تصاعدت في الاونة الاخيرة حدة المواجهة بين الحكومة وبعض وسائل الاعلام, وانبرت سياسة التضيق وتكميم الافواه ضد الصحفيين والاعلاميين وبصورة فاضحة, دون تقديم اي مبرر لمثل هذا التضيق والممارسات ,سوى مبر واحد هو قمع بعض من يتبنون رؤية مخالفة لما تراه السلطة, سيما في موضوعة الخدمات وملفات الفساد, ويبدوا ان توجه الحكومة القادم ومن خلال ترجمة بعض افكارها التي تصدر بين فترة واخرى وعلى لسان هئية الاعلام والاتصالات وهي فرض اسوء اشكال العلاقه بين الاعلام والحكومة واكثرها تخلفا وتعقيداً وهي علاقة التبعية, هي العلاقة التي ترفضها بعض وسائل الاعلام المستقلة التى تعتقد بانها كلما زادت تبعيتها للسلطات الحاكمة كلما قلت ثقة الجماهير بها وتناقصت مصداقيتها. لذلك فإن أهم وسائل تطوير العمل الصحفي والاعلامي والاتصال هو التوصل إلى نظرية جديدة للعلاقة بين وسائل الإعلام والسلطة بحيث تضمن لهذه الوسائل الاستقلال عن السلطة، والحرية في القيام بوظائفها . ولكي نصل الى تصور جديد لهذه العلاقة, لابد ان تحرر الحكومة افكارها من اسر بعض المفاهيم المغلوطة, ومن اهمها, التبعية او الخصومة. اي ان العلاقة بين وسائل الإعلام والحكومة تقوم على اساس الخصومة او التبعية, بمعنى اخر معي, او ضدي. ان ماحدث مؤخرا من انتهاكات صارخة بحق الاعلامين في محافظة ذي قار وصلت الى حد الاعتقال والسجن وفرض غرامات مالية على مؤسسات اعلامية بعينها, ماهي الا ترجمة لمفهوم الخصومة التي تنتهجه الحكومة في التعامل مع بعض وسائل الاعلام التي تحاول الافلات من مفهوم التبعية. يتصور بعض المسؤولين ان مشكلة البلد ليست في تباطؤ الحركة العمرانية، ولا في الفساد ولا في كل ما يتغلغل داخل المجتمع من أزمات واحتقانات واحساس عام بخيبة التجربة ، وانما المشكلة فقط في الاعلام, هذا الذي كشف المستور وأشار الى مواطن الخلل والفساد، وهذا الذي فتح عيون الناس على كل شيء، وايقظ ضمائرهم وأسقط عنها الخوف. وما دام ان الاعلام هو المشكلة كما يرى هؤلاء فان الحل المطروح على الطاولة الان هو الحد من نفوذه وقص أظافره، وازاحته من موقعه كمعبر عن الضمير العام، وكمرآة عاكسه لقضايا الناس، ومراقب لاداء السلطات ،وتحويله الى موقع آخر يمارس فيه وظيفة الصمت والخنوع على الخطأ، والتصفيق للجالسين في المقدمة، وازدراء مطالب الشارع، والعزف على أوتار انجازات المسوؤل ووعوده حتى لو كانت مجرد أوهام. الآن، ثمة من يشعر بأن الاعلام أصبح طرفاً مهماً في الصراع الدائر من اجل الاصلاح ومكافحة الفساد والتحول نحو ديمقراطية حقيقية من شأنها ان تغير المعادلات السياسية القائمة، وتعصف بالشراكات , التي اخذت بالوطن واستهترت بالناس، وبالتالي فان اشهار الحرب على الاعلام الحر واقصائه عن مساحته ومكانه واشغاله بالدفاع عن نفسه، واغراقه في جدال طويل حول شرعيته, وتخويف المجتمع منه، هو أقصر الطرق للالتفاف على مطالب الناس ، وابقاء الوضع الراهن على ما هو عليه، كضمانة مفترضة لمنع اي محاسبة ,او مراقبة ,أو نقد قد يطال المتضررين من المحاسبة و الخائفين من موازين العدالة. محاولة اسكات الاعلام والاعلاميين ان نجحت, فانها ستفتح الشهية لالتهام ماتبقى من مبادئ واسس الاعلام الحر والجرئ و حافزاً لبدء مرحلة جديدة من المواجهة , ستأخذ طرقاً واساليباً متعددة، سيكون منها ما هو تشريعي, ومنها ما هو استرضائي ,ومنها ما يقع تحت طائلة التشويه والصاق التهم الباطلة ومن ثم الاغلاق, والاطراف التي ستشارك فيها ليست فقط الحكومة , وانما ستنظم اليها جهات ونخب مختلفة، يجمعها احساس واحد هو الانزعاج من الاعلام والخوف منه. والحل المشترك هواسكات كل من يتكلم بجرأة لكي تبقى اصداء اصوات الناس خافتة، لا تؤثر ولا يسمعها أحد.