في معرض انتقادي لقانون اجتثاث البعث طالبت حزب البعث بالاعتذار للشعب العراقي عن سلوكيات نظام الحكم البعثي تجاه المواطنين . حتى يمكن اعادة الاعتبار ليس للبعثيين وانما لفكر البعث المستند على الانتماء القومي العربي . والذي جاءت فكرة الاجتثاث لهذا الفكر اكثر مما هو لاجتثاث حزب سياسي
وفي اغلب مناسبات ذكرى ثورة او انقلاب 14تموز عام 1958 تكثر المطالبات للحزب الشيوعي العراقي لتقديم الاعتذار للشعب العراقي عن ممارسة الشيوعيين خلال حكم الزعيم عبد الكريم قاسم وخصوصا عام 1959 وما حصل فيها من العنف والعنف المضاد من قبل الشيوعيين والقوميين ، حيث تسبب الحزب الشيوعي بمجازر كركوك والموصل وغيرها من المدن العراقية
وقد سألت احد اعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في وقت لاحق عن اسباب ذلك فاجابني انه خطأ قيادة الحزب فبدلا من توجيه الشعب الى تنفيذ سياسة الحزب خضع الحزب لضغوط الجهلة من الشعب فانساق وراء اخطاءهم مما تسبب ذلك في تحميل الحزب الشيوعي للمارسات غير المشروعة وغير العادلة التي حدثت من قبل كثير من الغوغاء
وبالرغم من مرور سنوات طويلة على تلك الاحداث لم نسمع من الحزب الشوعي اي اعتذار للشعب العراقي عن تلك الممارسات
ان مشكلة الاعتذار لاتتعلق بالتنظيمات الحزبية فقط بل بالافراد ايضا فنحن العرب والمسلمين نستنكف عن الاعتذار ، لعدم اعترافنا بالخطأ اولا ولاننا نعتبر الاعتذار ضعف ومهانة . في حين ان الاعتذار عند الغربيين يمثل قيمة حضارية عليا يتعلمها الفرد منذ نعومة اظفاره . وغالبا ماتسمع كلمة (سوري) من قبل الافراد في الغرب على اقل خطأ حتى في الشارع او السوق
ان الاعتراف بالخطأ واجب انساني يحتاج الى شجاعة وثقة بالنفس لانمتلكها نحن في البلدان العربية والاسلامية ، كما ان الاعتراف بالخطأ يعودنا على تصحيح مساراتنا وعدم تكرار الاخطاء
ان الممارسات الخاطئة في السياسة وادارة الدولة العراقية منذ انقلاب تموز 1958والى يومنا الحاضر وعدم الاعتراف بالاخطاء ، ناهيك عن الاعتذار عنها ، قد عزز روح الانتقام تجاهها . ونتيجة لذلك ظلت الممارسات العنيفة من الفعل ورد الفعل سارية في المجتمع العراقي وكذلك في المجتمعات العربية . حيث مازالت العداوة والبغضاء تسكن في قلوب كثير من الناس لعدم تقديم الاعتذار الى الضحايا او من تسببنا بالاذى لهم
ومن هذا القبيل فان ممارسات حزب الدعوة الظالمة تجاه الشعب العراقي خلال اكثر من اربعة عشر عاما لاتختلف عن الممارسات السياسية الظالمة السابقة بل هي تفوق في طغيانها وفسادها عن كل الانظمة السابقة على اختلاف مشاربها مما يوجب عليه الاعتذار للشعب العراقي . وكذلك كل الاحزاب والتكتلات التي ساهمت في ايذاء الشعب وطوائفه واثنياته سواء عن طريق العنف المباشر او عن طريق تجاهله وعدم تقديم الخدمات اللازمة له ، اضافة الى التسبب في الفساد المستشري في كل مرافق الدولة . . ان حرق مقرات احزاب السلطة الفاسدة في البصرة ومدن اخرى في الجنوب خلال الانتفاضة الاخيرة يؤيد ماذهبنا اليه من ايغال هذه الاحزاب بالتعسف والاستبداد تجاه كل مواطني الشعب العراقي ، وان عدم الاعتراف بالخطأ ناتج عن انانية الاحزاب الحاكمة التي تعتبر نفسها على صواب دائما وانها لاتخطئ وهذه هي منتهى السادية في الحكم الاستبدادي على الرغم من ادعائها بالديموقراطية الخادعة . ولذلك فاننا نرى في مثل هذا الحكم انعدام العدالة وغياب المسائلة السياسية . وهذا ماينطبق على سلوك كل الاحزاب والتكلات الحاكمة في العراق بلا استثناء
ان ثقافة الاعتذارترسخ الشفافية وتدعم الاسس الديموقراطية الحقيقية . . هذه الاسس التي تعتبر الشعب مصدر السلطات وليس الحاكم وازلامه الذي جاء بالصدفة الى موقع المسؤولي حتى ولو بصناديق اقتراع مزورة كالذي يحدث عندنا عادة ولذلك فان المسؤول لايخشى الشعب وبالتالي لايعتذر منه
ان الاعتذار السياسي يعد من وسائل حسن النية والتواصل مع الجماهير بكل
شفافية وبعيدا عن الانانية ، بل يمثل منتهى الخلق الرفيع مما يسهل لغة الحوار بعيدا عن التعالي المزيف باعتباره شخصا بعيدا عن الخطأ ويحمل صفة الوجاهة ، وتبرير الاخطاء بدل تصحيحها ومعالجتها باسلوب علمي رصين بعيد عن الانانية الحزبية او الفردية
ان تقديم مشاريع المصالحة والعدالة الانتقالية لايمكن ان تستقيم من دون تبني ثقافة الاعتذار المستندة على الضمير الحي وطلب الصواب في ادارة الحكم بما يحقق الوحدة الوطنية الحقيقية وليس كشعارات رنانة لاستغفال الجماهير
كما ان الاعتذارالسياسي يعتبر مظهرا من مظاهر الديموقراطية ويؤدي الى تعزيز السلم الاهلي والسلام العالمي . ويحقق تسوية المنازعات ويدعو الى روح التسامح والتعايش بين الجماعات ذات المصالح المشتركة عن طريق تحمل المسؤولية بشجاعة وتقبل النقد . اذ هو في الوقت الذي يعبر عن اسفه لما حدث فهو يقدم الشكر للطرف المقابل . ويدعو لاعتقاد الطرف المتضرر بان من ارتكب الذنب قد شعر بتانيب الضمير ويرغب في فتح صفحة جديدة من التعايش السلمي في المجتمع ، وذلك عن طريق الاستقالة وترك العمل السياسي وفسح المجال لاشخاص اخرين لمواصلة العمل وتصحيح الاخطاء ، لا الاعتذار الشكلي للتشبث بالسلطة وجعل الشعب حقل تجارب فاشلة لانهاية لها . . ان الاعتذار الصادق والتنحي عن المسؤولية هو الاعتذار الحضاري النابع من الحرص على مصلحة الشعب وبه فقط تتوقف دائرة العنف بمرور الايام بعد التاكد من حسن النية وان الاسف والاعتذار هو حقيقي وبدافع فتح صفحة جديدة من الوئام والتآلف . وليس كاسقاط فرض او مدفوعا بدوافع انتهازية
وبهذا الصدد فان اعتراف هادي العامري مؤخرا بفشله وفشل كل الطاقم السياسي الذي حكم العراق منذ الاحتلال الامريكي الى يومنا الحاضر ، بسبب تنازعهم على السلطة والثروة . لايمكن ان يؤخذ محمل الجد الا اذا تنحى عن كل مسؤولياته واناطها الى اشخاص اخرين مخلصين للشعب والوطن ، قادرين على ادارة دفة الحكم بمسؤولية وعدالة بعيدا عن الانانية والجشع والارتباط بالاجنبي وتفضيل المصالح الخارجية على حساب مصلحة البلد . وقبل العامري اعترف نوري المالكي بفشله وفشل كل القائمين على السلطة في العراق . ورغم ذلك بقي يمارس السياسة من موقع حزب الدعوة ونائب رئيس الجمهورية الذي استقتل هو وغريمه اسامة النجيفي للبقاء في السلطة تحت اي ظرف او اي مسمى . كما اعترف مشعان الجبوري بفساده وفساد كل المتصدين للعملية السياسية ، ورغم ذلك فانه لم يسلم نفسه للقضاء ، لو كان اعتذاره حقيقي وصحوة ضميره صادقة
ان الاحزاب الحاكمة في العراق والتي جاءت مع الاحتلال الامريكي . رغم انها لم تقدم اية خدمات الى المواطنين واشاعت الفساد في كل مرافق الدولة فانها مازالت ترتكب نفس الاخطاء القاتلة بحق الشعب العراقي ويتوجب عليها اكثر من اي وقت مضى تقديم الاعتذار الى الشعب وتسليم الحكم الى شخصيات مؤهلة علميا واداريا . مع تقديم من ارتكب جرائم بحق الشعب الى العدالة . . واذا كانت الانتفاضات المتعددة والتي كان اخرها في المناطق الجنوبية لم تزيحهم عن السلطة . فان ثورة الجماهير الغاضبة ستلقنهم درسا لن ينسوه ابدا . وتبقى ثقافة الاعتذار من الشعب معطلة الى ان تصحح المسيرة الديموقراطية على ايدي قادة متمدنين كفوئين قادرين على تحقيقها وفق صيغتها المدنية المتحضرة.