22 ديسمبر، 2024 7:32 م

الاطماع التركية في العراق وسوريا

الاطماع التركية في العراق وسوريا

عززت تركيا وجودها في شمال العراق، وعلى وجه التحديد في محافظة دهوك، وتواصل تعزيز وجودها العسكري والسياسي في المنطقة التي احتلتها منذ سنوات، وعلى مرأى ومسمع الحكومة في بغداد، وحكومة اقليم كردستان، من دون ان تقوم الحكومتان، باي عمل جدي، لا خراج قوات الاحتلال التركي، او على الأقل العمل على تجيش الرأي العام الاقليمي والمحلي والدولي، لفضح هذا الاحتلال، بل ان العكس هو الصحيح؛ فان الحكومتين لم تحركا ساكنا، الا البعض من الاحتجاجات والتي هي في الاول والأخير لا قيمة لها. وفي تزامن؛ قامت تركيا بحجة مكافحة الارهاب باحتلال شمال وشمال شرق سوريا، على مرأى ومسمع من الاتحاد الروسي الذي تربطه علاقة تحالف مع النظام السوري، وايضا على مرأى ومسمع من امريكا التي لها قوات في التنف، وفي دير الزور، في حقول النفط والغاز التي تسيطر عليهما من خلال قوات قسد الكردية. نعتقد ان تركيا ربما، وباحتمال كبير جدا، ليس في تفكيرها وفي وارد سياستها؛ الانسحاب من محافظة دهوك، من المناطق التي احتلتها منذ سنوات؛ جميع المؤشرات على ارض الواقع، تُبَين بما لا لبس فيه ولا غموض؛ ان هذا الاحتمال له حظ كبير في الوجود، وبالذات حين تعمل الظروف لصالح هذا الاحتمال، وبالفعل حتى اللحظة ان هذه الظروف في الداخل العراقي، وفي التحولات الاقليمية، وفي المتغير الدولي، تسير وتترسخ وتتجذر لصالح هذا الاحتمال. أما في شمال وشمال شرق سوريا؛ فأن الصورة اوضح بكثير، لجهة ترسيخ الاحتلال التركي للأراضي السورية. تركيا في ادلب، وفي المناطق الاخرى؛ تقوم وهي قامت منذ فترة ليست بالقليلة؛ بتغيير هوية الاحوال المدنية في ادلب بالهوية التركية، كما انها على مرأي ومسمع من القوات الروسية المتحالفة مع النظام السوري، بجعل اللغة، لغة التعامل في الدراسة وفي المعاملات، وفي اقامة الجامعات التركية في ادلب، كلية الطب مثلا، معاهد وكليات اخرى عديدة، وفي كل ما له صلة بسياسة التتريك هذه. ومن المهم الاشارة هنا الى ان اغلب هذه الاجراءات التي قامت بها تركيا، تاليا عملت على ترسيخها في ارض الواقع، في الفترة التي تلت الاتفاق التركي الروسي على التهدئة ووقف العمليات القتالية. السؤال المهم هنا وهو سؤال له خطورة كبيرة على وحدة اراضي كل من العراق وسوريا، هل هناك ما هو مخفي تحت حركة الاحداث في البلدين، من اتفاقات غير مرئية اي انها تحت الطاولة او انها مخفية هناك في الغرف المغلقة، ولا يعلم بها او لا تريد تلك القوى الدولية والاقليمية ان لا يعلم بها الشعب في الدولتين. نقول ان هذا الاحتمال وارد ولا يمكن لنا استبعاده، بل ان العكس وبحكم حركة الاحداث والتي اتينا عليها في السطور السابقة. مما يعزز هذا الشك ان كلا من روسيا وامريكا، المسؤولون في الدولتين العظميين، لم يدينا هذه الاجراءات التركية، سوى ادانة لفظية وليست اجرائيه، بل ان الدولتين لجهة الاجرائية؛ تتعاونان مع القوات التركية بصورة او بأخرى، كل واحدة منهما بحسب ظرفها وطبيعة حاجتها لهذا التعاون، تحت لافتة محاربة الارهاب، اي داعش واخواتها، وهي حجة مبرمجة ربما لهذا الغرض. ان جميع ما تقوم به تركيا على الارض في الدولتين، سوريا والعراق؛ تؤكد حين تكون الظروف ملائمة وهي اي هذه الظروف ربما تكون اكثر ملائمة في المقبل من الزمن وهو زمن قليل، بضم اراضي الدولتين الى جغرافية التركية. وهذا الامر ليس بعيد الاحتمال ابدا، بل ربما هو؛ الاكثر احتمالا. قبل اكثر من سنة من الآن، قال الرئيس التركي، اردوغان في معرض حديثه عن معاهدة لوزان؛ ان هذه المعاهدة سوف تنتهي في عام 2023 واضاف موضحا يجب ان يعود كل شيء الى سابق عهده اي ان ما كان يقصده في التصريح الواضح؛ ان ولاية الموصول سوف تعود الى السيادة التركية والتي تشمل الموصل ودهوك وجزء من اربيل، بالإضافة الى شمال وشرق سوريا. وهو في هذا التصريح كان يشير الى ما تضمنته اتفاقية او معاهدة لوزان، تلك المناطق سابقة الاشارة لها الى العراق وسوريا بالاتفاق مع بريطانيا وفرنسا مع تركيا، في البنود التي تضمنتها معاهدة لوزان، والتي مدتها 100 عام تنتهي في عام 2023. ان تركيا اردوغان تحلم بل تخطط وتعمل على احياء الدولة العثمانية. اردوغان، في هذا؛ يتناسى ان هذه المناطق كانت الدولة العثمانية قد احتلتها لأربعة قرون خلت، وهي ليست مناطقة او اراضي تركية، بل هي اراضي عربية وكردية، كانت تحت الاحتلال التركي. لكن الذي يثير القلق؛ هو الصمت الامريكي والروسي على هذا الاحتلال التركي، بل ان الدولتين تتعاونان مع الجانب التركي بطريقة او بأخرى. ان هذا الامر يثير الشكوك وهي شكوك مشروعة؛ عن ما، ربما، يدور وراء الابواب المقفلة. التاريخ يحدثنا ان مثل هذه التوافقات جرت بصورة خفية ومستترة، ولم يعرف بها الشعب الا حين صارت واقعا على الارض. مما يقلق اكثر؛ ان الحكومتين في سوريا والعراق، وبالذات العراق، لم تقما بما يلزم عليهما القيام به. أما الشجب والاستنكار فهذا لا قيمة له ولا يغير من مجريات الواقع اي شيء. تركيا تعمل في الاشهر الأخيرة على تحسين علاقتها مع الدول العربية، مصر والسعودية، ومع اسرائيل، وحتى مع اليونان، اي انها بدأت سياسة جديدة تماما، بالإضافة الى روسيا التي لها علاقة معها، فرضتها المصالح على الدولتين وذات الامر ينطبق على علاقتها مع امريكا. هل ان هذا التحول في السياسة التركية، هل هي محاولة استباقية لتشكيل قاعدة علاقات متينة مع الدول العربية وغيرها، لشراء صمتها او على الاقل؛ لتخفيف من رد فعلها وهنا لانقصد روسيا او امريكا، فهذان الدولتان لهما شكل علاقة مختلفة مع تركيا، وحتى اسرائيل على ذات مسار الدولتان، بل نقصد الدول العربية. ان حجة محاربة داعش واخواتها، حجة واهية لا يدعمها الواقع، بل ان واقع الامور يُبَين حجم الاطماع التركية. الكثير من وقائع التاريخ في بداية القرن العشرين، كانت قبل ان تكون واقعا معيش، قبل سنوات من تحولها الى واقع؛ غريبة وهي محض خيال، لكنها حين وقعت؛ تحولت الى واقع باتفاقات الخفية بين الدول الكبرى حينها، فرنسا وبريطانيا، وكأنها هي الحقيقة ولا حقيقة أخرى غيرها. عليه، فنحن هنا لا نستبعد ان يعيد التاريخ نفسه. خصوصا وان السلوك السياسي لحكومات الدول المعنية ونقصد سوريا والعراق، وتحديدا العراق، وكأن الامر لا يعنيها. هل هو خطأ في تقدير ما يخطط لهما، او خطأ في قراءة المشهد وصراعات القوى الاقليمية والدولية، واطماعها في اراضي الدولتين. نحن هنا لا نملك الاجابة على هذه التساؤلات، او من السابق لأوانه، لضبابية المشهد السياسي الاقليمي والمحلي والدولي، والشحة المقصودة للمعلومات في هذا المجال..