22 نوفمبر، 2024 6:27 م
Search
Close this search box.

الاعتدال والوسطية من القرآن الكريم والسنة الشريفة

الاعتدال والوسطية من القرآن الكريم والسنة الشريفة

في ظل التداعيات الحالية وما يشهده العالم العربي والإسلامي وغير ذلك من بلدان حيث تشهد ساحة تطرف كبيرة عملت عليها أجندات عالمية غايتها نشر حالة الفوضى والهيمنة علىالشعوب التي تعاني من حروب تكفيرية ترفع فيها شعارات دينية أو قومية غايتها القتل والتدمير والنهب معتمدة على نصوص خرافية وغير واقعية وضعتها شخصيات عرفت بالتطرف، لكننا إذا رجعنا إلى الدين المحمدي الأصيل والقرآن الكريم نشهد الحث الكبير على قضية الاعتدال والوسطية ونشر ثقافة الود والاحترام والتعايش السلمي بين أبناء بني البشر بشكل عام وبين المسلمين بشكل أخص، وإنّ أي تكفير وتطرف وتفسيق وتدمير هو من صنع الماكنة الإعلامية التي يستخدمها الإنسان لقتل أخيه الإنسان على أبسط الأمور وأتفهها لتحقيق مآرب دنيوية ومصالح شخصية وحزبية ولكي نسلط الأضواء على أهمية الوسطية والاعتدال نطرح عددا من الآيات القرآنية التي أشارت إلى ذلك. الكلام في محورين هما.المحور الأول: في القرآن الكريم
قال تعالى: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) (1)
وقد ورد في تفسير هذه الآية الكريمة (الظاهر إنّ المراد كما سنحول القبلة لكم لنهديكم إلى صراط مستقيم كذلك جعلناكم أمة وسطا (هو كما ترى)، وأما المراد بكونهم أمة ذات طابع وسطي شهداء على الناس فالوسط هو المتخلل بين الطرفين لا إلى هذا الطرف ولا إلى ذاك الطرف، وهذه الأمة بالنسبة إلى الناس – وهم أهل الكتاب والمشركون– على هذا الوصف فإن بعضهم – وهم المشركون والوثنيون- إلى تقوية جانب الجسم محضا لا يريدون إلا الحياة الدنيا والاستكمال بملاذها وخارفها وزينتها، لا يرجون بعثًا ولا نشورًا، ولا يعبؤون بشيء من الفضائل المعنوية والروحية، وبعضهم كالنصارى إلى تقوية جانب الروح لا يدعون إلا إلى الرهبانية ورفض الكمالات الجسمية التي أظهرها الله تعالى في مظاهر هذه النشأة المادية لتكون ذريعة كاملة إلى نيل ما خلق لأجله الإنسان، فهؤلاء أصحاب الروح أبطلوا النتيجة بإبطال سببها وأولئك أصحاب الجسم أبطلوا النتيجة بالوقوف على سببها والجمود عليها، لكن الله سبحانه جعل هذه الأمة وسطا بأن جعل لهم دينًا يهدي منتحليه إلى سواء الطريق وسط الطرفين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء بل يقوي كلًا من الجانبين – جانب الجسم وجانب الروح – على ما يليق به ويندب إلى جمع الفضيلتين فإن الإنسان مجموع الروح والجسم لا روحًا ولا جسمًا محضًا)(2)
أحب أيضًا أشير إلى الآية التي تتحدث عن خلق الله تعالى لبني البشر وجزء من هذه الغاية هو التعارف والتواد والمحبة والسلام لكي تكون الحياة الدنيوية ذات طابع مميز وجميل، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير)ٌ(3)
فالله عز وجل جعل المقياس الرئيس للتمييز بين الناس هو التقوى ولم يجعل المنصب والزعامة الحزبية أو القبلية أو الدينية هي المقياس!.
المحور الثاني: في السنة المطهرة
ما يخص السنة الشريفة فقد حثت الروايات الواردة عن الرسول الكريم وأهل بيت النبوة –عليهم الصلاة والسلام– على عدم تكفير المسلم خصوصًا حين ينطق الشهادة فتعتبر حينها حصنا للإنسان كما ورد في الحديث أدناه:
فعن أمير المؤمنين عن رسول الله قال أخبرني جبرئيل الروح الأمين عن الله تقدست أسماؤه وجل وجهه: (إني أنا الله لا إله إلا أنا وحدي، عبادي فاعبدوني وليعلم من لقيني منكم بشهادة أنّ لا إله إلا الله مخلصًا بها أنه قد دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي، قالوا يا بن رسول الله وما إخلاص الشهادة لله قال: طاعة الله وطاعة رسول الله وولاية أهل بيته)(4).
ولعل من أبرز أسباب التكفير والتطرف هو الغلو في الدين الذي يمثل جانب الإفراط في تقديس الأشخاص وهو مما لا يجوز في الشرعية الإسلامية فقد روي ابن عبّاس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه واله وسلم-: (يا أيها الناسن إيَّاكم والغلوّ في الدّين، فإنَّما أهلكَ من كان قبلكم الغلوُّ في الدّين) (5)
ولإتمام الفائدة لما تقدم نذكر هنا قصة الإمام علي –عليه السلام– مع النصراني المكفوف حيث كان- سلام الله عليه– يمشي في شوارع الكوفة فمر بشخص يتكفف وهو شيخ كبير السن، فوقف –عليه السلام– متعجبًا وقال: ما هذا؟ ولم يقل: من هذا، و(ما) لما لا يعقل، و(من) لمن يعقل، أي انه رأى شيئًا عجيبًا يستحق أنْ يتعجب منه، فقال: أي شيء هذا؟ قالوا: يا أمير المؤمنين إنه نصراني قد كبر وعجز ويتكفّف!!!فقال الإمام –عليه السلام– ما أنصفتموه!!! استعملتموه حتى إذا كبر وعجز تركتموه، اجروا له من بيت المال راتبًا(6) لاحظ قضية الإنصاف والمساواة التي أمر به خليفة رسول الله وحامل لوائه.
ونعلم مما تقدم فأني أجزم أنّ كل ما يجري على المسلمين هو بسبب التعصب الأعمى الذي ليس له أصل إلّا في عقول المنتفعين والظلمة وممن يريد الاستحواذ على بلاد المسلمين بأي حال من الأحوال دون الرجوع الى سند شرعي، فأغلب ما موجود في نصوص الكتب يحتاج الى التدقيق والتحقيق لأنه ليس من المعقول أنّ الأحاديث والروايات التي عددها بالألوف تكون صحية خصوصًا ما يتعلق بجانب التوحيد والعقيدة والذي يفسره البعض على مزاجه ووفق هواه، وكم يكون الأمر أقل خطورة إذا كان يقتصر على النصوص في بطون الكتب، لكن الأمر تخطى ذلك فقط استخدم مارقة الفكر في هذا الزمن وفي أزمنة سابقة ماكنة القتل وقطع الروؤس لمجرد اختلاف الرأي والفكر كما يمارسه الدواعش في زمننا الحاضر.
المصادر
………………………………………
1- سورة البقرة الآية: (143)
2- تفسير الميزان، السيد الطباطبائي، ج1 ص ٣١٩
3- سورة الحجرات الآية: (13)
4- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج ٢٧ ص١٣٤
5- ‏أخرجه ابن ماجة، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
6- وسائل الشيعة: ج11 ص49 باب19 ح1.

أحدث المقالات