في اطار الهجمه المتزايده على القضاء العراقي الذي اصبح فجأة الهدف المفضل لكل سياسي اصدر ضده القضاء امر قبض او لكل من يظن ان القضاء قد حرمه من منافع كان يتنعم بها تم اعادة الاسطوانه التي اعتقدنا بان المختصين بشؤون القانون قد اشبعوها بحثا الا وهو المبدأ الذي اقرته المحكمة الاتحاديه العليا في قرارها المرقم 43/2010 ووجدت ان الدستور في حكم المادة (60) قد حدد طريقين لتفديم مشروعات هما رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء ثم منح في الفقرة الثانية من نفس المادة الحق لمجلس النواب الحق في تقديم مقترحات القوانين ونتيجه لذلك فقد اعتبرت ان اي تشريع لايمر بسلسلة التشريع كما حددها الدستور سوف يصدر معيبا بعدم الدستورية ويمكن الطعن بعدم دستوريته امام المحكمة .
اثار القرار اعلاه في حينه لغطا كبيرا عند صدوره وتصدى لمناقشته اساتذه كبار من فقهاء القانون مابين مؤيد ومعارض ثم استقر الوضع باعتبار ان قرارات المحكمة باته وقاطعه ولايجوز الطعن بها حفاظا على قاعدة استقرار الاحكام القضائية الا اننا نرى هذه الايام ان بعض الاقلام بدات تعيد طرح هذا الموضوع واعتبرته مثلبه في جبين القضاء العراقي الذي كانت نفس الاقلام تتغنى بحياديته وحرفيته وتاريخه العريق لذلك فاصبح لزاما العوده الى ذلك المبدأ وقرأته بصوره متأنيه وحرفية لنرى هل ان هذا المبدأ موجود فعلا في الانظمة القانونية الدستورية ام كان بدعه ابتدعتها المحكمة الاتحاديه لم ينزل الله بها من سلطان .
فلننظر اولا الى نص الدستور العراقي لسنة 2005 وبالتحديد نص الماده (60) بفقرتيها اولا وثانيا حيث نصت على مايلي 🙁 المادة : 60 اولا: مشروعات القوانين تقدم من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ثانيا: مقترحات القوانين تقدم من عشرة من أعضاء مجلس النواب ، أو من إحدى لجانه المختصة ) فمن الواضح ان المشرع الدستوري قد فرق بين (المشروع ) والذي اختص به السلطة التنفيذيه بفرعيها رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ولم يمنح هذا الحق لاي جهة اخرى وكما حددتها المادة 66 من الدستور (تتكون السلطة التنفيذية الاتحادية من رئيس الجمهورية ومجلس الوز ا رء ، تمارس صلاحياتها وفقاً للدستور والقانون . ) . في حين ان الدستور عندما يتحدث عن (مقترحات القوانين) فانه يمنح هذا الحق بصوره واضحة لمجلس النواب ولجانه . فاذا رجعنا الى المباديء الاساسيه لفن الصياغه التشريعية نرى ان الكلمات والمصطلحات المستخدمة يكون لها معنى واحد جامع مانع قاطع فهو جامع لكامل المعنى مانع للتضارب وقاطع الدلاله لذلك فلايمكن التصور بان المشرع قد ذكر مصطلحا واضح الدلاله وهو يقصد معنى اخر .
اما الاشارة الى الى ماورد في نص المادة (61) واختصاص البرلمان بـ “تشريع القوانين الاتحادية” كما ورد في نص الفقره 1 من تلك الماده فان الدلاله الواضحه لتلك الفقره لا يتعارض مع تفسير المحكمة الاتحادية اعلاه فلو عدنا الى المعنى القانوني لمصطلح ( التشريع) نرى ان التشريع في اللغة أللاتينية يتكون من مقطعين “:” Lex ومعناه القانون و “Latum” ومعناه الوضعي أما اصطلاحا فتطلق عبارة التشريع” Legislation ” ,على مجموعة القوانين المكتوبة التي تصدر من قبل سلطة مختصة دستوريا في بلد ما، كما تطلق أيضاً على عملية وضع القوانين وإصدارها (د. محمد حسام محمود لطفي ” المدخل لدراسة القانون في ضوء أراء الفقه وأحكام القضاء ” , الكتاب الأول: نظرية القانون , الطبعة الثالثة مزيدة ومنقحة , القاهرة, 1996 – 1997 , ص 85 -86). وبعبارات أخرى يطلق اصطلاح التشريع على قيام سلطة عامة مختصة في الدولة بالتعبير عن القاعدة القانونية، والتكليف بها، في صورة مكتوبة، وإعطائها قوة الإلزام في العمل. كما يطلق اصطلاح التشريع على القاعدة ذاتها التي تستمد من هذا المصدر وهذه العملية لاتتعارض مع التفسير الذي جاءت به المحكمة الاتحادية .
اما القول بان هناك قوانين خطيرة وذات التزامات كبيرة، صدر بدون ان يتم فيها اتباع الالية التي ذكرتها المحكمة فان الجواب على ذلك بسيط جدا وهو ان تلك القوانين لم يتم الطعن بها امام المحكمة لكي تقضي بعدم دستوريتها .
هذا من الناحية الداخلية فاذا نظرنا الى الممارسات الدستورية في الدول المحيطه نرى هذا المبدأ معتمد في العديد من النظم الدستورية لو نظرنا في الفقرة آلف من القسم الأول , الشؤون التشريعية , مجلس الأمة الكويتي ,” دليل العمل في أدارة الشؤون البرلمانية ” , دولة الكويت , حيث نص :” تتولى أدارة الشؤون البرلمانية استلام الاقتراحات بقوانين المقدمة من السادة الأعضاء , كما تتولى استلام مشروعات القوانين المقدمة من الحكومة “
اما في المملكة الاردنية الهاشمية فان آلية سن التشريع في الأردن معروفة لدى الكثيرين وخاصة رجال القانون والمتخصصين والتي تبدأ في اقتراح مشروع القانون سواء كان من قبل الحكومة أو من قبل عشر أعضاء على الأقل من أعضاء أي من مجلس النواب والأعيان والذي يحال إلى لجنة مختصة في مجلس النواب لمناقشته ومن ثم يحال إلى الحكومة لتقديمه في صيغة مشروع قانون كونها صاحبة الاختصاص الأصيل في اقتراح القوانين ومن ثم يقدم إلى مجلس الأمة في الدورة المنعقدة أو التالية ليصار إلى مناقشته من قبل مجلس الأمة بدءا من مجلس النواب انتقالا إلى الأعيان فإذا اقره المجلسان رفع إلى الملك للمصادقة عليه بالتوقيع عليه وذلك خلال ستة أشهر وإذا مرت هذه المدة دون أن يُصدق من الملك يعتبر بحكم المصدق وبنشر في الجريدة الرسمية .
وبهذا نرى ان هذا المبدأ ليس بجديد ولاهو بالبدعه بل هو اعمال للنصوص استنادا الى المبدأ القانوني القائل بان اعمال النص اولى من اهماله والمباديء المعتمده في الانظمه القانونية الاخرى .
* محامي ومستشار قانوني