23 ديسمبر، 2024 4:25 ص

الاسلاميون قادمون … ولم لا ؟

الاسلاميون قادمون … ولم لا ؟

بغض النظر عما اذا كانت المخابرات المركزية وراء الانقلابات العسكرية في الدول النامية والتي بدأت منتصف خمسينات القرن الماضي كما ادعى البعض ، او هي جزء من حركة التحرر الوطني كما ادعى البعض الاخر ، الا انه من الثابت ان تلك الانقلابات العسكرية خدمت وبشكل كبير مصالح المعسكر الغربي وبالذات الولايات المتحدة الامريكية .
فبعد تسلم البكباشي جمال عبد الناصر السلطة في مصر والعقيد عبد الله السلال في اليمن والعقيد معمر القذافي في ليبيا والزعيم عبد الكريم قاسم في العراق ثم عدد من العسكريين في سوريا واخرهم الفريق حافظ الاسد  ، ثم العقيد علي عبد الله صالح بعد سلسلة من الانقلابات و غيرهم وغيرهم ، تعالى الصراخ والعويل وبدأت مطالب الوحدة العربية وتحرير فلسطين تغزو افكار الجماهير العربية واستعملت الاسلحة الوحيدة وهي الاذاعة والتلفزيون لدحر الاستعمار والامبريالية والصهيونية فيما تواصلت  الطقوس القروسطية  كحرق اعلام الولايات المتحدة واسرائيل في الشوارع ورفع جثث الشهداء فوق الاكتاف والطوفان بها وغزت التصريحات النارية  كل مرافق الحياة في الدول العربية التي تعسكر نظامها .
كل ذلك كان يحصل وبمشهد يكاد يكون يوميا والولايات المتحدة  تنظر اليه مخفية ابتسامتها ، فيما اسرائيل ، عفوا الكيان الصهيوني لئلا نتهم بالعمالة  ، التي تحرق اعلامها وتداس باقدام الجماهير المناضلة جدا، تقتطع الاراضي العربية و تتوسع يوما بعد يوم بل وتتطور لتصبح بمصاف الدول الاوربية على حساب تلك الجماهير التي تتصبب عرقا في مسيراتها شبه اليومية  ولم تكن تعي ماذا تفعل .
اضعفت مطالب الوحدة العربية وتحرير فلسطين اي توجه لتحقيق الديمقراطية في الدول العربية المتعسكرة  اذ اعتبرت هذه المطالب غير ذات اهمية وثانوية يمكن تأجيلها  قياسا بالمطالب الوطنية الكبرى وهكذا ابقيت تلك البلدان خارج عملية التغيير الديمقراطي فنشأت بدلا عن ذلك برلمانات شكلية مهمتها التصفيق للحاكم ثم تطور الامر بحيث اصبح الرئيس هو الذي يمتلك الناس والارض  وسادت نظرية “الجمهوريات الوراثية” لتشمل عدي او قصي صدام حسين العراق ، سيف الاسلام القذافي  ليبيا، احمد علي عبد الله صالح اليمن ،بشار حافظ الاسد سوريا وجمال حسني مبارك مصر  .
لم يحرك المعسكر الغربي الامبريالي ، كما كان يطلق عليه ، بقيادة الولايات المتحدة الامريكية ساكنا وذلك لسببين الاول هو ان اطلاق التصريحات النارية  وتنظيم المسيرات وتشييع الشهداء وغيرها من الاعمال الكارتونية  كان تأثيرها عليه كتأثير دخول ذبابة في انف تيس يستطيع الخلاص منها بعطسة   واحدة ، اما الثاني وهو المهم فأن هؤلاء القادة العسكريين العرب المولعين بقرقعة السلاح والحروب والغزوات ، يقدمون خدمة لامثيل لها للولايات المتحدة من خلال صفقات السلاح مع الاتحاد السوفياتي الذي يغدق عليهم ذلك بدون حساب ودون ان يعي قادة الكرملين من العجائزالقريبين من اسوار المقابر ان كل صفقة سلاح تمنح على الحساب لهذه الدول هي بمثابة مسمار جديد يدق في نعشه .
 بعد سقوط الاتحاد السوفياتي نتيجة العجز الاقتصادي الهائل ولاسيما من جراء صفقات السلاح والسباق على غزو الفضاء بدء عصر القوة العظمى الواحدة ومعها انتهت صلاحية الجمهوريات الوراثية  وآن الاوان لأستبدال انظمة الحكم فيها بأشكال من الديمقراطيات المتواضعة كما وصفها ديك تشيني نائب الرئيس الامريكي السابق بحيث تتناسب وتطور المجتمعات في القرن الواحد والعشرين .
    شكلت عملية تفجير برجي التجارة العالمية في نيويورك بتاريخ  11/9/2001 وقتل ما لايقل عن 3000 شخص  من قبل منظمة القاعدة التي تصف نفسها بالاسلامية نقطة بداية لتحقيق الافكار المصاغة في الدوائر الضيقة في الولايات المتحدة لكيفية شكل الحكم في تلك البلدان التي تتهم  بأنها راعية للارهاب والتطرف الديني والذي يهدد اوربا والولايات المتحدة الامريكية  فخطت خطوتها الاولى بأسقاط نظام صدام حسين بأحتلال العراق عسكريا ، هذا السقوط الذي اعتبر وكأنه انهيار جدار برلين عربي وشكل بداية لسقوط الحجر الاول من احجار الدومينو لتتوالى سقوط الاحجار الاخرى  فبدأ الحراك بعد سكوت طويل  في تونس ثم مصر وليبيا واليمن وسوريا وهلم جرا ولازال الامر مفتوحا على احتمالات  عديدة ومختلفة ستعلمنا بها الايام المقبلة .   
لايمكن البت ان ما يحصل حاليا من حراك وتغيير انماط الحكم في بعض الدول العربية هو تأمر امريكي اسرائيلي على تلك الدول فلايمكن لعاقل ان يستنتج مثلا ان تغيير نظام الحكم في مصر وازاحة حسني مبارك هو لصالح امريكا واسرائيل في الوقت الذي يتعرض فيه خط نقل الغاز من مصر الى اسرئيل للتفجير تسع مرات او في الوقت الذي تهاجم فيه السفارة الاسرائيلية في القاهرة او المطالبة بالغاء اتفاقية كامب ديفيد ، كما لايعقل ان يقال مثلا ان حكم علي عبد الله صالح كان معاديا للولايات المتحدة وهو الذي كان يمتلك اوثق العلاقات مع الاستخبارات المركزية في صراعها ضد تنظيم القاعدة  او ان العقيد القذافي كان معاديا للولايات المتحدة وهو الذي قمع وبكل قوة التنظيمات الاسلامية ، ولكن ما يمكن تصوره هو ان الولايات المتحدة الامريكية  كما استفادت من الانقلابات العسكرية في القرن الماضي فأنها ستستفيد على المدى البعيد من هذه التغييرات التي تحصل في الدول العربية وذلك بتشجيع التنظيمات السياسية الاسلامية  المعتدلة والتي كانت قد حوربت من قبل الانظمة السابقة  للمشاركة في الحكم  وبهذا الشكل يمكن تقليص نفوذ التنظيمات الاسلامية المتطرفة وكبح جماح الانتحاريين الذين يشكلون خطرا على الولايات المتحدة ومجتمعات الغرب.
ان الترحيب الذي قوبل به فوزالاسلاميين المعتدلين ، راشد الغنوشي وحزب النهضة التونسي  ب 90 مقعدا من اصل 217 اي  41% من مقاعد الجمعية التأسيسية التونسية ، ونيل السيد عبد الاله بنكيران وحزب العدالة والتنمية المغربي المعتدل  25% من المقاعد البرلمانية المغربية  والفوز الذي يحققه حزب الحرية والعدالة في الانتخابات المصرية حاليا  الى جانب السلفيين، ان هذا الترحيب من قبل الادارة الامريكية  يدلل بما لايقبل الشك على توجه ورؤية جديدة في السياسة الامريكية في المنطقة .
 لقد بات ضروريا النظر وبجدية تامة الى اللاعبين الحقيقيين الجدد الذين يفجرون الثورات حاليا وهم الشباب والطلبة وفئات شعبية لم تدخل معترك العمل السياسي من قبل فهم الذخيرة التي ستبقى تواجه عمليات الاقصاء والتهميش من قبل من يقطفون ثمار ثوراتهم ولكن وبالرغم من كل شيء فأنه بات ضروريا  القبول بما تفرضه صناديق الاقتراع لترسيخ المنهج الديمقراطي في الحياة العامة كما بات ضروريا ايضا القبول  في اية انتخابات ان يكون هناك تيار اسلامي معتدل ذلك لأن الاسلام السياسي في الحياة العامة في الدول العربية ،التي هي اسلامية ، امر محسوم ولاجدال فيه  ولئلا تتكرر التجربة الجزائرية قبل حوالي العقدين عند اتضح فوز الاسلاميين بالانتخابات فاذ بالجيش الجزائري يقوم بعملية انقلابية لالغاء تلك النتائج فكان ان حصدت الجزائرمئات القتلى وعدم الاستقرار ريثا طويلا من الزمن وبالتالي قويت التنظيمات الاسلامية المتطرفة وزاد مؤيدوها هناك .
      ومما لاشك فيه ان الولايات المتحدة الامريكية ، وهي اللاعب الاول في المنطقة ، تعلم جيدا ان فوز الاحزاب الاسلامية والتي كانت قد قمعت ومنعت من ممارسة اي نشاط سياسي  في عدد من الدول العربية هو امر غير نهائي فقد تتغير النتيجة في الانتخابات المقبلة وهذا ما حصل مثلا بعد الحرب العالمية الثانية حيث ساهمت الاحزاب الشيوعية في اوربا بمقاومة النازية فكان ان حصلت هذه الاحزاب في اول انتخابات بعد سقوط النازية على تأييد الجماهير مكافاة لها على نضالها السابق  فحصل الحزب الشيوعي الايطالي في اول انتخابات في ايطاليا بعد سقوط الفاشية على 23% من الاصوات وحصل الحزب الشيوعي الفرنسي في تلك الفترة على 33% من الاصوات الا ان هذه الاصوات سرعان ما خفتت بعد فترة من انتهاء الحرب . لذلك يمكن الاستنتاج انه قد يكون فوز الاحزاب الاسلامية الحالي  مكافاة لها على نضالها ضد الحكم الاسستبدادي الذي اسقط  ولكن هذه المكافاة سوف لن تستمر في كل فترة انتخابية وسيتم الحكم ايضا على مدى قدرة وامكانية هذه الاحزاب الاسلامية في المساهمة بادارة الدولة وحل عشرات المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والتنموية وعما اذا كانت هذه الاحزاب ستفرض رؤيتها للحكم على باقي الافرقاء ام لا.
ان التيار الغالب في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا يؤكد على ان السبيل الامثل لمحاربة الاسلام ” الارهابي – كما يطلقون على مفجري انفسهم ” هو القبول بالاسلام السياسي  المعتدل وادخاله في المؤسسات العامة للدولة ليكون جزءا منها  وليعمل على محاربة الافكار المتطرفة . وعلى الجانب الاخر يبدو ان الذين انخرطوا بالعملية السياسية من الاسلاميين كراشد الغنوشي في تونس  وعبد الاله بنكيران في المغرب فهموا انه يجب ان يتحالفوا مع غيرهم من الفئات السياسية لقيادة الدولة لأنهم لايمكنهم وحدهم القيام بذلك كما لايمكنهم فرض افكارهم على من يشاركونهم في الحكم  .
 في 8/12/2011 واثناء زيارة السيد جيفري فيلتمان نائب وزير الخارجية الامريكية لبيروت ادلى بتصريحات صحفية قال فيها ان الولايات المتحدة لاتمانع ان تشارك جماعة الاخوان المسلمين في حكم سوريا بعد انهيار الحكم الحالي ، هذا التصريح يدلل بدون ادنى شك على الانفتاح الامريكي على الاسلام السياسي المعتدل ومن مصلحتها ان يشارك في الحكم الى جانب الفئات السياسية الاخرى علما بأن  جماعة الاخوان في سوريا كانت قد وجهت رسائل عبر تصريحات عدد من مسؤوليها انها لا تود اقامة  دولة اسلامية دينية متطرفة  بل المشاركة لتأسيس نظام ديمقراطي في سوريا يقوم على التعددية وحقوق الانسان.