تحولت شوارع وميادين المدن العراقية في الاسابيع الماضية الى سوح للتظاهر والاحتجاجات الجماهيرية المطالبة بالاصلاح والتغيير بعدما زهق الناس من الفساد وسوء الادارة والطائفية ومصائب المحاصصة وما يتصف به الكثير من ” الحاكمين والمتحكمين ” من ضحالة فكرية وطفولة سياسية وقلة وعي ، … وحتى قلة وطنية !!
فهل اسنطاع الاعلام العراقي ، وخاصة الفضائيات ان تواكب هذا الحراك الشعبي غير المسبوق بنفس الهمة والشفافية والانتماء !
لقد مارس المتظاهرون ، حرية التعبير عن افكارهم ومطالبهم ؛ بوعي ومسؤولية لم يرشدهم اليها مرشد ، وبحرية لم يمنحها لهم احد ، حرية زرعت الرعب في قلوب الكثير ممن احسوا انهم قد يكونون مستهدفين او مقصودين او مشمولين بمطالب الناس وهتافاتهم ويافطاتهم واناشيدهم في الشوارع والتجمعات ، حرية حركت المياه ” الخابطة ” في بركة السياسة العراقية ؛ وكانت بوادر نتائجها قرارات مساء الاحد الماضي بالغاء ودمج اكثر من عشر وزارات ، ونشر قوائم علنية بفاسدين ومفسدين ومقصرين !!
لقد كان الحراك الشعبي الاخير في العراق اختبارا عسيرا لوسائل الاعلام هناك ، فقد تعرضت الفضائيات في حالات عديدة ، وخاصة في البدايات ، للذم والنقد ، وتراوح التقييم للنشاط الإعلامي من التقصير عن جهل او سوء تقدير إلى الحزبي المتواطئ، او المتستر على الفساد او الذي يحاول تقليل الصدمة عن بعض دانصورات الفساد والطائفية . وقد انشغلت معظم وسائل الاعلام في تبني وجهات نظر ومواقف الجهات التي تنتمي اليها ، ولكنها في النتيجة تجنبت ان تثير غضب الجماهير ضدها او ضد الجهات التي تنتمي اليها .. فحاولت التمويه على مواقفها الحقيقية .
ويرصد محللون ومتابعون على بعض الفضائيات العراقية – – ومعها مواقع التواصل الاجتماعي – دورها الخفي اوالمفضوح لدعم محاولات أطراف سياسية معينة لحرف مسار المظاهرات باتجاه معين كأن تكون مخصصة ضد جهة بعينها او محاولات تفكيك الحراك الشعبي بطرق وأساليب مختلفة تجمع بين الترغيب والترهيب، وعرقلة إدامة زخمها الجماهيري غير المسبوق.، وهناك من يزعم وجود مساومات على دفع مبالغ ماليه لتحقيق الانحراف المرغوب . او الدعوة له ,
اي ان الفاسدين وانصارهم حاولوا افساد التظاهرات المناهضة للفساد !!
ان سلوك الفضائيات العراقية ووسائل الاعلام الاخرى ينسجم تماما مع طبيعة تشكيلاتها العشوائية عند انطلاقها بعد الاحتلال عام 2003 حيث تم الربط بين مفهوم الحريات العامة في أذهان الناس بالربط بين الحرية السياسية وحرية التعبير، فلا حرية سياسية بدون حرية تعبير ، ويتم الحديث عنهما كشيء واحد، وهكذا سعت الجماعات السياسية – وحتى الافراد- الى ان تكون لها منابر اعلامية تشكل اللاعب الرئيسي في تكوين الرأي العام لتعزيز منزلة هذا التشكيل او ذاك لدى الناس .
لقد تشكلت في العراق منذ 2003 منظومات اعلامية تعاني – في معظمها – من ذات العلل والفياروسات والخصائص السلبية التي تعاني منها التشكيلات السياسية المؤثرة حاليا في الدولة العراقية .
لقد اجتمع نفر من الناس وقرروا ان يكون لهم منبر اعلامي ، يسند تشكيلتهم السياسية ، ويروج لشخوصهم ، فاطلقوا فضائية اختاروا لها اسما ولم يضعوا لها منهجا او خطة فكرية او برامجية ورشحوا لها بعض ممن يعتقدون انهم اعلاميون او صحفيون ، ونصبوا عليها مدراء – غالبا ممن كانوا يعيشون في المهجر .. كمعظم السياسين الحاكمين الان في العراق – فنشأت فضائيات تعاني من “الطفولة الاعلامية ” كما يعاني السياسيون الجدد من ” الطفولة السياسية ” واصيبت بعض الاجهزة الاعلامية بعدوى الفساد والطائفية والمحاصصة والمحسوبية ، وحكلي لاحكلك ، وتنافست بعض القنوات الخاصة او شبه الخاصة في الردح والشتم ونشر الغسيل والفضائح ، معتقدة ان هذا هو النقد السياسي الجرئ ، والشجاع !! وان هذا هو التعبير عن حرية الرأي ,,,
الضرورة والتجربة تستدعي بالحاح وضع قضية اصلاح الاعلام في جدول الأوليات في الإصلاح السياسي لما له من دور كبير في صيانة حرية التعبير في المجتمع وليشكل مصدرا أساسيا للمعلومات والتوعية لدى المواطنين ، ويستدعي اصلاح الاعلام تغيير منظومة قوانين الإعلام ، ومنظومة قوانين الاعلام اساسا ليس لها وجود عملي ولا صياغات تمتلك أدوات الإعلام العصري فالمرجعية الوحيدة للاعلام في العراق حاليا هي هيئة الاعلام والاتصال التي تمنع وتسمح وتراقب وتجيز وتوقف ، وفق قوانين وانظمة سنها بريمر السئ الصيت !!