داعش لا تجهل ما تفعل وانما هي متعمدة في تحطيم تاريخ العراق وحضارته، وبقدر الالم والحزن على هذا التاريخ المهدور والحضارة المكسرة، الا ان التوضيح والتعليم وتبين الفروقات بين الاصنام والتماثيل ونظرة القرآن والاسلام لها، امر ضروري لكل انواع الدواعش من (النطيحة والمتردية) الى (المهمشة والمتعاطفة)، ولست مدع للفتوى ولكن ردا على نفس منطق من تمنطق وجمع احاديث الاصنام ليخلطها بالتماثيل، ثم يؤيد عن جهل ما فعلته داعش عن علم!!
وقد نسبوا هذه الاعمال الاجرامية الى الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، واتوا باحاديث تكسير الاصنام التي تعبد في فتح مكة وبعدها، وقاسوا ذلك على التماثيل، وهذا تحميل على النص لم يجر في زمن السلف الصالح ولا بعدهم، ويدخل في اطار (البدعة) في الدين، وسوف نوضح الفرق بين الصنم والتمثال، ثم نورد من الكتاب والسنة ما يخالف طريقة الدواعش
قال صاحب المعجم الوسيط في تعريفه للصنم بانه: تمثالٌ من حَجَرٍ أو خشبٍ أَو معدِنٍ كانوا يزعمون أَنَّ عبادتَه تقربهم إلى الله، والجمع أَصنام وهي كلّ ما عُبد من دون الله… واما التمثال فقد ورد في المعجم انه: كل ما ينحته المثال أو النحات في الحجر أو المعدن أو غيرهما من صورة أو رمز للطبيعة والمخلوقات، فالصنم يمكن أن يكون من خشب او طين او تمر او على شكل انسان او حيوان يراد به العبادة من دون الله، لكن التماثيل لا تشملها العبادة، وبذلك ليس كل صنم تمثال وليس كل تمثال صنم
اما في القرآن الكريم فقد ورد في سورة سبأ الاية 12، ان الله سبحانه وتعالى قد اكرم نبيه سليمان عليه السلام بان جعل له من: (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ).
اما في السنة النبوية الشريفة فقد ذكر صحيح البخاري في باب الصلاة: ان السيدة عائشة زوج الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم، كانت تضع صورا وتماثيلا في بيت الرسول الكريم، فالسيدة عائشة اشترت قماشًا فيه صورة، وعلقت هذا القماش على كوة أي على نافذة في منزل النبوة وكانت احدى الصور في واجهة القبلة حيث يصلي رسول الله، وانه صلى الله عليه وآله وسلم قال لزوجه: (اميطي عنا قرامك هذا فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي)، وقد برر الصحابي أنس بن مالك تعليلا لسبب كراهة رسول الله صلى الله عليه وسلم تعليق هذا القماش وما فيه من الصور، يقول أنس: “كان ستر لعائشة قد سترت به جانب بيتها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أميطي، أي أزيحي عنا قِرَامَك هذا (ستر رقيق فيه ألوان ونقوش)، فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي”، أي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلما وقف في المنزل يصلي رأى الصور، أي صور الأصنام على هذا الستر المعلق أمامه، فكره ذلك لأن هذه الصور تخايله وهو يصلي، وطلب من السيدة عائشة أن تزيح هذا الستار، فأخذت السيدة عائشة هذا القماش وقطّعته وجعلته وسائد فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستخدم هذه الوسائد ويتكئ عليها وفيها رسم الصور أي التماثيل.
وعن سير أعلام النبلاء للذهبي سار صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على هذا النهج الذي يفرق بين الصنم والتمثال فقد تركوا التماثيل في البلاد التي فتحوها عندما لم تكن معبودة من دون الله.. صنع ذلك عمرو بن العاص في مصر ولم يستفت الخليفة فيها وكذلك فعلها الصحابي شرحبيل بن حسنة الذي وصل بجيوشه الى اثار جرش وكلها تماثيل وتركها ولم يعبث بها ولم يستفت الخليفة فيها، كذلك في بلاد فارس، حيث ذكر علي رضا شاهبور شهبازي بان الدولة الاسلامية حين فتحت بلاد فارس، احترمت اثار (برسبوليس) وحافظت عليها، وحدث الامر ذاته في الهند ايضا، عندما ترك المسلمون تماثيل بوذا، ولم يعتدوا عليها الا في زمن (طالبان) وكذلك عندما فتح المسلمون جزيرة صقلية وتركوا فيها الآثار الرومانية، وبقيت هذه التماثيل والآثار الرومانية حتى عصرنا الراهن (راجع النجوم الزاهرة لابن تغري بردى)، وما زالت رسائل هؤلاء القادة الى الخلفاء الاربعة محفوظة في كتب التاريخ، وليس فيها اي استفتاء عن التماثيل ومنها ابو الهول والاهرام واثار جرش وبرسبوليس التي بقيت الى يومنا هذا تحت ظل الدولة الاسلامية!!
اما القرآن الكريم وبتفسير كبار المفسرين فقد وضح لنا ان الاثار انما هي عبرة لمن بعدهم، كما وردت في قصة فرعون، اذ قال تعالى في سورة يونس الاية 92: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً)، فقد فسرها الطبري: (لتكون لمن خلفك آية) يقول: لمن بعدك من الناس عبرة يعتبرون بك، فينـزجرون عن معصية الله، والكفر به والسعي في أرضه بالفساد. وقال ابن كثير عن (ابن عباس وغيره من السلف لتكون لمن خلفك آي ) أي: لتكون لبني إسرائيل دليلا على موتك وهلاكك)، وقال القرطبي: (فاليوم ننجيك ببدنك أي نلقيك على نجوة من الأرض، وذلك أن بني إسرائيل لم يصدقوا أن فرعون غرق، وقالوا: هو أعظم شأنا من ذلك ، فألقاه الله على نجوة من الأرض، أي مكان مرتفع من البحر حتى شاهدوه).
والواضح ان الله سبحانه وتعالى يدعو الناس للحفاظ على الاثار لتكون عبرة كما اراد في الاية الشريفة، وكما لم يحاربها نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ولا اهل بيته ولا صحابته، وانما تنطع داعش الجديد، وتمسك القشريون في العصر الحديث تقع بين الجهل والتجهيل والعمد والتعمد!!
*المقال سوف ينشر في مجلة الهدى الاربعاء القادم ان شاء الله