23 ديسمبر، 2024 6:09 ص

الاسلام العراقي والاسلام الجزيري / 2 التعامل مع المراة والمعالم الحضارية

الاسلام العراقي والاسلام الجزيري / 2 التعامل مع المراة والمعالم الحضارية

كنا في الجزء الاول قد بينا ان موضوعنا هو التصرفات المجتمعية في مجتمعات كل من العراق والجزيرة العربية ، السعودية منها على وجه الخصوص ، من جهة نوع ومقدار تاثرهما بالاسلام  باعتباره المنظومة الفكرية الاساسية الى جانب العادات والتقاليد والاعراف في تحديد نمط العلاقات داخل المجتمع ونظرة الاغلبية المسلمة فيهما الى المواضيع المطروحة من خلال ما جرى ويجري في العراق من صراع بين المدرستين الاسلاميتين الوهابية ممثلة للاسلام السعودي والسنة والشيعة ممثلين للاسلام العراقي .
ونتطرق في هذا الجزء الاخير الى موضوعين مهمين جدا برزا بشكل كبير في السنة الماضية التي استطاعت داعش خلالها ان تؤسس ( دولة الخلافة الاسلامية )  في الموصل :
اولا : المراة
بعد دخول داعش العراق واحتلالها الموصل في 10/6/2015 واعلانها دولة الخلافة ونشرها تعاليمها التي بينت فيها رؤيتها للحياة اتضح ان داعش ركزت على نمط حياة المراة بشكل واضح وحولته الى ماتريد طبقا لفتاواها فاجبرت النساء على ارتداء النقاب ومنعت المراة من الخروج من المنزل الا لضرورة قصوى على ان يكون معها احد افراد عائلتها وتقلص وجود النساء في اماكن العمل والدراسة والوظيفة بشكل كبير . ومن ملامح تعامل داعش مع المراة انهم سيروا فرقا نسوية جوالة في الاسواق والشوارع لمراقبة النساء ومحاسبة اللواتي يخالفن تعاليم داعش وتشكلت فرق عجيبة من نساء شديدات القوة والبأس باسم ( العضاضات)  تمتاز الواحدة منهن بالشراسة والجراة والالتزام الشديد بتعاليم داعش ومهمة هذه الفرق العضاضة هي مسك اي امراة في شارع او سوق او اي مكان اخر غير ملتزمة ولو يسيرا بتعاليم داعش وعضها عضات متعددة قوية عقوبة لها على فعلها المنكر (؟!) ويقال ان بعض العضاضات تبقي عضاتهن اثرا ماديا ونفسيا في المراة المعضوضة …
ومما فعلته داعش انها منعت محلات تجميل النساء واعدمت طبيبة اسنان لمعالجتها الرجال . هذا اضافة الى ماذكرناه في الجزء الاول من المقالة عن سبي النيساء الايزيديات وبيعهن في الاسواق  واغتصاب الكثير منهن .
وفي الجانب الاخر فان الاسلام العراقي بشقيه السنة والشيعة لم بتصدَّ لاجبار النساء على ارتداء النقاب ولا حتى الحجاب ولم يتعد دوره الوعظ والارشاد والبيان من خلال الخطب والمحاضرات والكتب فكانت المراة العراقية غير المتحجة تسير بحرية وامان في الكثير من المدن العراقية ولا تشعر بالحوف من فرق عضاضة ولا ممن  يجبرها على ارتداء الحجاب ولم تصدر فتوى بمنعها من التسوق او العمل خارج البيت بل انها شاركت الرجل في الكثير من مجالات العمل واعتلت المناصب والمسؤوليات واقتحمت مهنا كانت حكرا للرجال او ذات طابع رجولي من جهة المشقة وطبيعة العمل وحصلت على الشهادات العليا وقادت السيارة وكل ذلك منذ النصف الاول من القرن الماضي . بينما المراة هناك مازالت الى الان تصارع الفتاوى التي تحرم عليها قيادة السيارة مثلا .
ثانيا : الشواهد الحضارية
بعد ان احكمت داعش سيطرتها على مدينة الموصل ونشرت تعاليمها في المدينة بدات مرحلتها الاخرى بتنفيذ ماتراه على الصعد المختلفة ومنها الثقافية بجوانبها المتعددة فاحرقت الاف المخطوطات النادرة الموجودة في الكنائس والجامعات ضمن حربها المستمرة ضد العلم والثقافة وفجرت الكثير من الكنائس ودور العبادة الايزيدية ثم انتقلت الى المعالم الدينية والحضارية فقامت بتفجير مراقد الانبياء والصالحين وهدمت الاثار التي تشهد على الحضارة العراقية العريقة وتعد ثروة انسانية كبيرة وهربت ما تسطيع منها وباعت قسما الى تجار الاثار العالميين وحجة داعش في ذلك ان مراقد الانبياء والصالحين اماكن للاشراك بالله وان وجودها ضد الاسلام وخلافا لاحكامه مما يعني ان تهديمها واجب مقدس وان الاثار شواهد على اقوام وثنية او مشركة ويجب ان تدمر لان استمرار وجودها يعد حربا على التوحيد (؟!)
بينما لم يصدر رجال الدين العراقيون سنة وشيعة فتاوى مشابهة ولم يعلنوا عن تاييدهم للقيام بهكذا اعمال فالثقافة في العراق مزدهرة ولا يعدها الدين شركا والجامعات منتشرة في كل المحافظات والكتب المتنوعة تطبع وتنشر والكنائس ودور العبادة للاديان الاخرى تصدح ترانيمها والعبادات غير الاسلامية تمارس بشكل واضح وعلني من دون فتاوى اسلامية بمنعها بل ان المسملين تبرعوا لحمايتها خلال سنوات الفتنة وبعد تفجير احدى الكنائس المسيحية في بغداد .
اما مراقد الانبياء السابقين والاولياء الصالحين المسلمين فانها مزارات يتبرك بها العراقيون ويصلون فيها من مختلف طوائفهم ويجب حمايتها ويحرم تفجيرها او العبث بها ياي شكل كان .
اما الاثار والشواهد الحضارية المختلفة فلم تكن عند علماء الاسلام العراقيين سنة وشيعة دلالات على الشرك بالله ولا الكفر بل انهم يعتبرونها شواهد على حضارات اقوام سابقة وليست اصنام للعبادة وبالتالي فانها تاخذ صفة التاريخية والسياحية وليست فيها اي صبغة دينية ولا شركية ولم نسمع بفتوى عراقية تحرك البسطاء من الشباب لتفجير مراقد الانبياء السابقين ولا اثار الاولين التي بقيت عامرة مئات السنين حتى حلت داعش بارض العراق وقامت بافعالها الشنيعة .
فشتان مابين الاسلام العراقي والاسلام الجزيري ممثلا بداعش .