ان مهمة الاعلام الخارجي في أي بلد ، هو النافذة التي من خلالها يتعرف او يتم تعريف الآخرين على هوية البلد الثقافية ، والثقافة هنا ، هي الوجه الحضاري والمقياس الذي يكشف او يوضح ما وصل اليه أي شعب من تقدم في اوجه الحضارة المختلفة . لذا يتحتم التركيز هنا على الدور الذي يجب ان تؤديه الادارة او الجهة المناط بها مهمة الاعلام الخارجي ، وذلك من حيث البرامج والتعامل مع الاشخاص الذين يؤدون مهامها لبلدانهم كمراسلين او ملحقين اعلاميين ومستشاريين صحفيين … وفي رأيي ، أن استقطاب المراسل او أي شخص على شاكلته فــي هذه المهمة وتوفير المعلومات له ، وجعله في الصورة امام كل النشاطات … اضافة الى وضع برامج تمكنه من الزيارات الميدانية للمشاريع والانجازات في المجالات المختلفة تعد من اساسيات التعامل مع أي شخص يشغل هذه المهمة .
ونأتي الى دور المراسل كنموذج متفرد في التعامل وسط دوائر الاعلام الخارجي ، ونقول :- ان المراسل الصحفي المتمكن ذو الحس الصحفي هو الذي وصفوه برجل المخابرات البيضاء ، ان صح التعبيـر . هذا الانسان الذي يعد اكثر حركية وتواجد ومن خلاله ودوره البارز وأنفه الطويل يستطيع تجميع اكبر قدر من المعلومات التي تفيد الخبراء وذوي الاختصاص في بلده ، خاصة فيما يتعلق وضع الخطط الشاملة للتعامل والاستفادة من البلد الذي يعمل فيه عندما يقدمها برؤية صحيحة لبلده ، ودونما مساس بأمن البلد او تعكير لصفو العلاقات ، ويفترض ان يجعل من نفسه صمام آمان يحول دون تسرب أية معلومة خاطئة ، وألا يقع في المحظور ، خاصة عندما تكون المعلومات غير صادقة ولا تستند الى مصادر مسؤولة ومؤكدة حسب العرف الصحفي .
ان قضية الاعلام الخارجي في أي دولة ، يجب ان تبنى لها اسس وقنوات جيدة قادرة على ايصال الصورة الحقيقية التي يجب ان يفهمها العالم عن حضارة وتاريخ هذا الجزء من العالم الذي كان مهداً لاعظم حضارات انسانية في تاريخ البشرية قاطبة ، وكان له الفضل في عصر النهضة الذي شهدته اوروبا وتشهده الأن ، التي استفادت من تطوير العلوم التي وضع اساسياتها اولئك الجهابذة من علمائنا الافاضل ، لا الصورة المشوهة التي تعمدت اجهزة معروفة ( فبركتها ) ونشرها في ارجاء العالم بالصورة التي تخدم اهدافها … وهذا في رأيي يحتاج الى انفاق وميزانيات سخية ، عساها ان تفعل شيئاً من محو الصورة التي سبق ذكرها ، وتقديم البديل للأجيال القادمة بكل ما يحمل من نقاء وسمات طيبة للتوضيح – القصد بالاجيال هنا – اعني يهم الجانب الآخر الذي درجنا على تسميتهم بأعداء العقيدة او العرق على حد سواء … كعراقيين بالتحديد لعدد من القضايا في خطابنا الاعلامي الموجه الى الخارج . وكلمة الخارج هنا تشمل الحدود الاقليمية التي رسمها الاستعمار بين الاقطار العربية ، واخرى الدولية ، والتي تخاطب شرائح من العقول التي تربت وسط اجواء ديمقراطية وبيئية مختلفة شكلاً وموضوعاً عما يجري داخل عراقنا وبقية اقطارنا العربية . هذه المجريات وغيرها يجب ان يفهمها العالم وفق تحليلات وبرامج مركزة تعتمد اسلوب مخاطبة العقول لا دغدغة العواطف التي لا تدوم سوى لحظات ، ومن ثم تنتهي ولا تترك أثراً لها .
ان الحديث حول الاعلام الخارجي ، يجب ان توضع له كافة الدراسات والسياسات المنبثقة من تجارب خاضعة للمزاجية وعمليات الانفاق المزدوجة التي يتم من خلالها الخلط عبر القنوات وتوجيهات قد تصدرها جهات على حساب شيء اسمه الاعلام الخارجي مثلاً .
هنا ، لا أريد ان ألقي باللائمة على اناس تعاقبوا على مسؤولية الاعلام الخارجي في عراقنا ( اشياء كثيرة تختزنها ذاكرة تجربتنا المهنية واغلبها سلبية بكل اسف ) منهم من هو أهل لهذه الوظيفة وله بصماته الجلية ، ومنهم من مر مرور الكرام وترك عقبات كأداة لا بصمات ، وربما تكون سوداء ساهمت الى حد كبير في تأخر هذا المرفق .
حقائق مؤلمة يمكن استعراضها في موضوعات لاحقة في عراقنا ماضياً وراهناً من حين لآخر ، وصارت تشكل بوجودها حدية في خاصرة تفكيرنا ، وليس امامنا من سبيل سوى تسخير اقلامنا التي بدورها تنقل افكارنا وخلاصة تجاربنا ، عساها ان تفعل شيئاً في تراكمات التخلف التي تركت مجتمعنا العراقي يغط في تخلف عميق … خاصة ونحن نعيش ما يسمى بالزمن الردىء ، ومن ثم تكون لهم رجعة الى الطريق الصحيح مختصرين الزمن الذي لم نضع له حساباً في التعامل رغم احساسنا بقيمته ووعينا العميق بكل ثانية تنقضي منه .
انني لست واعظاً هنا كما يفعل بعض خطاب المنابر الذين يخلطون بين الموعظة الحسنة التي تخدم عصرها والافكار التي عفا عليها الزمن وصارت في حكم الخرافات والتي تشدنا خطوات الى الوراء او تجار الشعارات الذين لهم اهداف ومرام تتلون وفق المصالح بقدر ما دفعني الى تناول موضوع الاعلام الخارجي بأعتباره واجهة تتولى عملية التعريف ونقل الصورة المضيئة من دولة الى اخرى … هو المجاهرة برأي وطرح افكار ارجو ان تكون صائبة لا أريدها في نفس الوقت ان تكون حبيسة صدري … بعيداً عن التزلف واساليب النفاق … مطالباً بالاستفادة من الكفاءات والخبرات المبنية على أسس قوية ودون الالتفات والاهتمام الذي قد يخدع صناع القرار بدءاً بالوساطة والمحسوبية ، او بريق حاملي الشهادات التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، وقد ينطبق عليها بكل أسف القول المأثور – كالذي يحمل اسفاره – مع جل احترامي وتقديري العاليين لحاملي الشهادات الذين يمكن الاستفادة من علمهم وخبراتهم التي أشعر بأنها ذهبت هدراً وربما حسرة وألماً ، لتهميشها وتركها جانباً داخل سياج محاط بنماذج من الجهلة أتت بتصرفاتها وممارساتها المشينة على كل عود أخضر ينبض بالحياة في هذا العراق الذي يعيش جملة من التناقضات .
[email protected]