طلعت علينا قناة العراقية ليلة البارحة بمجموعة تضم خليط من فنانين وشعراء وموظفين وغيرهم وهم ينشدون ما يشبه الأوبريت ولا اعرف لماذا تبادر الى ذهني أغاني القادسية في ثمانينات القرن الماضي وبالأخص منها ( ياكاع ترابج كافوري) مع الفارق في التنظيم وطريقة الوقوف والإنشاد والحماسة الا ان المفارقة في الموضوع ان من بين منشدي العراقية شخص معمم ، وهذا يحسب لها لانه ولأول مرة نرى معمما يغني او يشارك في أوبريت لأننا اعتدنا ان نرى المعممين اما في الجوامع وهم يؤمون الناس بالصلاة او في الحسينيات على المنابر الحسينية ، ليس هذا المهم الا ان الموضوع الذي يعكس مدى سطحية الاعلام العراقي الرسمي او المسيس في وقت تظهر علينا فضائيات استطاعت بأساليبها المشروعة وغير المشروعة ان تكسب الغالبية العظمى من المشاهدين والعراقيين من أولهم بالرغم من ان للقسم منها مواقف عدائية وتحاول تشويه الحقائق او تزرع الفتنة بين أبناء الشعب ، الا ان قوة التأثير تجعل من المتلقي العراقي ان يصدق ما تقول باستثناءات القلة التي ( تفرزن ) الأمور وتستطيع ان تميز بين ماهو معقول وبين ما يخالف العقل والمنطق …
الغريب في الامر ان هناك هيئة للإعلام ومجلس للأمناء تشرف وتدير قناة العراقية يفترض بها ان تضع سياسة إعلامية تستطيع ان تجاري وسائل الاعلام المعادية لكن يبدو انها بقيت تدور في حلقة مفرغة من برامج هزيلة تحاكي العقل الجاهل …
المؤسسات الإعلامية الناجحة دائماً ما تأخذ في عين الإعتبار معطيات كثيرة عندما تخطط لتحقيق نتائج إيجابية تتجاوب مع طبيعة المرحلة وتقدر قدرة وقوة المؤسسات المنافسة التي تبث السموم وتنتهج سياسة الإفساد ، وبغض النظر عن الوسيلة التي تمتلكها المؤسسة الإعلامية يجب عليها في المقام الأول أن تعيد تحديد شخصيتها لتكون مؤسسة منتجه للمحتوى الإعلامي الذي يستطيع محاكاة العقل الجمعي والتأثير فيه معتمدة الشفافية العالية في الطرح والابتعاد عن الأسلوب ( الببغاواتي ) .. من أهم ما يجعل المشروع الإعلامي ناجح ومواكب مع متغيرات السوق هو قدرته على تبني وسائل إعلامية جديدة و تكنيكات مختلفه في نقل و بث المحتوى الذي يستطيع ان يؤثر في الطبقة المثقفة ويكسب ود الجمهور وان يصل الى مرحلة الإقناع وهذا لا يمكن ان يتأتى الا من خلال استثمار كافة الإمكانيات والطاقات البشرية المتخصصة بعيدا عن المحسوبية والحزبية كما هو دارج في المؤسسة الإعلامية الحكومية ، الإمكانيات والطاقات البشرية تعتبر لدى وسائل أعلام معروفة ومنتشرة من العناصر المهمة التي بها تستطيع تحقيق النجاح والابتكار وهذا ما يكسبها أهميتها في عملية بناء الثقة ولوسائل الاعلام دورا كبيرا في المجتمع يتحدد بالأثر الذي تستطيع ان تؤثر فيه وهناك وسائل أعلام ذات تأثير فاعل ومنها غير مؤثر لا دور له في المجتمع ، وسائل الاعلام المؤثرة قد يكون تأثيرها إيجابي وقد يكون سلبيا وفق الهدف الذي يسعى اليه القائمون على وسيلة الاعلام ومسالة تحديد ماهو الإيجابي وماهو السلبي ليست ثابته قد تتغير وفق تغير المعطيات والأهداف .
وسلئل الاعلام غير المؤثرة او التي يكون تأثيرها محدودا او سلبيا في بعض الأحيان هي تلك التي لا تستطيع ان تعي سيكولوجية الأفراد وترتقي الى مستوى فهم تفكيرهم على اختلاف مرجعياتهم الفكرية والثقافية وحتى الدينية احيانا ،بالاضافة الى عدم وضوح الرؤية والوسيلة والأداة لتحقيق الهدف والقائمون على هذا النوع من وسائل الاعلام هم من دخل السلك الإعلامي بالصدفة او دون رغبة وتخصص في العمل الإعلامي أو دون هدف أو وعي حقيقي بالدور الذي تتحمله المؤسسة الإعلامية لتكون ذات فائدة ونفع وترتقي الى مستوى التحدي .
نتمنى على القائمون على شبكة الاعلام العراقي ان يرتقوا بالؤسسة الإعلامية لتكون على اقل تقدير مقبولة في المجتمع العراقي دون محاكاة لفئة مجتمعية او محاباة لطبقة او فئة سياسية لأننا يفترض ان نكون في نظام ديمقراطي …والابتعاد الى كل ما يسفه العقل ويخاطب العاطفة …