22 ديسمبر، 2024 7:08 م

الاشتراكية … بعد 99 عاما على اعلانها… (4 – 5)

الاشتراكية … بعد 99 عاما على اعلانها… (4 – 5)

4- الجزء الرابع – الدور الأمريكي في انهاء النظام الاشتراكي
 تعزو الكثير من المقالات التي تناولت أسباب انهيارالاشتراكية منتصف الثمانينيات الى النظام  ذاته وبالاساس الى سياساته الداخلية نافين أي دور للأمريكيين فيه فيما يعزو أخرون اسباب الانهيار الى دور الولايات المتحدة وبالأخص الى سياسات الرئيس رونالد ريغان أما العامل الداخلي فكان دوره ثانويا. ورغم مرور 31 عاما على انهاء النظام الاشتراكي فان الكثير من الاسئلة حول ما كان يدور في المحادثات السرية التي عقدت بين الرئيسين ريغان وكورباجيف التي لم يكشف النقاب عنها بقيت دون اجابات. لقد كان واضحا منذ بداية دخوله البيت الأبيض انه كان مصمما وواثقا من تحقيق هدف القضاء على الاتحاد السوفيتي.
فما أن باشر الرئيس الأمريكي رونالد ريغان مهامه في القصر الأبيض حث مجلسه للأمن القومي على رسم خطة تاكتيكية مفصلة وسرية لتنفيذ توجهاته لتحقيق النصر على الشيوعية في الاتحاد السوفيتي وهو في ذلك يستفيد من تجارب سلفه الرئيس هاري ترومان مهندس الحرب الباردة. وقد أتى المجلس بالفعل بخطة بالغة السرية لم يخرج للعلن منها الا القليل بعد الاطاحة بالمعسكر الاشتراكي. وقد تضمنت الخطة السرية النشاطات التالية :
 سعى الولايات المتحدة على تحييد الادارة السوفيتية في دول شرقي أوروبا.
استخدام نشاطات سرية ووسائل اخرى لتشجيع النشاطات المضادة للسوفييت والحكومات في الدول الاشتراكية لشرق أوربا وخاصة في هنغاريا وبولندا. وقد جرى التنسيق في شأن النشاطات السرية تلك مع البابا جون بول الثاني البولوني الأصل الذي يعتبر دوره بالغ التأثير في البولنديين من خلال دعوتهم على التمرد على النظام الاشتراكي. فيذكر الكاتب الصحفي والمؤرخ البريطاني ,Paul Johnson بهذا الشأن اذ قال ” ان الرئيس ريغان ورئيسة الوزراء البريطانية حينها مارغريت تاتجر وبابا الكنيسة الكاثوليكية البولوني المولد جون بول الثاني هم الثلاتي الذي دمر الاتحاد السوفيتي امبراطورية الشر. لنترك العامل السياسي والعسكري والاقتصادي فان البابا كان يد الله في العمل في كل هذا السيناريو ، حيث كان أداة الرب التي أظهرت الحقيقة والشهود على الايمان “.
 
ويذكرأيضا ، انه عندما أدى البابا جون بول زيارة لموطنه بولندا قام بزيارة الى Auschwitz  (  هو مركز الاعتقال الجماعي الذي اقامه الألمان ليهود بعض دول أوربا ولرجال المقاومة البولنديين الذين قاوموا الاحتلال النازي قبل سوقهم للموت في غرف الغاز المعدة لذلك – توضيح الكاتب) خاطب البابا جون بول الثاني الجماهير المحتشدة لتحيته والتي قدرت باكثر من مائتي ألف مواطن فدعاهم لمقاومة ما سماها الآراء الزائفة التي قيلت لهم قائلا – ” انتم ليسوا ماسميتم به ، دعوني اذكركم من انتم وردا على دعوته قاموا بترديد ” نريد الله ، نريد الله في المدارس ، نريد الله في الكتب ، نريد الله في العائلة “. وقد علق الرئيس ريغان على اجازة نقابة التضامن أول نقابة مستقلة في بولندة بعد زيارة البابا لها عام 1980 قائلا ” كان لي شعوري الخاص خلال زيارة البابا لبولندا بان الدين يمكن ان يتحول الى قوة تدمر الاتحاد السوفيتي”. 
”  That Religion May Turn Out To Be The Soviet Achilles Heel”.
علما بأن البابا بدأ بعد عام 1982 وبعد تعافيه من محاولة اغتياله في ساحة سانت بيتسبيرغ بالعمل مع الرئيس ريغان ورئيسة الوزراء البريطانية تاتجر على انهاء الشيوعية.**
 اتباع الولايات المتحدة سياسة ارباك الاقتصاد السوفيتي بهدف اضعافه من خلال استهداف مصادر تمويله الأجنبية داخل الولايات المتحدة وخارجها بمعنى حربا اقتصادية سرية.العمل على أن لا تعود الولايات المتحدة للتعايش مع الاتحاد السوفييتي والسعي بدلا عن ذلك لعزله سياسيا لتغييره جذريا والحد من نفوذه في العالم في كل مجال ومناسبة.
 تشجيع ” حركات التحرر ” في أفغانستان ونيكاراغوا وأنغولا وكمبوديا. ( حركات التحرر التي قصدها ريغان هي الحركات الرجعية والفاشية مثل حركة المجاهدين الاسلاميين الذين جندتهم السي آي أيه لمحاربة القوات السوفيتية في افغانستان وكذلك العصابات التي عارضت وحاربت الحكومات التقدمية في أنغولا وموزامبيق وكومبوديا ونيغاراغوا في الثمانينيات من القرن الماضي – توضيح الكاتب)الاجتماع بممثلي الكنيسة الانجليكانية والكاثوليكية وحثهم على معارضة الشيوعية في امبراطورية الشر ( Evil Empire).
 قام ريغان حال تسلمه منصبه بزيادة سقف ميزانية التسلح التي تقررت في عهد سلفه الرئيس كارتر فزادها من 134 بليون دولار الى 325 بليون دولار عام 1980 والى 339،6 بليون دولار في عام 1981 والى 465،5 بليون دولار عام 1987 مشكلة نسبة 7% من الناتج المحلي الاجمالي الأمريكي بهدف جر الدولة الروسية الى سباق تسلح مكلف غير مسبوق. ( ملاحظة ، لقد أوردت في هذا الجزء تفاصيل جديدة عن ميزانية التسلح الامريكية لم تكن متاحة لي وقت كتابة الجزء الثاني من هذا المقال لذا اقتضى التنويه) فالرئيس ريغان كان يعرف جيدا آثار التسلح الخطيرة على مستوى معيشة المواطنين السوفييت لتشجيع عدم الاستقرار ومن ثم اجبار كورباجيف على القبول بالشروط التي تعرض عليه . وبالفعل قامت حكومة كورباجيف بزيادة الميزانية العسكرية من 22% عام 1980 الى 27% الناتج المحلي الاجمالي عام 1989 لتتناسب مع الزيادات الكبيرة التي أجرتها الولايات المتحدة على ميزانيات التسلح العسكرية.
  لكن رونالد ريغان لم يتوقف عند هذا بل أعلن السيرقدما ببناء ما سمي حينها ببرنامج حرب النجوم Strategic Defence Initiative )  SDI ) وهو نظام من الصواريخ الدفاعية المضادة للصواريخ الباليستية البعيدة المدى الذي تخشاه كثيرا روسيا لتكاليفه الباهظة جدا. وكان التفكير بهذا البرنامج قد بدأ عام 1960 وتم تأجيل البت فيه لتكاليفه الباهظة وقد أعيدت له الحياة في عهد الرئيس رونالد ريغان ويعزى الى هذا النظام قدرته على نقل الحرب الذرية بعيدا عن تراب الولايات المتحدة وقريبا من الأراضي الروسية. وهذا بالفعل ما فعله الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما ، حيث قام ببناء قواعد لهذا الصنف من الصواريخ في كل من المانيا وبولندا ورومانيا قادرة للوصول الى العاصمة موسكو وما بعدها. ويسعى أوباما لنصب المزيد منها في عدد من الدول الأخرى المحاذية للحدود مع روسيا وهي مخالفة للاتفاقات الموقعة بين الدولتين في عهد الرئيس جورج بوش الأب. ولقد قامت روسيا أخيرا ببناء نظامها القادر على حماية البلاد من هذا النوع من السلاح.
 بنفس الوقت تم بناء شبكة صواريخ متوسطة المدى تحمل رؤوسا نووية في نفق بعمق عشرة أمتار تحت الطبقة المتجمدة من جزيرة غرينلاند العائدة حاليا لمملكة الدنمارك. لقد نصبت تلك الصواريخ التي بلغ عددها في حينه 600 صاروخ في ذلك النفق الجليدي الذي بلغ طوله 2500 ميل موجهة ضد الاتحاد السوفييتي. لقد بقيت قواعد تلك الصواريخ سرية حتى وقت قريب بعد أن بدء الجليد في المنطقة بالذوبان مما هدد بكارثة بيئية خطيرة.
 
وفي الوقت نفسه اتخذ الرئيس ريغان قرارا بزيادة مساعداته العسكرية والمالية للمجاهدين الاسلاميين في افغانستان لتصل الى واحد بليون دولار سنويا وهي التي باشر بتشكيلها سلفه الرئيس كارتر عام 1979 لمحاربة القوات الروسية التي كانت تحمي الحكومة التقدمية الافغانية حينها. وتم تزويد تلك القوات بصواريخ ستنكر التي تحمل على الكتف لتمكينهم من استهداف طائرات الهليوكوبتر الروسية المستخدمة حينها لاستهداف المجاهدين وبالفعل تمكن الارهابيون الافغان من اسقاط عدد كبير من تلك الطائرات. وهو القرار ذاته الذي اتخذه الرئيس الحالي أوباما حيث استلمت المنظمات الجهادية الموالية للولايات المتحدة في سوريا ذلك الصنف من صواريخ ستنغر الخفيفة الوزن ويمكن حملها على الكتف.
 واستكمالا لخطة تجويع الشعب السوفيتي قام الرئيس ريغان بدفع السعودية لاغراق سوق النفط العالمية بالنفط لدفع اسعاره للانخفاض الى أدنى مستوى ممكن لتكبيد الجانب الروسي أكبر ما أمكن من الخسائرفي موارد مبيعات النفط. فالأمريكيون يعرفون مدى أهمية موارد صادرات النفط بالعملات النادرة وخاصة الدولار المستخدم حينها لتغطية تكاليف المستوردات الغذائية وغيرها من السلع الضرورية ما دفع السلطة السوفيتية لبيع جزء من مخزوناتها من الذهب لتمويل قيمة مستورداته من السلع الضرورية وخاصة الحبوب. 
  كما توجه الرئيس الأمريكي بضغوطه على الدول الأوربية لخفض أو الامتناع عن شراء الغاز الطبيعي من روسيا كعامل ضغط آخر لاثارة الاستياء العام ودفعه للتمرد لاجبار الحكومات السوفيتية على الاستسلام للشروط الأمريكية المهينة. 
 ولاضعاف قدرة الاتحاد السوفييتي على الصمود أصدر الرئيس ريغان قرارته بزيادة عدد أصناف السلع التكنولوجية الأمريكية والغربية الممنوع تصديرها الى دول المنظومة الاشتراكية تحاشيا لاستخدام السوفيت للتكنولوجيا المتقدمة  لتحديث الصناعة السوفيتية عامة والعسكرية بوجه خاص.***
   تبع ذلك بالغاء قرار حظر تصدير الحبوب الى الدولة السوفييتية الذي اتخذته حكومة الرئيس الامريكي كارتر كعقوبة بسبب دخول القوات السوفييتية الى افغانستان عام 1979. قبل صدور قرار الحظر كان السوفييت يستوردون ما يصل الى 35 مليون طن كحد أعلى من الحبوب سنويا و8 ملايين طن كحد أدنى وفق اتفاقية تم عقدها عام 1975، وبعد قرار الحظر استمر التصدير بحده الأدنى. ولتشديد الضغوط على السوفيت ألغت حكومة ريغان البند الخاص بالحد الادنى في وقت كانت الزراعة الروسية في عام 1980 تواجه أسوء موجة جفاف في تاريخها حيث بلغ النقص في انتاج الحبوب 48 مليون طن كان لابد من تعويضها عن طريق الاستيراد. ويمكن بعد هذا تقدير مدى الوحشية وراء مثل هذا القرار وغيره الذي قصد به تجويع الشعوب السوفيتية لاجبار حكومتها على الانصياع للرأسمالية الأمريكية. لم يكن الانصياع للرأسمالية الامريكية ممكنا أبدا في ظل الحكومات السوفيتية السابقة ، لكن تم لهم ذلك فقط عندما استلم قيادة الدولة ميخائيل كورباجيف الذي على يديه نفذت خطة انهاء النظام الاشتراكي باشراف مباشر من الرئيس الأربعين للولايات المتحدة الأمريكية رونالد ريغان.
 
يتبع في الجزء الخامس