أثار اعلان السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري في العراق بتاريخ 00/2/2016 الاعتصام امام بوابات المنطقة الخضراء المحصنة من اجل بدء مرحلة جديدة من الاحتجاجات السلمية الشعبية لاجراء اصلاحات حكومية خلال المهلة المقررة وهي 45 يومابدأت في 13/2 وتنتهي في 28/3/2016، ردود افعل واسعة تراوحت بين مؤيد ومعارض. ومع اقتراب ساعات الاعتصام اثير الجانب القانوني لها بشكل لافت، وهذا مايحدث في المسائل الخلافيةعادة، بما يذكرنا بايام غزو العراق للكويت عام 1990، حيث ساد جدل قانوني قدم فيه كل طرف اسانيده القانونية والتاريخية لاثبات عائدية الكويت للعراق من عدمه.وتزايد هذا النقاش مع صدور بيان مجلس الوزراء العراقي في 16/3/2016 جاء فيه ان:
” مجلس الوزراء العراقي يؤيد ويدعم التظاهرات والمطالبة بالاصلاحات الحكومية ويحرص على حمايتها …الا انه يشدد على ان تتم وفق الاطر القانونية واخذ الموافقات الاصولية من سلطة الترخيص، حيث لايسمح وفق القانون باقامة اعتصامات، فضلا عن الظروف الامنية وتهديد المجاميع الارهابية”.وكان لاشارة مجلس الوزراء الى الجانب القانوني للمسألة دافعا لكتابة هذا المقال لتوضيح وجهة النظر القانونية بصدد مسألة الاعتصام ومدى شرعيتها وفقا للتشريع العراقي من عدمه، مع الاشارة الى تشريعات الدول الاخرى بهذا الصدد. لذا سنتناول الموضوع من وجهة نظر الفقه القانوني الدولي ثم موقف الدستور العراقي واخيرا موقف القانون العراقي من الاعتصام.
اولا. موقف الفقه القانوني من الاعتصام؟ ما الفرق بين الاعتصام ومايشابهها ؟
تجدر الاشارة بادىء ذي بدء الى ان الاعتصام مسألة حديثة نسبيا ويعود تاريخها الى منتصف القرن التاسع عشر، وتحديدا في عام 1849عندما نشر السياسي الامريكي هنري دافيد ثورو بحثا بعنوان( في واجب العصيان المدني) اعقاب رفض دفع الضريبة المخصصة لتمويل الحرب ضد المكسيك.ويعني مصصلح الاعتصام Disobedience))، وله تسميات عديدة مثل: العصيان المدني، ومقاومة الحكومة المدنية، رفض الخضوع او اطاعة او الانصياع لقانون او لائحة او تنظيم او سلطة تعد في عين من ينتقدونها ظالمة. انها وباختصار شديد ( التوقف عند الظلم ).وعموما، لايوجد تعريف موحد للعصيان المدني او الاعتصام في العالم حتى الان … ولكن المتعرف عليه انه رفض لقانون ظالم وبالتالي يقوم به الشعب مجتمعا، او ان تقوم به الاغلبية من الشعب، من خلال تطبيق القانون في اطار سلمي ، وايضا قد يتضمن العصيان المدني اضرابا عن العمل، ويتخلله كذلك مظاهرات، فيكون له تاثيره المدوي داخليا، ويرغم السلطة في النهاية على الاستجابة لطلب الشعب، ومن ثم وقف او تغيير القانون.الا ان اخرون يرون ان هذا التعريف لايفرق بين الاعتصام والاضراب، حيث ان الاخير هو توقف العمال عن العمل وغالبا مايتم ذلك في مواقع واوقات العمل وهو يؤدي بطبيعته الى توقف الانتاج، وهذا هو العنصر الاساسي في عملية الاضراب.اما الاعتصام فهو اجراء شبيه لكنه ليس مرتبطا بعنصر العمل ويمكن ان يقوم به مواطنون عاديون او مستخدمون او موظفون في القطاع العام وسمته الرئيسية انه غير مرتبط بالانتاج ولايؤثر عليه وغالبا مايقام في اماكن عامة ذات طابع خاص كأن يقام امام مبنى مجلس النواب او رئاسة الوزراء او امام الوزارات والمؤسسات العامة او الخاصة او الدولية. وعموما لايوجد اجماع حول تعريف العصيان المدني، ووفقا لما ذكره جون روالز، فانه يمكن تعريف العصيان المدني على انه عمل عام، سلمي، يتم بوعي كامل، ولكنه عمل سياسي يتعارض مع القانون ويطبق في اغلب الاحوال لاحداث تغيير في القانون او في سياسة الحكومة. في حين يذهب ج. هابرمس الى ان العصيان المدني ينطوي على اعمال غير قانونية، ونظرا لطابعها الجماعي، فهي توصف بانها عمل عام ورمزي في آن واحد وتتضمن كذلك مجموعة من المبادىء. ويتسم فعل العصيان بست خصائص هي:-
1. خرق واع ومتعمد للقانون، مثل حملة العصيان المدني التي اطلقها مارتن لوثر كينج في شغل السود للاماكن المخصصة قانونا للبيض.
2. عمل عام، ويترجم فعل العصيان بسلوك شعبي وهو مايميزه عن العصيان الاجرامي، حيث يزدهر الاخير في الخفاء.
3. حركة ذات رسالة جماعية، فهو الفعل الصادر عن مجموعة يعرفون انفسهم بالاقلية الفاعلة. لذا تشير هنا أرندت الى ان (العصيان المدني) بعيدا عن انطلاقته من فلسفة ذاتية لبعض الافراد غريبي الاطوار، الا انه ينتج عن تعاون مقصود بين اعضاء مجموعة تستمد قوتها على وجه التحديد من قدرتها على العمل المشترك.4. حركة سلمية، اي ان يلجأ الممارس للعصيان الى وسائل سلمية، فالعصيان المدني يخاطب الضمير الغافل للاغلبية،اكثر مما يدعو الى اعمال عنف ، وهذه احدى السمات التي تميزه عن الثورة التي من الممكن ان تدعو الى استخدام القوة لبلوغ غاياتها.
5. الهدف من العصيان، وغالبا ما يسعى العصيان الى ادراك غايات مستحدثة، كما يهدف الى الغاء او على الاقل تعديل القانون او القاعدة محل النزاع.
6. مبادىء عليا، حيث ينادي القائمون على العصيان المدني بمبادىء عليا تتفوق على الفعل موضع النزاع، وهذا ما يضفي عليها نوعا من الشرعية.
ويذهب جانب من الفقه الى عدم التفريق بين الاعتصام والتظاهر، حيث يرى الدكتور منذر الفضل في مقال له بعنوان (التظاهر والاعتصام والحقوق الدستورية) باعتبارهما من الحقوق الدستورية في التعبير عن الرأي. والواقع ان هناك فروقا عديدة بين التظاهر والاعتصام، مما يقتضي تفصيلا في الامر.من الناحية الفقهية القانونية، فان الكثير من الفقهاء ورجال القانون يفرقون بين التظاهر والاعتصام. وهذا ماذهب اليه الفقه المصري الذي اكتسب خبرة حديثة بعد حركة الاعتصامات التي شهدها الشارع المصري عامي 2011-2012. حيث يرى شادي طلعت انه اذا ما بحثنا عن معنى كلمة التظاهر لغويا واصطلاحيا، سنجد ان الكلمة لغويا مأخوذة من الظهير وتعني العون. والمتظاهر لغويا يعني المعاون، اما اصطلاحا فتهني كلمة مظاهرة: تجمع عدد من الاشخاص بطريقة سلمية في مكان أو طريق عام، بقصد التعبير عن رأي او احتجاج او المطالبة بتنفيذ مطاليب معينة ومحددة.ومن خلال المعنى السابق لغويا، يتبين ان السلمية ركن اساسي للمظاهرة، فان سقطت السلمية سقط الاسم والمعنى، ولن تكون مظاهرة، ويتحول الاسم تلقائيا من مظاهرة … الى اعمال عصابات مسلحة خرجت عن القانون. ومن مبادىء التظاهر:-1. الالتزام بالسلمية حتى ان وصل عنف النظام الى القتل.
2. ان لايصطدم ابناء الوطن مع بعضهم البعض، ايا كانت الاسباب، وايا كانت معتقداتهم أو افكارهم.
3. ان لايكره ابناء الوطن السلطة وان يبادروا كل من يكرههم بالحب.
4. ان لا تتسبب المظاهرات في اي اعمال تخريبية.
5. ان لايرفع المواطنين السلاح مطلقا اثناء المواجهات مع السلطة.
وهنا يكون القانون الوطني وحده هو المنوط به تنظيم حق التظاهر، كاحد حقوق الرأي والتعبير المتفق عليها.ويذهب الدكتور عادل عامر في مقاله (حق الاعتصام .. المسموح والممنوع)، الى :انه ينبغي التفريق بين التظاهرة السلمية والاعتصام المقيم. فالتظاهرة مسئوليتها تقع على المتظاهرين والامن المكلف بحمايتها وتامينها حتى تنهي فعاليتها، اما الاعتصام فالمسئولية الاكبر تقع على عاتق المعتصمين انفسهم بمنع اندساس اي عناصر مخربة بينهم.هذا في جانب المسؤولية فقط، الا ان هناك اختلافات اخرى كثيرة بينها، يمكن اجمالها بمايلي:-اولا. ان حق التظاهر مقرر في المواثيق الدولية ومنها الاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948، حيث نصت المادة 19 منه على: لكل شخص الحق في حرية الراي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الاراء دون اي تدخل، واستقاء الانباء والافكار وتلقيها واذاعتها باي وسيلة كانت دون تقييد بالحدود الجغرافية. وتاكد هذا الحق في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، حيث نصت المادة 19 منه على:1. لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة.
2. لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة اخرى يختارها.
في حين ان الاعتصام لم ينظم في القانون الدولي حتى الان، وانما تسري عليه النصوص الدولية المتعلقة بحق التجمع السلمي والمنصوص عليها في العهد المذكور وفي المادة 21 منه التي تنص على:يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به. ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم.
ثانيا. زمن المظاهرة محدد بساعات معينة او يوم معلوم، اما الاعتصام فيستغرق فترة من الوقت، وزمنه يعرف بدايته الا ان نهايته غير معلومة او محددة غالبا لحين تحقيق المطالب.
ثالثا. اسلوب المظاهرة يقوم على تواجد المتظاهرين في مكان معين والتوجه نحو نقطة معينة ورفع لافتات واطلاق هتافات او صيحات معينة بقد تنبيه الناس الى الى قضيتهم وحقوقهم، في حين ان الاعتصام هو المبيت والاقامة في الساحات او الشوارع العامة في خيم او سرادق مع ممارسة الحياة اليومية بشكل بسيط.
رابعا. شعارات المظاهرة عادة ماتكون طويلة ومتعددة بتعدد مطاليبها، في حين ان شعار الاعتصام يكون موجزا وبليغا ومعبرا عن تذمر اغلبية الشعب عن حالة عامة، مثل شعار الاعتصامات في مصر (الشعب يريد اسقاط النظام) وفي العراق (بأسم الدين باكونة الحرامية).
خامسا. طابع المظاهرة سلمي دوما، في حين ان الاعتصام مهما بدا سلميا الا انه يتضمن افعالا تتسم بالسلبية والامتناع التي تتتخذ احيانا طابعا عدوانيا مثل تعطيل المرافق العامة وقطع الطريق، وغلق منافذ الدخول والخروج، وشغل الساحات العامة بما يعيق المارة أو يؤخرهم. وهكذا فان الاعتصام في مظهره العام هو الامتناع وعدم اطاعة المسؤولين من قبل مجموعة كبيرة من المدنيين التي باتت مقتنعة بان الامور قد وصلت الى طريق مسدود لامجال فيه. ويمكن القول اجمالا، ان الاعتصام حالة وسطى بين التظاهر والثورة. فتقوم على اساس سلمية التظاهر وقد تتطور الى عنف ثوري. انها باختصار مرحلة سابق عل كسر العظم بين غالبية الشعب والسلطة. لذا ذهب بعض الفقهاء الى ان العصيان المدني هو: نشاط مقاومي لا احتجاجي يهدف الى الحفاظ على القيم السامية ، وترسيخ العدل والحرية.ان شرعية العصيان المدني تكمن في انه حق من حقوق الانسان لانه يعتبر ضمانا للحريات العامة لايخضع للسلطة القضائية، ضمانا يمارسه المواطنون انفسهم. وهو غير معترف به قانونيا بشكل صريح. الا ان التاكيد على هذا الحق يظل الى حد ما نظريا، ولايستخدم من قبل القضاة اثناء محاكمة أي شخص ارتكب فعل عصيان. وهو يقع بين مقاومة الظلم والتمرد. اذن فمسألة العصيان المدني ليست مؤكدة بشكل واضح. فالعصيان هو فعل غير شرعي من حيث المبدأ، ولكنه يحظى ببعض التسامح الاداري والرأفة القضائية. وبالتالي يمكن تحليل العصيان المدني على انه “ضجة سياسية”.ونظرا لحداثة مفهوم الاعتصام، فان الخلاف مازال سائدا بين وجهتي نظر السلطة التي ترى بان الاولوية لاستقرار النظام والحفاظ على الوضع القائم، وبين وجهة نظر المعتصمين في ان الاعتصام بمثابة استفتاء مستمر على سياسة الحكومة.ثانيا. موقف الدستور العراقي النافذ من الاعتصاملم يرد ذكر مصطلح الاعتصام او العصيان المدني في الدستور العراقي ولم يشر اليه في اي من مواده،وهذا يشكل قصورا ففي فهم واضع الدستور، في الوقت الذي اشار فيه الى حق التظاهر في المادة 38 منه بقوله:تكفل الدولة وبما لايخل بالنظام والاداب:
اولا: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.
ثانيا: حرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر.
ثالثا. حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون.
ويلاحظ على هذا النص ان الدستور قد اشار الى التظاهر فقط ولم يذكر الاعتصام، كما اشار الى حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل مما يفهم ضمنا انه يجيز الاعتصام، لانه احدى وسائل ذلك التعبير.والسوأل الذي يثار بهذا الصدد: هل يحق للشعب العراقي القيام باعتصام؟
نعم، فالنصوص الدستورية والقانونية لم تحرم ذلك أو تمنعه أو تجرمه أو تعاقب عليه لذا فهو مباح وفقا للمادة 160 من القانون المدني العراقي التي تنص على ان (المطلق يجري على اطلاقه اذا لم يقدم دليل التقييد نصا أو دلالة)، واعمالا للقاعدة الفقهية (الاصل في الاشياء الاباحة)، وما لم يمنعه القانون فهو مباح.ويثور تساؤل اخر وهو: هل يشترط للقيام بالاعتصام استحصال الموافقات الاصولية والقانونية من سلطة الترخيص المخولة بذلك؟كلا، فالنص الدستوري لم يشر الى تنظيم الاعتصام بقانون ليضع له احكاما وقواعد وشروط ينبغي القيام بها او توافرها لغرض القيام باعتصام ما. ومن الواضح ان النص الدستوري قد اشار الى تنظيم التظاهرات فقط بقانون، كما هو وارد في نص الفقرة ثالثا من المادة 38 من الدستور.
وتأكيدا لقولنا هذا، فان الدستور قد اقر في المادة 5 منه على ان (السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية). والملاحظ على النص المتقدم، ان المشرع قد حصر شرعية سلطة الشعب بالانتخابات فقط وبشكل واضح وصريح. ولزيادة التاكيد على الجانب السلمي في اي عملية تغيير سياسي في العراق قطعا للطريق امام اي تغيير للسلطة بالقوة، فنصت المادة 6 من الدستور على ان (يتم تداول السلطة سلميا، عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في هذا الدستور).وهذا النص يثير الاستغراب، فالسلطة في العراق قد انتقلت الى حكام اليوم بمساعدة القوات الامريكية في 9/4/2003، في الوقت الذي يطالبون فيه الشعب بالتداول السلمي للسلطة. وهل يمنع هذا النص الدستوري من تداول السلطة أو تغييرها بشكل غير سلمي؟
إن مصطلح (التداول السلمي للسلطة) هو مصطلح حديث نسبيا في عالم السياسة في العراق، ويعني التداول اصطلاحا(انتقال الشيء من يد الى اخرى) مثل تداول النقود، او تداول الاخبار، اي تناقلها الناس وتبادلوا الرأي فيها. ويقال تداول الرئيس اعضاء اللجنة: شاورهم قبل اتخاذ موقف أو قرار. وداول كذا بينهم، اي جعله متداولا تارة لهولاء وتارة لهولاء. وداول الله الايام بين الناس: ادارها وصرفها، كما في الآية الكريمة ( وتلك الايام نداولها بين الناس) 140 آل عمران.ومما يثير الدهشة في هذه العبارة، ان هناك نصا قرآنيا اخر يحرم ان يكون التداول محصورا بفئة معين، كما في قوله (كي لايكون مداولة بين الاغنياء)، أي حتى لايكون المال ملكا متداولا بين الاغنياء وحدهم، ويحرم منه الفقراء والمساكين. فكيف يتفق تصرف حكام اليوم في العراق مع هذا النص القرآني وهم قد اقاموا نظام محاصصة مقيتة وطائفية منبوذة حصرت السلطة فيما بينهم؟من البديهي ان التداول يعني الانتقال بسلاسة وسهولة وبشكل سلمي. أما التغيير فعو جعل الشيء على غير ماكان عليه، اي بدل به غيره او تحويله وتبديله. واذا كان النص الدستوري السابق قد اشار الى التداول السلمي للسلطة وعبر الوسائل الديمقراطية، فان وسائل تغيير السلطة بالقوة او العنف لها احكام اخرى مختلفة تماما، حيث يستمد الانقلاب او الثورة شرعيتهما من ذاتهما ومن قبول الشعب لهما.والاغرب من كل ذلك، ان نجد ان الحكم في العراق ومنذ عام 2003 قد ضهد تداول ثلاث حكومات، ولم يجري تداول السلطة في اي منها عبر الوسائل الديمقراطية، فحكومة ابراهيم الجعفري قد عزلت عام 2006 وانتقلت الى خلفه نوري المالكي بارادة اميركية وطلب كردي- سني. واياد علاوي لم يشكل الحكومة في عام 2010 على الرغم من فوزه بالانتخابات وتداولها المالكي ثانية بعد اتفاق اربيل مع الاكراد والقوى السنية. وانتقلت السلطة الى حيدر العبادي على الرغم من فوز نوري المالكي عام 2014 بارادة امريكية وطلب كردي- سني ايضا. وهذا مايثير تساؤلا كبيرا عن مدى صدق ونزاهة الانتخابات وتداول السلطة سلميا وديمقراطيا في العراق. ومن الناحية القانونية، فان الاعتصام يتعارض مع التداول السلمي للسلطة لانه يتضمن التغيير بالقوة وان لم يصل الى درجة استخدامها، كما حصل في مصر عام 2013 عندما قرر الجيش تغيير السلطة ونقلها اليه باسلوب مثير للجدل.وتاسيسا على ذلك، فان الشعب العراقي وباعتباره مصدر للسلطات جميعها وفقا للمبدأ الدستوري المستقر والمنصوص عليه في الدستور العراقي النافذ والذي اشار الى ان الشعب (يمارسها) والضمير المستتر هنا ينصرف الى الشعب، كما ان صيغة التانيث فيها تنصرف الى السلطة وليس الى المصدر، اي ان الشعب يمارس السلطة بالاقتراع (الانتخابات) فقط، في حين ان ذلك يتعارض مع عبارة (وشرعيتها)، فاذا كان الشعب مصدر السلطات وشرعيتها فمن حقه ان يقرر شكل ممارستها وان يمارسها باي وسيلة يراها مناسبة، وليس بالانتخاب فقط، وفقا لما تقتضيه الاحوال. فلو جرى تسليمها بالانتخاب فبها، وان لم تجري سلميا فنكون امام تغيير غير سلمي، ويحدث ذلك في حالتين هما الثورة او الانقلاب.
ثالثا. موقف القانون العراقي من الاعتصامتاريخيا، لم يشهد العراق اعتصاما قبل عام 2013، إثر اقالة وزير المالية رافع العيساوي والدعوة لمحاكمته. فشهدت المناطق ذات الاغلبية السنية موجة من الاحتجاجات الشعبية قادت الى ظور ماسمي ب (ساحات الاعتصام) في كل من الرمادي-الانبار، والحويجة-كركوك، ومناطق اخرى.لذا فمن الطبيعي ان لايعالج المشرع هذه الحالة الى فترة قريبة، الا انه مما يؤخذ على المشرع العراقي اهماله معالجة هذه الحالة بعد عام 2013، وهذا يشكل ثغرة قانونية في التشريع العراقي، في حين انتبه المشرع المصري الى تلك الحالة اثناء اعداده قانون التظاهر المصري الصادر اواخر عام 2013، حيث ورد مصطلح الاعتصام في المادة السابعة منه بقوله:يحظر في ممارسة الحق في الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة أو المبيت بأماكنها – أو الاخلاء بالامن أو النظام العام أو تعطيل الانتاج أو تعطيل مصالح المواطنين أو ايذاءهم أو تعريضهم للخطر أو الحيلولة دون ممارستهم لحقوقهم واعمالهم أو التأثير على سير العدالة أو المرافق العامة أو قطع الطرق أو المواصلات أو النقل البري أو المائي أو الجوي أو تعطيل حركة المرور أو الاعتداء على الارواح والممتلكات العامة والخاصة أو تعريضها للخطر.وقد اعد مجلس النواب العراقي مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي عام 2010 الا انه لم يجر اقراره حتى الان. وقد نصت المادة 2 منه الى انه: يهدف الى ضمان وتنظيم حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، وحرية الاجتماع والتظاهر السلمي وحق المعرفة بما لايخل بالنظام العام أو الاداب وتحديد الجهات المسؤولة عن تنظيمها.والملاحظ على هذا النص انه لم يشر الى الاعتصام او العصيان المدني كاحدى وسائل حرية التعبير عن الرأي والتجمع السلمي.وقد حدد المشروع وقت التظاهر، حيث نصت المادة 10/ثانيا منه بقوله: لايجوز تنظيم التظاهرات قبل الساعة السابعة صباحا أو بعد الساعة العاشرة ليلا.وواضح من النص المتقددم ان المشرع لم يدر بخلده مسألة الاعتصام المفتوح والذي لايحدد بوقت كالتظاهرات.وهنا يثور التساؤل، فيما اذا يتطلب القيام بالاعتصام استحصال موافقة السلطة المختصة؟ان عدم وجود نص ينظم الاعتصام بشكل واضح ودقيق فانه لايتطلب القيام به اخذ موافقة السلطة أو الادارة واستحصال اي موافقات اصولية، كما ذهب بيان مجل الوزراء المشار اليه سلفا. وحتى في حالة ممارسة حق التجمع والتظاهر فأن الامر لايحتاج الى موافقة الجهات الامنية أو الادارية كما نص القانون، وانما يحتاج الى اشعار بموعد ومكان التجمع فقط.واخيرا، يفترض التعامل سلميا منقبل الحكومة مع التظاهرات السلمية لا بالتهديد أو الوعيد كما صرح رئيس الوزراء العراقي السابق بقوله: على المحتجين ان يتوقفوا ، أو ان التظاهرات سيتم ايقافها بالقوة.
لوس انجلس في 17/3/2016
المصادر:-1. دستور العراق لعام 2005.
2. القانون المدني العراقي .
3. معجم المعاني الجامع – عربي عربي
4. د. منذر الفضل، التظاهر والاعتصام والحقوق الدستورية. موقع دويتشه فيلله الالماني.
5. د. عادل عامر، حق الاعتصام .. المسموح والممنوع. موقع صوت البلد.
6. د. فائزة باباخان، حق التظاهر السلمي. موقع المواطن نيوز.
7. شادي طلعت، معنى التظاهر واركانه. موقع اهل القرآن.
8. العصيان المدني. موقع ويكيبيديا الموسوعة الحرة.
9. Henry David Thoreau, On the Duty of Civil Disobedience, 1849.