22 نوفمبر، 2024 7:21 م
Search
Close this search box.

الاعــــلام واثره في مقاومة الفكر المتطرف

الاعــــلام واثره في مقاومة الفكر المتطرف

تعتبر وسائل الاعلام المختلفـة (المرئـي والمســموع والمقـروء والالكترونـي) واحدة من الادوات الاساسية التي تلعب دورا هاما ومؤثرا في توجهات الرأي العام واتجاهاته ، وصياغة مواقفه وسلوكياته من خلال الاخبار والمعلومات التي تزوده بها وسائل الاعلام المختلفة .فالمؤسسات الإعلامية اصبحت من أكبر المؤسسات الاجتماعية والثقافية تأثيراً في نشر ثقافة التسامح ومحاربة التطرف أو العكس، فالمؤسسات الإعلامية أصبحت أكثر وسائل التواصل البشري تأثيراً في صناعة الثقافة، وتشكيل الوعي، وتحديد توجهات البشر في مختلف المجتمعات، وذلك بحكم قدراتها الواسعة والمؤثرة في نشر المعلومات بكافة أشكالها إلى جماهير واسعة من الناس بسرعة فائقة، من خلال البرامج الإخبارية والترفيهية والتسويقية والدينية والثقافية المختلفة.

 

ان العالم باسره يواجه اليوم واحدة من أهم الأزمات التي تشكل تحديا يهدد الامن والسلم المحلي والاقليمي والعالمي في عصرنا الحالي وهي أزمة التطرف الديني وما تفرزه من إرهاب الذي أصبح حقيقة لا يملك أحد تجاهلها أو تجاوزها، فبين التطرف الديني والطائفي والتطرف الأخلاقي والعنصري.. أصبح العالم يعيش حالة من اللا استقرار، والعنف والعنف المضاد، وأصبحت منطقتنا العربية والعراق من ضمنها تعيش واحدة من أشد مراحلها سوادا بعدما أصبح هذا التطرف وما يفرزه من إرهاب يقتات من جسد الأمة المنهك بالثورات والحروب والصراعات ويصدر صوره عنفا وارهابا يهدد المنطقة العربية والعالم، بعدما نجح في استقطاب الجاهلين والمغيبين والمهمشين في دولهم ليصنع منهم مشاريع ارهابيين وخلايا قابلة للانفجار في أي لحظة وفي كل مكان.

إن انتشار اشكال التطرف الديني ومافرزه من عمليات ارهابية اصبح يشكل علامة بارزة على انتشار الكثير من الأمراض النفسية في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية ، منها ما هو تدمير للمكتسبات الحضارية للمجتمع وقتل الأنفس، ومنها ما هو تشدد فكري يحمل جانب الإقصاء والتصنيف لأفراد المجتمع، وقد أصبح التطرف الديني سمة غالبة لظاهرة الانحراف الديني المعاصرة التي تفشت نتيجة ظهور أفكار جديدة ( تضع الدين شعاراً لها والإسلام منها براء ).

وبعد ان اصبح حجم التحدي يتضاعف في ظل استغلال الجماعات الارهابية ورواد الفكر التكفيري لوسائل الاعلام الحديث ومواقع التواصل الاجتماعي لبث الافكار المسمومة واستقطاب المؤيدين للتطرف، بدت الامور منصبة على اهمية البعد الاعلامي وضرورة مواجهة ومحاربة الافكار الارهابية عبر ذات الوسائل التي تستخدمها العصابات للحيلولة دون تمكينه من التأثير في الرأي العام وتحديدا في شريحة الشباب ، لضمان عدم تدفق أي دماء جديدة في شريان الارهاب بحيث يسهل محاصرته ومن ثم تصفيته .

وعن اهمية دور وسائل الإعلام في نشر قيم التسامح والإعتدال والوسطيّة بين الناس وفي المجتمعات، في مواجهة ومكافحة التطرف الديني، اكد رئيس الوزراء حيدرالعبادي في مؤتمر مكافحة الارهاب الذي عقد في اب 2016 الذي يهدف الى التصدي للمنابر الفكرية لداعش ودعايته ومواجهته فكريا واعلاميا , ان الجانب الاعلامي عنصر اساسي في مواجهة الافكار الارهابية الهامة, وهو يوازي العمليات العسكرية التي تخوضها القوات العسكرية والحشد الشعبي , مشيرا الى ضرورة استخدام وسائل الإعلام بغية الإفادة منها كثروة للمجتمع تكون في خدمة الإنسان وبنيانه وتسعى إلى تعزيز كرامة الشخص البشري، وأن تكون هذه الوسائل أبواب حقيقة وإيمان في في مواجهة ثقافة القتل والعنف والتعصب ، وأن تكون أيضاً في خدمة العدالة والسلام الحقيقي في ضوء سلام الأرض.

أنّ الدور الذي ينبغي أن تقوم به المؤسسات الإعلامية في الأمن الفكري هو التعريف بالفكر الاسلامي الصحيح الذي يوجه الشباب التوجيه السليم الذي يخدم بلادهم، وفضح الفكر المتطرف المنحرف الذي يتوغل إلى نفوس الناشئة من خلال رسم استراتيجية واضحة وقوية لتنمية ودعم الأمن الفكري لتتحقق طموحات الدولة في توفير الأمن والمسارعة في وضع الإجراءات الوقائية، ومتابعة المتغيرات والصراعات الخارجية إقليمياً وعالمياً مصحوبة بالجاهزية والاستعداد لعلاج المشاكل والأزمات التي تهدد الأمن الوطني. ولذلك فإنّ الحاجة للأمن الفكري تزداد وتستوجب الاهتمام في مثل هذا الأمر، حيث إنّ المجتمعات المعاصرة تعاني دون استثناء ظواهر الغلو والتطرف والذي بات يهدد الضرورات الخمس.

إن عملية نشر قيم التسامح والإعتدال والوسطية، ليست عملية شعارات، إنما هي عملية لها أهداف ومحاور يجب أن تتبناها كل وسائل الإعلام، ومن أهم هذه الأهداف: تقديم صورة حقيقية للاعتدال من خلال نشر ثقافة الحوار والتسامح والانفتاح علي الرأي والرأي الآخر. وأن يقدم الصورة السلبية للإرهاب ويكشف خفايا التنظيمات الإرهابية ومساراتها الفكرية وآليات عملها واستغلالها للجهل الديني أو الحقد المجتمعي الذي يمكن أن يشعر به بعض شبابنا العربي لأسباب متعددة، من اجل تنوير العقول وتوضيح الصورة الغائبة عن الكثير في مجتمعاتنا التي لاتزال لا تميز بين «الدين» و«التدين»، وبين ما يدعو اليه الدين الصحيح ومن يستغله ويتمسح بقشوره لأطماع سياسية أو أيديولوجية او وجودية.

.بناءً على ما تقدم ومن أجل ان تحقق وسائل الإعلام دورها المنشود كمحرك رئيس في نشر قيم التسامح ومكافحة التطرف فلا بد من إطلاق قنوات ومؤسسات صحفيّة والكترونيّة متخصّصة في بناء ثقافة التسامح ومكافحة الفكر الإرهابي المتطرّف، إطلاق برامج تأهيل وتدريب إعلامي فكري للإعلاميين لتمكينهم من التفاعل الناجح مع قضايا الفكر المتطرف، وضع آليات واستراتيجيات عملية لمواجهة طوفان الإرهاب والتطرف للحد منه ومتابعته والقضاء عليه, إعـداد بـرامج تبـث باللغـات المختلفـة للتعريـف بالإسـلام، وتوضـيح أن الإرهـاب والتطـرف لـيس مـن العروبـة والإسلام في شيء , إنشـاء قاعـدة معلوماتيـة إعلاميـة حـول ظـاهرة الإرهـاب والعمـل علـى تحليـل تلـك المعلومـا بمـا يضـمن محاصرة الإرهابيين إعلامياً وثقافياً , تبنـي بـرامج إعلاميـة شـاملة تهـدف إلـى تنميـة الـوعي الـوطني العـام، وتكـريس حـب الـوطن وأهميـة الإنتماء فـي إليه أوسـاط المجتمـع، والتصـدي لمـا يطـرح عبـر وسـائل الإعـلام مـن مغالطـات وأفكـار مغرضـة للتأثير السلبي على الشباب, تعزيز التواصل والحوار بين الشعوب العربية والإسلامية والشعوب الأخرى من خلال التعريف بالجوانب السمحة للحضارة العربية الإسلامية، التي تتنافي مع ممارسات التعصب والإرهاب والتطرف,إطلاق حملات إعلامية مكثفة تستهدف الفكر المتطرف على المستوى العربي والعالمي، من أجل فضح جوانب هذا الفكر وتعريته أمام العالم, تشجيع قيام مؤسسات إعلامية متخصصة في مكافحة الفكر المتطرف عبر الحوار العقلاني البناء,عدم إفساح المجال اعلامياً للخطاب الديني المتشدد وعدم المساهمة عن غير قصد في نشره، وبالمقابل إفساح المجال للخطاب الديني المعتدل والمتسامح والوسطي, تطوير الخطاب الإعلامي بحيث يصبح أكثر احتضاناً لقيم التسامح ومكافحة التطرف واستيعاب الآخر والعيش المشترك .

أحدث المقالات