ليس عامة الناس فحسب ، بل ان مراكز دراسات عالمية مرموقة ، صدقت الوهم القائل 🙁 ان احزاب وحركات وتيارات الاسلام السياسي تحضى بتأييد ودعم الأغلبية الساحقة من ابناء الشعوب العربية) .
احد اسباب هذا الوهم هو الخلط بين شيوع ظاهرة التدين (تعاظمت في بداية ثمانينات القرن الماضي ) وبين الاسلام السياسي، وكأن كل من ذهب الى الجامع او ارتدى الحجاب يكون قد انضم الى جماعات الاسلام السياسي.
بعض الانظمة العربية مارست هذا الخلط الغبي مما رسخ هذاالوهم في اذهان الراي العام المحلي والعالمي . ففي العراق مثلا قام النظام الصدامي باعتقال اعداد كبيرة ممن يترددون على الجوامع بتهمة الانتماء لحزب ( الدعوة ) وهم في حقيقة الأمر لاصلة لهم بهذا الحزب لامن قريب ولا من بعيد ، فاشيع وهم كبير عن( كثرة) انصار هذا الحزب.
اما السبب المهم الاخر الذي اشاع هذا الوهم فهو اتساع الماكنة الاعلامية لهذه الجماعات والسماح لهم بالتحرك بحرية في وقت خبت فيه اصوات الاحزاب الوطنية العلمانية .لقد ساهم انتشار هذا الوهم بفوز الاسلامويين في الانتخابات التي جرت في مصر وتونس والعراق حيث قامت اعداد كبيرة من الناخبين المستقلين باعطاء اصواتهم للاسلامويين على قاعدة ( حشر مع الناس عيد ) وكأن لسان حال الناخب المستقل يقول 🙁 مادام الجميع سيعطون اصواتهم للاسلامويين فلماذا لااعطيهم صوتي ) ..
فوز الاسلامويين في عدد من البلدان العربية رسخ هذا الوهم في اذهان الراي العام وضاعت الحقيقة التي تقول ان نسبة اعضاء الجماعات الاسلامية في البلدان العربية ضئيلة جدا ففي مصر يبلغ عدد اعضاء الاخوان المسلمين 300 الف فقط حسب احصاء وزارة الداخلية المصرية اي ان نسبة عددهم الى عدد سكان مصر البالغ 91 مليون نسمة هي 3 من الف تقريبا .. هذا هو حال حزب اسلاموي عمره اكثر من ثمانين عاما وحصل طيلة تاريخه على دعم خارجي واسع ( خليجي وامريكي ) ويملك امبراطورية مالية ضخمة وشبكة مؤسسات خيرية تغري الفقراء بالانتماء اليه ،فكيف اذا حال احزاب اسلاموية حديثة التكوين ليس لها خبرة وامكانية اخوان مصر؟ لاشك ان نسبة الاسلامويين في باقي البلدان العربية اقل بكثير من نسبة اخوان مصر وهذا يعني ان الحديث عن تاييد اغلبية الشعوب العربية للاسلامويين وهم بثه الاسلامويون وداعموهم الخارجيون.
اما قضية (فوز) الاسلامويين ووصولهم للسلطة ، والذي اعتبره البعض دليلا على جماهيرية الاسلامويين فقد اتضحت ثلاث حقائق تنفي هذا الاعتقاد ، وهذه الحقائق هي :
1- ان هذا الفوز لم يكن استحقاقا انتخابيا حقيقيا بل ساهمت فيه عمليات تزويرواسعة مباشرة ( كالتلاعب باوراق الانتخابات وتزويرها ) او غير مباشرة كاستخدام المال السياسي لشراء اصوات الفقراء او ارهاب الناخبين والمرشحين المنافسين ، فضلا عن خداع الناس وايهامهم بان انتخاب الاسلامويين واجب ديني مقدس .
2 – فوزهم جاء بسبب ضعف مشاركة ابناء الشعب في الانتخابات ( بنسب لاتتجاوز الخمسين في المائة ) لاسباب متنوعة ، وهذا الامر جعل لاصوات المؤيدين للجماعات الاسلامية ثقل انتخابي مضاعف.وقد اثبتت ثورة مصر الثانية في 30 تموز ان غالبية (النصف ) الذي لم يشارك في الانتخابات والذي يسميه المصريون ( حزب الكنبه ) هو معارض لسياسات الاخوان المسلمين ولو شارك ( هذا النصف ) في الانتخابات لما وصل الاسلامويون للسلطة ، ويمكن الاطمئنان الى تعميم هذا الاستنتاج على باقي التجارب الانتخابية في البلدان العربية كالعراق وتونس .
3 – ان اغلبية الذين صوتوا لجماعات الاسلام السياسي لم يكونوا موالين لفكرهذه الجماعات بل وبالعكس من ذلك فان اغبية المصوتين للاسلامويين صدقوا ادعاءات الاسلامويين القائلة بانهم تخلوا عن مبادئهم الرجعية المعارضة لمفهوم المواطنة الحديث وللنهج الديمقراطي والمعادية للحريات العامة ولحقوق الانسان وخاصة حقوق المرأة ،ولكن بعد وصول الاسلامويين للسلطة تاكد لاغلبية الناس انهم خُدعوا وان الاسلامويين هم نفسهم اؤلائك اصحاب الفهم المتطرف للاسلام المفترون على الله والذين يعتبرون الوطن مجرد ( رابطة تراب وطين – على حد تعبير قرضاوي ) وان سياساتهم معادية للحريات العامة وان الديمقراطية التي يتشدقون بها لاتختلف عن ديمقراطية ( ملالي ) ايران ..عندما اتضحت حقيقة الاسلامويين انفض الناس عنهم بل ونقموا عليهم .
هذه الحقائق الثلاث تؤكد بشكل قاطع على:
اولا : ان غالبية الشعوب العربية(بما فيها المؤسسات الدينية الرسمية كازهر مصر وحوزة النجف ) معارضة لمشارع الاسلامويين الرامية الى اقامة دول دينية كدولة ( الخلافة ) او دولة (ولاية الفقيه )
ثانيا : ان الشعوب العربية كباقي شعوب العالم تطمح الى اقامة دول مدنية حديثة تصون حرياتها وحقوقها وكرامتها الانسانيتين ولاتقبل باي نظام ينتقص من هذه الحقوق باسم الدين الحنيف .
ثالثا: وجوب التمييز بين ميل المجتمعات العربية للتدين وبين الميل لجماعات الاسلام السياسي، وقد عبرت شابة تونسية عن هذه الحقيقة احسن تعبير حين صرخت ( اننا مسلمون قبل( النهظة) واثناء (النهظة) وبعد( النهظة) – وتعني حزب النهظة التونسي ).
التجربة المصرية لم تضع الاخوان المسلمين في عربة السقوط التأريخي فحسب بل وضعت كل جماعات الاسلام السياسي في نفس العربة ويمكن القول بأطمئنان ان الشعوب العربية مقبلة على صحوة وطنية تكنس خفافيش ظلام الاسلام السياسي كما فعلت شعوب اوربا التي عانت من ويلات تسييس المسيحية ، وكل مانأمله هو ان لا نقدم ضحايا بحجم ضحايا الاوربيين ونحن نعبر الى شواطيء الحداثة والحرية التي سبقتنا اليها كثرة من شعوب الارض .
[email protected]