تشهد ظروف العراق حالة استثنائية ولا جديد ان قلنا ذلك ، ولاغرابة في ان تزداد هذه الاستثنائية يوما بعد آخر، وبخاصة في الوقت الحاضر، وحاضرنا اليوم يمر باصعب المراحل، وهي مرحلة اختيار المصير، وعلينا كعراقيين تقرير مصيرنا بعد الاستيعاب والتفهم للواقع الخطير ولحظات التخبط والفوضى التي نعيشها والتي تشكل مصدر قلق للناس، بدءا من كارثة الافلاس، وليس انتهاءا بوباء كورونا، فيما الدولة تترنح.. ومن يمتلكون زمام الامور السياسية في العراق لا يريدون فهم الواقع والحقائق ومتغيرات العصر لمغادرة المرحلة والحقبة الحرجة التي وضعوا العراق فيها،و لابد ان يدرك القادة والسياسيين حقيقة الوضع الذي نعيشه ومعرفة الزمن بتفاصيله لنتمكن من اللحاق بعجلته وفلكه قبل ان نصبح خارج هذه العجلة نولول ونلوم ونتحسر..
ويظهر ان بعض القادة والسياسيين ممن فشلوا خلال العقد والنصف الذي تسلموا خلاله بعض المواقع في العراق،لا يريدوا ان ينظروا الى المستقبل وينتقلوا اليه.. وهي ليست بالمعجزة لكن المعجزه تكمن في انه كيف يتخلى هؤلاء القادة والسياسيين عن مصالحهم واطماعهم وامتيازاتهم وتخندقاتهم وصراعاتهم و ينظروا الى الواقع المر الذي وضعوا الناس فيه !!
مصالح الشعوب والاوطان
يظهر ان ( بعض القادة والسياسيين) لا يريدوا ان يفهموا او يقتنعوا ان هناك عالم جديد وعصر مختلف في السياسة والاقتصاد فرض نفسه على واقع البلدان، والتغير الذي حدث في حياة الشعوب والمجتمعات، يفرض مغادرة العالم القديم الى هذا الجديد الذي تختلف فيه السياسة بأختلاف مصالح الشعوب والاوطان.
هناك تحالفات تختفي بأختفاء اهميتها وتظهر تحالفات جديدة منطلقاتها المصالح الوطنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يفرضها العصر والظروف والمتغيرات في هذا العالم ونحن نعيش الفوضى المننتشرة في كل مكان بعد ان خرجنا من حروب النظام الدكتاتوري الذي اسقطه الاحتلال الامريكي لندخل حروب العهد الجديد، وهي من نوع اخر ربما اكثر خطورة تركت بصماتها على العراقيين، بدءا من الحروب الطائفية تلتها حروب الارهاب التي انتهت بالقضاء على عصابات داعش، ثم حروب الفساد التي ابتلعت ثروات العراق وادت الى انتشار الفقر و التفاوت الطبقي، وظهور البطالة بشكل غير مسبوق لم يعرفه العراقيون على مدى تاريخه الحديث، وتردت اثرها الخدمات وتراجعت على جميع المستويات، وسط مساعي للقضاء على ثرواته ونهبها، و هناك من يريد للعراق ان يتصحر وينتهي ويذل شعبه وتقضم اراضيه ويصبح غنيمة لكن هذا لم ولن ويحدث لان خزين العراق من الحكمة والحكماء والتجارب والقواعد والمنطلقات الانسانية والروحية الشيء الكبير.
ورغم المعاناة والحروب والصراعات التي دارت (وما زالت تدور) على ارضه، يبرز سؤال مهم، متى يفهم قادة العراق اصول اللعبة السياسية في هذا العالم الجديد بعصره؟؟ ومتى يستثمروها قبل ان تمر؟؟ هناك من يقول انها مرت بالفعل !! واصبحوا اليوم خارج اللعبه السياسية وخارج الواقع، فيما كبر وتوسع وتعفن مستنقع الازمات الذي وضعنا فيه رغم انوفنا !!، ورغم هذا الحال والتوصيف صمم العراقيون على مغادرة هذا الوقع المر وانهاء حالات الفساد والجمود والانحسار والتراجع الذي تشهده السياسة وقادتها في العراق.
فراغات الدولة
العراقيون يعرفون اليوم جيدا انه لا يوجد من يدافع او يقاتل بدلا عنهم كما يتصور البعض لان ما تركته القيادات السياسية من فراغات في العراق كبيرة وهي بسبب ضعف الارادة الحقيقية في النهوض والبناء والاعمار والتغير ومكافحة الفساد ومحاصرته وتحجيمه، هذه الافة التي ترعرعت وكبرت وتضخمت وافقرت العراقيين وافلست دولتهم.. نعم لانغال ان قلنا بان الدولة مفلسه، وما لديها (لايسمن ولايغني من جوع ) كل هذه العوامل احدثت الفراغات التي يريد الغرباء وحتى من يسمون بالاصدقاء املاءها، والمشكله الاكبر التي يعاني منها العراقييون ان القيادات السياسية الفاشلة والتي عترفت بفشلها لا تريد ان تغادر الساحة السياسية وتنسحب من ادارة الدولة وتخلي المواقع والمناصب في سلطات الدولة للاصلح بعد ان اصبحت عاجزة عن القيام بعمليات الاصلاح ومواكبة العصر وبذل العطاء، كونها فاقدة للقدره على الحركة الفكرية والاستراتيجية الحيوية البناءة الواعدة، وهذا يعني فقدانها القدرة على الاصلاح والتغير للواقع، هؤلاء الساسة اصبحوا لا يعرفون ما يريدون بعد كل هذا الخراب والفساد والتخلف والتراجع امام متغيرات العصر والاوضاع الدولية والاقليمية بشكل عام، والعراق المنكوب بشكل خاص، حتى بات الناس اليوم يعرفوا ان قياداتهم السياسية ومن يحكم، غير قادرين على انتاج او تقديم اي افكار او مشاريع وطنية لتغير الواقع وانقاذ العراق من محنته والحفاظ على ما تبقى بعد هذا الانكسار الكبير المدمر والذي يعيش العراقيين مأساته في هذه الحظات الحرجة من تاريخهم ، وبهذا الكم الهائل من الفاسدين، والطامة الكبرى نجد ان الفاسدين يريدون توريث السلطة لأشباههم، وكل هذه الاوضاع والظروف يعيشها العراقيون اليوم بلا افق للنجاح والعبور الى بر الراحة والطمأنينة.
ولهذه الاسباب اصبح الناس في العراق ضحية قياداته السياسية التي وضعتهم ضمن دوائر اطماع اقليمية ودولية، واتمنى على السياسيين في العراق ان يدركوا ان للسياسه اعتباراتها وثوابتها واصولها.. والحقيقية ان سبب هذا التخلف السياسي يرجع الى عدم الاعتماد على الكفاءات والامكانيات المهنية الوطنية، وما شهدناه من ارساء قواعد جديدة غريبة عجيبة والتي تمثلت بسياسي الداخل والخارج ومواطني الداخل والخارج… وهي عملية او نظرية او فكرة من الصعب استيعابها وتوصيفها بدقه ؟! وكيف لا يحدث ذلك و العديد ممن تسلموا الحكم و اصبحوا في مواقع متقدمة في سلطات الدولة حكموا بشهادات مزورة!! وبهؤلاء وامثالهم اصبح العراقيين في اصعب ظروفهم بعد ان اصبح وطنهم منطقة تقاسم نفوذ دولية واقليمية وساحة صراع مفتوحه امام الجميع وبدون تحفظ وبشكل علني مباح .. و كل المتصارعين يصرحون علنا ان القيادات السياسية العراقية ضعيفة وهي سبب كل هذا الخراب .. و امثال هؤلاء السياسيين في الاساس هم من سمح بهذه التدخلات والصراعات على الاراضي العراقية، وهم من خيبوا امل العراقيين الذين كانوا ياملون ويطمحون في ان تخرجهم قياداتهم الجديدة من واقعهم الانساني والاجتماعي المؤلم بعد سقوط النظام الدكتاتوري الى آخر اكثر اشراقا، لكن ما حصل ما هو الا صنع فراغات شغلته بعض دول الجوار الاقليمي، وامريكا على وجه الخصوص.. واقولها باسف ان ما نلمسه من خيارات بعض القادة والسياسيين تعتمد على الخارج.. لذلك نراهم يقفون عاجزين عن طرح الافكار وارساء المشاريع الوطنية لاخراج البلاد من ازماتها وكوارثها بعد ان فقدوا هؤلاء السياسيين الثقه بانفسهم وقبلها فقد العراقيون الثقه بهم وبقدراتهم في الاستمرار بادارة الدولة وقيادة العملية السياسية.
بالرغم من كل هذه الارهاصات المؤلمة، يريدون البقاء في مواقعهم.. ويطالبون العراقيين بقبول الامر الواقع.. اي القبول بالهزيمة والتعايش مع ثقافتها، وهذا يعني ان يكون الناس مهزومين امام انفسهم اولا، والقبول بالعار!!! والعراقيون لا يقبلون بالهزيمة وعارها بل تعلموا الاصرار، والانتصار، وتحلوا بالقوة على تسليح انفسهم بكل صفات النبل والرجولة منذ بدء الخليقة، وساحات التظاهر والاعتصام ماهي الا دليل على الطريقة الفاعلة التي ركنوا اليها العراقيون من اجل الاصلاح والتغيبر ورفض ثقافة الهزيمة وفرض الامر الواقع الذي تريد واشنطن وبعض دول الجوار الاقليمي فرضه عليهم بالتعاون مع اعوانهم في الداخل الوطني، ولانأتي بسر حينما نقول ان تلك الجهات هي من صنعت لنا الازمات ومصائبها وكوارثها، وهي من تريد الاستثمار في مستقبل الشعب العراقي بخبث ومؤامرات من خلال قبول الامر الواقع وفرضه بكل الوسائل واذا تطلب الحال فرضه بالقوة الغاشمة وبمختلف الطرق عندما تفشل وسائلهم من خلال استعمال القوة الناعمة، لكن العراقيون تعلموا الدرس.. وفهموا هذه اللغة بعد ان فهموا اسلوب العصر الجديد ومستلزماته وضرورة الانتقال له من اجل نيل حقوقهم في الاصلاح والتغير والحصول على الحياة الحرة الكريمة التي تليق بهم، فيما يحاول البعض فرط عقد دولتهم التاريخي لان ما حدث ويحدث منذ الاحتلال وحتى الان هو زرع الخوف الرعب والظلم والفقر في نفوس الناس نتيجة السياسات الغير مسؤوله والقيادات المتخبطة والفساد المستشري الذي امسك بشراين الدولة و الثروات الوطنية حتى وضعت الناس تحت كل هذا القهر.
التغيير الحقيقي
وسط هذه الصورة، نجد القادة والسياسيين يتحدثون عن الاصلاح والتغير من خلال الدستور!!! واقولها بصراحة لا تغير ولا اصلاح يحدث من خلال هذا الدستور و القيادة السياسية الحاضرة ناهيك عن ان دستورنا اصبح في وقته الحاضر لا يلبي طموحات الناس ولا يتماشى مع حياتهم وضمان امنهم واستقرارهم ولا ينفع معه الاصلاح لانه في ذاته بحاجة الى الاصلاح في جميع بنوده وفصوله ليتناسب مع العصر العراقي الحديث وامال وطموحات وتطلعات ومطالب الناس وحاجتنا كعراقيين تحتم علينا كتابة دستور جديد بعيد عن صنع الازمات الطائفية والمذهبية والعنصرية والقومية، وهذا التغير لن ولم يحدث ما لم يتحقق التغير السياسي الحقيقي ومواجهة الضغوطات الخارجية بارادة وطنية عالية وبحث الخطى باتجاه انتخابات مبكره لنتمكن من معالجة وسد جميع الثغرات وصولا الى بناء حكومة قوية ورؤى سياسية فاعله تعزز وتسند قوة السلطة التنفذية لاعادة بناء الدولة والانتصار على هزائمنا السياسية والاقتصادية واعادة ترميم نسيجنا الاجتماعي المضروب وهو الاهم في كل الفعاليات والعمليات، وبعد هذا المنجز او الفعل المتحقق سوف يقف العراقيون اقوياء واصحاب قرار في اللعبة الاقليمية والدولية والعودة بالعراق الى موقعه السياسي والجغرافي والريادي التاريخي كدولة محورية بعد ان غادرها بسبب الاحتلال وما أعقبه من تخبط سياسي وانهيار اقتصادي وتفكك في النسيج الاجتماعي وكذلك تراجع في مستويات الثقافة والاداب والفنون التي هي هوية الاوطان والشعوب الحقيقية الحية.
بهذا المنجز والفعل المتحقق نتخلص من الدائره الضيقة التي وضعنا بها من قبل الاحتلال وكذلك ضغوطات وتدخلات بعض دول الجوار الاقليمي، والنظام الدكتاتوري السابق.. هذا النظام الذي كان السبب في اخراج العراق من دوره وهيبته الفاعلة في السياسة الاقليمية والدوليه ، واليوم لابد من العودة وبكل الوسائل المدنية والحضارية والدمقراطية المتاحة وكل هذا مرهون بارادة الشعب العراقي الحي المتطلع للاصلاح والتغير بعد الذهاب الى انتخابات مبكره نزيهه تنتج لنا دولة مهابة بحكومة مهنية علمية قوية تلبي طموحات وتطلعات العراقيين وتجلي همومهم..