يعتبر الاعلام اليوم المؤثر القوي في سياسة الدول، وعليه تعتمد مؤسساتها، كما يعد ركيزة أساسية في بنائها. وإذا أمعنا النظر فسنجد أن مهمته ترتكز في تقويم اداء المؤسسات، وتوجيه الراي العام. ولولا الاهمية القصوى للإعلام لما لاحظنا وبشكل واضح ان عملية السيطرة على الاذاعات والتلفزة الرسمية هي الهدف الاول في كل عملية انقلاب او تغيير في هرم الدولة من اجل ايصال رسائل الى الشعب وايضاح خطط والترويج لأهداف سيُعمل عليها في مرحلة قادمة.
الإعلام لم يعد مجرد وسيلة ناقلة. إنما صار اداة لمحاورة مجتمعات اخرى والتأثير فيها فكريا وعقائديا، الى جانب التأثير السياسي.
وقد استغلت مجموعات ارهابية وسائل الاعلام أبشع استغلال من خلال بث مشاهد القتل ورسائل التهديد وإشاعة روح الفرقة والنزعات الطائفية من اجل تأزيم الواقع الاجتماعي عموما وتفكيك أواصره فيسهل ضرب أركان الدولة وخلخلة وجودها.
إذ على أساس الاهداف المطلوبة، يجري توجيه الوسيلة الاعلامية واختيار نوعها. فالغاية هي التأثير في الجمهور والتحكم في تلقيه الأخبار وبالتالي السيطرة على طريقة نظره الى الواقع والتعامل معه.
من الواضح ان وسائل الاعلام اليوم تسهم في توجيه مسار سياسات دول، وتحطيم دول أخرى والتهيئة لقدوم غيرها.
التحولات والاضطرابات التي شهدتها المنطقة العربية وما زالت، كان للاعلام فيها دور بارز، لا بل صار وكأنه صانع التغيير والمبشر بمرحلة قادمة مختلفة. لكن في هذه الاوضاع الجارية الان، لم تعد قيم الاعلام ومبادؤه حاضرة دوما وتحظى بالحرمة، بل انها عرضة للخرق والتجاوز في أي لحظة ما دام هذا يخدم بنحو أكثر هدف الرسالة الاعلامية المطلوب ايصالها. الفبركة، التزوير، التلفيق، صارت كلها جائزة، لا بل “ضرورية” لوضع المتلقي في حال التباس وتسليم لما يقال له ويعرض عليه، حتى وصل التاثير الى جعل الفرد الموجود على الارض يتلقى معلوماته من وسائل الاعلام ليبني عليها مواقفه من دون ان يعبأ بما يجري امامه حقا. اذ يجري تسليط ضوء كبير ومتواصل على مجموعات بعينها وتبث تقارير عن جهات بعينها، وتنطوي الاخبار على تلميحات واضحة عن جهات ومجموعات بعينها، فيما تغيب غيابا تاما جهات ومجموعات اخرى.
التكرار ايضا من سمات وسائل الاعلام الموجه في المنطقة. فليس من النادر ان يتكرر مشهد معين ثلاث او اربع مرات في تقرير او تغطية واحدة. وصار “التساؤل” الاتهامي او التحريضي او التعبوي حاضرا بقوة في التغطيات الاعلامية.
ففي محطات تلفزة تحظى بعدد ملحوظ من المشاهدة، العربية (السعودية) والجزيرة (القطرية) يغيب مثلا وجود نشاط لمجموعات إرهابية او تكفيرية في سورية. كما لا وجود لقمع او تقييد حريات او كبت او فساد في الدول الراعية لها، فضلا عن دول ترتبط معها بمصالح، أيا كانت المصالح ومهما كانت طبيعتها وتبعاتها.
لكن هذا لا يعني ان الاعلام في بقاع اخرى من العالم منزّه عن التلاعبات والتوجيه، إنما في هذه الحالة، تحضر السياسة الخارجية بمعناها الواسع والحرفية في التغطية الاخبارية، لذا نجدها أخف حدة واستفزازا في احيان كثيرة فتنساب “الرسالة” بهدوء الى غاياتها.
الاعلام في أحداث المنطقة العربية ومحيطها صار في خدمة السياسة واداة من ادواتها بدلا من ان يكون مراقبا وكاشفا لخطاياها.