19 ديسمبر، 2024 12:12 ص

“يلازم الإرهاب الحياة البشرية منذ بداياتها لأنه بنظر مرتكبيه هو الأسلوب الأقرب للوصول إلى الأهداف والمصالح”‪[1]ويعدّ الإرهاب في شكله ومضمونه نوعا من أنواع العنف (المرضي) ويقترب في الكثير من صورة ودوافعه وأهدافه من السلوك الإجرامي حيث أنّ” أيّ عنف منظم ومدبر يعدّ سلوكاً إجراميا”‪[2]
ويتفق مختصون بدراسة علوم الإعلام والاتصال والمهتمين بشؤون الإرهاب من أمثال الباحث (أتش ميللر) مدير أبحاث الإرهاب في مؤسسة (راند) الأمريكية، ورئيس جهاز الأخبار في (أن بي سي) كروس مان، وخبير الإرهاب في وزارة الدفاع الأمريكية (رودولف ليفي) يتفقون على أن هناك علاقة متبادلة بين الإعلام والإرهاب أصبحت الآن تشبه شراكة بين مؤسستين إحداهما تقوم بصنع الحدث والأخرى تسوّقه، ويؤكّد هؤلاء المختصون والمهتمون أن للإعلام والدعاية في أحيان كثيرة أهمية تزيد على العمل الإرهابي نفسه‪ .[3]‬
لقد غذّت بعض القنوات التلفزيونية الفضائية العربية هذه الشكوك والعلاقات من خلال التردد في حسم الموقف من الإرهاب وجماعاته،من خلال عدم التحقق من تأثير ما يذاع من صور وتسجيلات وبيانات: هل يعدّ خدمة إعلامية لإيضاح الحقيقة أم أنّه يقع في دائرة الترويج وإظهار قوة وحضور الجماعات الإرهابية؟. لذلك ربما يمثل هذا التداخل بين الوظيفتين أخطر ما اتّسمت به القنوات الفضائية العربية تحديدا ووسائل الإعلام الأخرى. وفي هذا الإطار يحال ذلك إلى دوافع محتمله أبرزها‪ :‬
1- إن سياسات الدول الراعية لتلك القنوات تساهم إلى حدّ ما في تأجيج الصراعات في المنطقة من خلال دعم أطراف الصراع التي يمثل الإرهاب وجماعاته طرفا رئيسيا فيه، مستخدمة الإعلام بأقصى طاقاته التحريرية والإخراجية لهذه المهمة‪ .‬
2- إن السبق الإعلامي أصبح هو الهدف وهو من سلبيات العمل الإعلامي، فقد يؤدي ذلك إلى مخاطر ترويج العنف أو تمجيد الفوضى وانتهاك المجتمعات العربية‪ .‬
3- إن القائمين على العمل الإعلامي العربي لم يتمكنوا من اللحاق بطرق وأساليب الدعاية والإعلام المعقّدة الحديثة، وغاب عنهم في ظلّ ذلك التمييز بين الخدمة الإخبارية للمواطنين وخدمة الإرهاب وأنشطته، دون قصد. وهو سبب ضعيف في اعتقادنا قياسا إلى الإمكانيات المادية واللوجستية التي تقدّمها دول تحتضن مؤسسات إعلامية عربية كبرى‪ .‬
4- وأخيرا، إنّ ما يحدث أمر معقّد تديره إرادات دولية لرسم سياسات مستقبلية للمنطقة، وإنّ ما يحدث من دعم إعلامي للإرهاب تحت ذرائع العقائد، وتغيير الأنظمة، إنّما هو جزء من تلك السياسات”‪ . ‬من جهة أخرى يزعم بعض الإعلاميين إن المتلقي نفسه يرغب في مشاهدة صور العنف، ولكن هذا الزعم غير صحيح، لأن دراسات كثيرة أخرى أشارت إلى إن وسائل الإعلام هي التي تخلق مثل هذه الرغبات لدى الجمهور المشاهد وإن الاستمرار في خلق رغبات سلبية إن صحّ التعبير. يلحق الأذى بالمجتمع وأن من حقّ المجتمع أيضاً الرفض القاطع لتحويل الرعب إلى سلعة تتاجر بها وسائل الإعلام وتجني من ورائها أرباحاً طائلة).‪[4]
صياغة الاخبار و الإرهاب
يمكن في هذا الموضع الحديث عن سمة مهمة تتصل بموضوع الصياغة الخبرية وإعلام الإرهاب، عبر التمييز بين الخبر” كما حدّدته اللغة في شكله البسيط، شخص يروى وآخر يستمع، وموضوع الرواية والخبر بشكله المعقّد،الذي تتداخل عناصر عديدة في تشكيله، تبدأ من اللحظة الأولى التي يقرر فيها المحرر أو المندوب الصحفي التوجه إلى المصدر للحصول على المادة الخام التي تشكل مضمون الخبر، مرورا بسلسلة حراس البوابات داخل الصحيفة – المؤسسة – إلى أن يظهر الخبر في شكله النهائي، متأثرا عبر هذه السلسلة الطويلة من المؤثرات والتفاعلات”. ‪[5]
وفي هذا الإطار، كيف يمكن أن تؤثر صياغة الأخبار في تقديم صورة الإرهاب وأنشطته؟ وكيف يساهم التحرير الخبري بمراحله في تقديم ذلك؟ فقد يخدمه من خلال التركيز على المناطقية أو الطائفية أو استعراض القوة والوعيد التي أراد البيان إيصالها، وهو عادة ما يحصل في تفجيرات ينفذها الإرهابيون في العراق والكويت والسعودية وسوريا وغيرها من الدول، حيث يكون الخبر هنا أكثر مهنية حين تجرّده من الرموز التي يضمنها التنظيم في خطاباته. ويمكن قراءة مضامين هذه البيانات الإعلامية، التي تتراوح بين مبررات دينية وعقائدية، محضة، أو المزج بينها وبين التبريرات السياسية، أو حتّى إضافة تبريرات أخرى، في حالات نادرة،من أجل ملامسة أعراف وتقاليد قبلية، أو الاستفادة من تناقضات في الشعور الوطني، أو المناطقي، للوصول لأقصى “فاعلية” في خطابه الإعلامي.
فالخبر الصحفي ليس (إعلانا) عن حدث أو واقعة بسيطة وإنما هو عملية لها عناصرها وتفاعلاتها، وعليه فأنَّ سمة التغير تعدّ سمة أصيلة في الخبر، فمن ناحية هو متغير في طبيعته من حيث إنّه يبدأ بموقف ليصل عبر سلسلة من الأسباب والنتائج إلى موقف متغير تماما، كما إنّه متغير بتغير الزمان والمكان والشخوص والمواقف، ورؤى العاملين بكلّ صحيفة – مؤسسة – والضغوط التي يعملون في إطارها. وهو الأمر الذي نلمسه في اختلاف وتغير الرواية الواحدة للواقعة الواحدة، داخل المجتمع الواحد،من صحيفة – مؤسسة – إلى أخرى، وعليه تعدّ هذه أهم المجسات التي يتم التحقق من دقتها في التعامل مع النصوص التي يصدرها إعلام الإرهاب‪[6]
ففي نصوص البيانات التي يصدرها تنظيم داعش دلالات وإشارات يريد إرسالها، فهو يستثمر في العملية، وفي القالب الإعلامي الذي وضعت فيه. فعلى سبيل المثال، وفي بيان تبنّي “داعش” استهداف مسجد الإمام الصادق في الكويت، أكد على هوية “طائفية” و “مناطقية” لمنفذ العملية، وهي طريقة لا يستخدمها عادة في لغة خطاباته. فقد أشار في البيان إلى أن الانتحاري انطلق من” ولاية نجد” وهو من” أهل السنة” بينما – على سبيل المثال – في استهداف حافلة قوات الأمن الرئاسي في تونس، لم يشر إلى الهوية” الطائفية” للمنفذين، كما لم يشر إلا في حالات نادرة للمنطقة التي جاء منها الانتحاري، هذه إحداها، إذ غالباً ما كان يكتفي بكُنية منفذ العملية، للتدليل على المنطقة التي قدم منها، كاستخدام كنية “الجزراوي” للكناية عن أن منفذ العملية من السعودية في أغلب الأحيان.‪[7]ويعلم الإرهابي جيداً أن أعماله الإرهابية من قتل وتفجير واحتجاز رهائن سيبثها التلفزيون في الحال، مما يحقق منها هدفين أساسيين:
الأوّل / إثارة انتباه العالم إلى كَوْنْ الإرهاب موجودا، وأن الإرهابيين أصحاب قضية، لذا وَجَبَ الاعتراف بهم، ومن ثمّ ضرورة معالجة قضيتهم، فهم يعتبرون أنفسهم أصحاب قضية.
الثاني / الحصول على الشرعية الدولية لقضيتهم والتعاطف معها.
ولتحقيق هذه الأهداف يعتمد الإرهابي بالدرجة الأولى على تجاوب وسائل الإعلام معه، وليس من الضروري أن يكون التجاوب بالتعاطف، إنّما المهم هو أن تنقل هذه الوسائل رسالة الإرهابيين إلى الرأي العام الداخلي والخارجي. فالإرهابي يحتاج إلى الإعلام، ويعتبره بمثابة سلاح إستراتيجي لا بُدَّ من جذب انتباهه، والإعلام قد يخدم أهداف الإرهابيين بنشر أقوالهم وأفعالهم، وتضخيم قوتهم دون قصد، ليُعطي بذلك للإرهاب صدى إعلاميا واسعا، يسعى الإرهابيون دوماً إلى تحقيقه‪[8]ويمكن كذلك ملاحظة أمر هام يتمثل بتوصيف الإرهاب وجماعاته ضمن السياسة التحريرية للقنوات الفضائية، فنرى – الجماعات المسلّحة – الجماعات الإرهابية – المتمردون – الثوار – الدولة الإسلامية – ما يسمّى بالدولة الإسلامية – المتطرفون – المجاهدون – مقاتلو القاعدة – عناصر القاعدة. وغير ذلك مما يشير إلى حجم المسافة بين الدعم أو الإنكار أو الحياد. فضلا عن تعامل بعض القنوات الفضائية مع عناصر الإرهاب أو من يدعمهم باعتبارهم يمثلون طرفا معارضا يملك حقّ الردّ والإيضاح، في وقت تقتضي العدالة والمهنية أيضا أن لا يتم تسويق الإرهاب وأدبياته وأن لا تتاح له الفرصة لاستعراض أفكاره ومتبنياته، مما يجعل الإجرام رأياً والظلم وجهة نظر.

‪[1]‪فاضل الصفار، ظاهرة العنف والإرهاب، أسبابها وحلولها، بيروت، مجلة النبأ، دار المستقبل للثقافة والعلوم، العددان 67 و 68، 2003 ص 25..‬
[2]محمّد جواد رضا، العنف في القانون الدولي، القاهرة 1983، ص 76..‬
[3]د. حسن علوان، موضوعة الإرهاب في الفضائيات العربية، دراسة في الشكل والمضمون، أطروحة دكتوراه في الإعلام والاتصال، مقدمة إلى مجلس كلية الآداب والتربية. الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك لنيل شهادة الدكتوراه 2008.‬
[4]جودت هوشيار، العلاقة الملتبسة بين الإعلام والإرهاب، مقال منشور بتاريخ 13-11-2014 على موقع ميديل ايست اون لاين، http: //middle-east-online. com/؟ id=188043.‬
[5]د. عبد الفتاح عبد النبي، سوسيولوجيا الخبر الصحفي، العربي للنشر والتوزيع، 1989، ص 24-25.‬
[6]المصدر السابق ص 25..‬
[7]بدر الراشد، بيانات داعش، مضامين ورموز الإرهاب ، بحث منشور على موقع العربي الجديد بتاريخ 6-12-2015 https: //www.alaraby. co. uk/medianews/2015/12/6.‬
[8]المصدر السابق..‬