فهي ليست سلبية تكتفي بالتفرج او الانتقاد الشفهي للمارسات السلطة ومن يحتسب عليها . فهي ساخطة على كل العملية السياسية الخاطئة بدءا من المحاصصة البغيضة مرورا بالفساد وسوء الادارة والاقصاء والتهميش وتطييف الدولة والتكر للوطنية العراقية وتاريخ العراق واقحامه بدهاليز الفئوية والتعصب الطائفي والاارتباطات الخارجية وبنفس سخطها على الارهاب والعنف وجر البلد الفتن الطائفية والتقسيم.
هذه المعارضة التي تتلقى يوميا ضربات الارهاب من ناحية والتعسف الحكومي من جهة اخرى ، وفوق ذلك تعاني قسوة المعيشة ونقص الخدمات حتى صارت الحياة عبء يومي لها مع غياب اي افق للتحسن مستقبلا  في ظل غياب النخب السلطوية في صراعاتها الدونكيشوتية . هذه الفئةيقوم عليها عماد الحياة واسس الدولة ، وتضم اوسع اطياف المجتمع المؤمنين بالوطنية الحقة ووحدة الشعب، وهي تعي أن الاسلامويين في السلطة على اخنلاف الوانهم واطيافهم ومن يساير ماهم في الحقيقة الا قطاع طرق…يقطعون الطريق على العقل وعلى الوعي …وبذلك يسوسون الناس عل هواهم …ويدعون احتكار الله والله منهم براء . ومن التحق بالسلطة واصبح لسانه اطول منه دفاعا عن ” انجازاتها ” الموهومة ، انما هو اما منافق او كاذب او سارق يدافع عن ارتكاباته .
هذه المعارضة الواسعة تمثل روح العراق وتاريخه ومستقبله وتعبر عن نفسها بارقى انواع التعبير : التطاهرات والاعتصامات السلمية ، القصائد والمقالات والكتابات وحتى النكات السياسية ، حملات محاربة الفساد والغاء رواتب البرلمانيين والرئاسا ت الثلاث ، كلام الناس العاديين مع بعضهم في بيوتهم وفي الشارع وفي الفضائيات ، تغريداتهم على صفحات التواصل الاجتماعي وشكاواهم للصحافة وللمسؤولين ، في انتقاداتهم لكل سلبيات السلطة واجراءاتها الخاطئة والتعسفية. كما تعبر عن نفسها بحسرات ودموع امهات واهالي المعتفلين الابرياء والمعوزين والباحثين عن لقمتهم في مكبات النفاياترهاب ، وابناء وبنات شهداء  الاحتلال  والارهاب وجرحاهم ومعوقيهم….المهجرين من دياراهم ظلما في الداخل والخارج، وكل من لحقه ضيم بسبب اجراءات الاقصاء والتهميش والتعدي دون وجه حق .
   الاغلبية الساخطة تقف مع مصالح البلد التي يجري تشويهها وسحقها من قبل الموالاة والمعارضة الرسمية والمعارضة المسلحة على حد سواء …..هذه الاغلبية التي تشكل اكثر من 90% من العراقيين لا يخيفها ما تمتلكه السلطة من امكانات مالية واعلامية وأمنية …..فقد استطاعت الاغلبية الساخطة في بلدان عربية اخرى وعندما تحول سخطها الى غضب عارم على اقتلاع من هو اكثر قوة وجبروتا …
   لا تنخدعوا ياسادة بقدرات هذه الاغلبية التي تعتبرونها صامتة ، فهي المعارضة الحقيقية لعمليتكم السياسية العرجاء وصفقاتكم السياسية على حساب الوطن .ولن تستطيعوا ابقائها صامتة بما اوتيتم من وسائل القوة والدجل والخطاب الفئوي والطائفي ..فالسخط الكامن يتحول عند اول شرارة الى غضب عارم قادر على اسقاط اعتى العروش …فهل يتعض من في الموالاة ومن شاركها قبل فوات الاوان …فان كانوا لم يعوا بعد انصحهم بقراءة التاريخ من جديد…