17 نوفمبر، 2024 8:44 م
Search
Close this search box.

الاعتصامات وحديث المآلات

الاعتصامات وحديث المآلات

من أهم ما حققته الحكومة في هجومها الهمجي على معتصمي الحويجة, ضمن اهداف متعددة, استنفاذ صبرهم وصبر غيرهم من معتصمي المحافظات الثائرة, فكانت جمعة حرق المطالب (وما كان المطلوب حرقها بل تجذيرها وترسيخها) وطرحت اللجان الشعبية المنظمة للاعتصامات خيارات عدة امام المعتصمين كبديل عن الاعتصام (الذي لم يحقق اهدافه المباشرة كي نستعجل الاجهاز عليه). هذه الخيارات (والتي تمثل سيناريوهات حلول بديلة للاعتصامات ولها نهايات محددة اسماها البعض مآلات باستعمال حصيف للغة العرب) وقبل نقاش كل خيار مطروح نود ان ننوه ان حصر الخيارات يعد أمراً غير منطقي بمثل حالة الاعتصامات الحالية وقد يعني عقم الافكار عن توليد حلول اخرى غير ما ذكر والامر لازال يحتمل خيارات بديلة اخرى والخيارات المطروحة هي:

١. بقاء الاعتصامات والاحتجاجات والاضرابات والتظاهرات واستمرار الضغط السلمي على الحكومة لحين استجابتها لتلك المطاليب او التفاوض المباشر مع المتظاهرين عبر اجهزة الدولة المختلفة لوضع اليات تنفيذ المطالب والحقوق وعلى رأسها تحقيق التوازن في المؤسسات الامنية

هذا الخيار يحتاج الى بعد نظر للصبر على تحقيقه فحالما توافق الحكومة عليه (وان كنت متشائما بهذا الخصوص فقط) فنبدأ بتشكيل لجان تشرف على تحقيق التوازن في المؤسسات الامنية المختلفة وسيفاجأ الجميع بوجود ضباط من الشيعة يرغبون بالتخلص من السيطرة الايرانية على انفاس المؤسسات الامنية وهؤلاء الوطنيين يحتاجون لإسناد من عناصر تؤمن بالفكرة العراقية المستقلة عن ايران والتي يمثلها ضباط شرفاء من السنة مع اعتماد على  الاليات الاخرى الخاصة بتطوير المهنية في الاداء الامني من حيث رفع معايير الشفافية والالتزام الشديد بالقوانين الضبطية وقوانين حقوق الانسان  في السجون وغيرها من الاليات المذكورة في مقالات كتاب اخرين.

2. بقاء الحال على ما هو عليه من غير تغيير واستمرار الاعتصامات من غير استجابة من الحكومة او تراجع من المعتصمين

هذا الخيار يلغي المقصود الاساس من الاعتصامات وهو تلبية مطالب المتظاهرين ولكنه يحقق فوائد اخرى اكتسبها المعتصمون منذ اليوم الاول لاعتصاماتهم حيث اظهروا وحدة الموقف السُني وبدأت تشكل قيادات سياسية موحدة ومرجعيات إسلامية واحدة للمعتصمين واثبتوا عدالة قضيتهم واسمعوا صوتهم من به صمم وانحسر غبار السياسة العراقية عن عزل يريدون حقوقهم وجناة يريدون غصبها بلا رتوش او “شاهبندر”. ولكن هذا الخيار هو عض اصابع مستمر ويحتاج جلدا وصبرا ومصابرة ومرابطة.

3. الصدام المسلح مع القوات الحكومية

هذا الخيار يضيع سلاح السلمية الذي لا يمتلكه الظلمة ويجعلنا نستخدم سلاحهم ذاته ويفتح الباب لدوامة العنف ان تضرب البلد من جديد مما لا يريده أي عاقل يريد بالبلد واهله سلما مجتمعيا وتعايشا حقيقيا وهذا الخيار لا يمكنه الا ان يكون خياراً دفاعياً بحدود جغرافية محدودة ولمدة زمنية محددة وهو بالنتيجة غير حاسم ويبقى واجبه الوحيد حلحلة الموقف وادخال ضاغطة جديدة لتحريك ميزان القوى واحداث هزة سياسية يمكن ان تساهم في ايجاد حل سياسي حقيقي للازمة ولا يمكن ان يكون سلاح حسم في ظل المعطيات الحالية وهو بكل تأكيد سلاح مكلف لكل الاطراف.

4. اعلان الاقليم السني

هذا الخيار هو نتاج الضغط المستمر على السنة ومن يعلم طبيعة المعارضة السنية, عند سقوط النظام, لهذه الفكرة, فسيدرك حجم الضغط الاجرامي الذي تعرض له السنة بحيث اصبح اول من دافع عن وحدة العراق هو اخر من يفكر بوحدته اليوم (مع البيان بان السنة منقسمون على قبول هذا الخيار اشد الانقسام ولم يزل من بينهم (من غير معرفة حقيقية لنسبة هؤلاء الناس) من يرفضه اشد الرفض). وللإقليم محاسنه لا شك في ذلك فمن ادارة الملف الامني الى تنمية الاقتصاد وغيرها من الايجابيات ولكن اي محاسن تجنى على حساب اي خسائر؟ المشككون بنجاعة هذا الخيار يرون فيه مخاطرة تضر أهل الاقليم (حيث يعني مجاورة ايران المركزية القوية التوسعية التي تطمح لاحتواء العراق والخليج تحت مظلتها المدعمة بميليشياتها واجهزتها واموالها القادرة على محاصرة الاقليم وخلق المشاكل فيه) وهذا الخيار يعني اننا تخلصنا من خطر داهم فرارا الى خطر دائم, كما ان دعم دول الخليج للإقليم وهي المحكومة بالصراعات بين ايران واسرائيل وامريكا لا يجعلها تخطو خطوات جبارة في دعم الاقليم وتنميته, هذا في حال اقتناعها به اصلا, بل ان الواضح والمعلن لسياسة اغلب الدول العربية (عدا الكويت) يجدها لا تحبذ وجود دولة عربية ضعيفة الى جوار إيران وهي ترغب بإعادة العراق الى حاضنته العربية في مواجهة ايران الموحدة القوية. وهذا الخيار في كل الاحوال يحتاج الى تنضيج داخل الصف السني في العراق بشكل عام وفي المحافظات المعتصمة ايضاً والى مدارسة للأوضاع الإقليمية المحيطة وهذا يحتاج الى وقت وجهد إضافي لا مناص من بذله للوصول الى حكم علمي واقعي عليه.

ويبقى خيار انضاج وتطوير ” السلمية ” هو الخيار الاكثر مرونة والذي يساهم اما في ترشيد الصراع السياسي وفرض الحل العلمي والصحيح على الاطراف السياسية التي تشكل المشهد الحالي ومنها بعض الاطراف المتعاطفة مع المتظاهرين ويمكن تشكيل موقف موحد معها او على الاقل تنضيج الاوضاع السياسية المحيطة للقبول بخيارات آخرى.

أحدث المقالات