في دول العالم تقوم مراكز البحث المستقلة بعمليات الاستقصاء من خلال الاستطلاعات وتطبيق مقاييس احصائية لمعرفة توجهات الرأي العام واستقراء نتائج الانتخابات بينما تستطيع مراكز اخرى استنتاج المزاج العام استنادا على مؤشرات سابقة أو معطيات سياسية لتقدير هذه النتائج وفي كلا الحالتين قد تخطئ النتائج أو قد تصيب.
في العراق وبعد الانتخابات التي جرت عام 2005 وكتابة الدستور والاستفتاء عليه ومن ثم اجراء ثلاث دورات من انتخابات مجالس المحافظات والبرلمان بشكل منتظم – رغم ما شاب هذا الدستور وتلك الانتخابات من مثالب واصطفافات طائفية تسببت في صراعات ترتقي الى مستوى الحرب الاهلية – فان التجربة الديمقراطية في العراق التي قامت بعد سقوط الحكم الشمولي وبأسسها الدستورية والقانونية الحالية ومنها الانتخابات من الممارسات الناشئة ويمكن أن تكون مثابة مهمة في بناء الدولة لو تم تشذيبها والاهتمام بحسن ادارتها واستبعاد تأثير القوى المهيمنة على مفوضية الانتخابات أو القانون الانتخابي وهذا ليس ممكنا في الوقت الراهن بسبب أن قوى الفساد والطائفية لها القول الفصل في ادارة الدولة بعد استغلالها للسلطة ومقدراتها وامتلاكها ألاموال الضخمة التي سرقتها من ميزانيات العراق خلال السنوات الماضية.
تابعت على احدى القنوات الفضائية لقاءا مع المفكر والسياسي المخضرم حسن العلوي وقد رسم خارطة لنتائج مابعد الانتخابات القادمة تتلخص في التنافس بين قوتين وكما اسماهما العلوي بالمالكية ومرشحها المالكي واللامالكية ومرشحها أياد علاوي وهذا ما دفعني لكتابة هذا المقال.
هناك عامل مهم لم يأخذه العلوي في حساباته وهو الدور المتعاظم للمرجعية الدينية في النجف الاشرف والذي سوف لن تبتعد كثيرا عن مسؤوليتها في نصح وتوجيه الناخبين في ضرورة المشاركة او دعم قوى معينة قريبة من توجهات المرجعية في اقامة دولة مدنية دستورية عادلة لاتبتعد عن ثوابت الاسلام يتساوى فيها المواطنون بالحقوق والواجبات بغض النظر عن دينهم او قوميتهم أو الطائفة.
بالنسبة لما نضعه من استقراء فانه يفترض اجراء الانتخابات دون حدوث تغييرات دراماتيكية في المشهد السياسي ويستند على معطيات سياسية تمخضت عن الانتخابات السابقة وحركة القوى التي هيمنت على المشهد السياسي ونعتقد فيه أن رغم اختلاف الظروف بين انتخابات عام 2014 -والتي جرت قبل احتلال داعش لثلات محافظات من العراق والتسبب في المجازر والتهجير الذي رافق سقوط هذه المحافظات – والانتخابات القادمة فأن ذلك لن يغيركثيرا من الاصطفاف الطائفي والقومي للبرلمان القادم لكنه سوف يغير موازين القوى داخل التكتلات الثلاثة.
من الطبيعي أن لدولة القانون وأتباع الولاية الثالثة والمالكي سيكون لهم حضور مهم في الانتخابات القادمة او في التحالفات التي تليها وسوف نرى معه قوى مهمة من الحشد الشعبي كبدر والعصائب والقوى الاخرى التي انشقت عن التيار الصدري بتشجيع من المالكي كما ان المجلس الاعلى سوف يتحالف مع المالكي مقابل احتفاظ السيد عمار الحكيم بزعامة التحالف الوطني وسيكون معه من السنة رئيس البرلمان سليم الجبوري وحزبه الجديد المنشق عن الحزب الاسلامي بالاضافة الى من عرفوا بسنة المالكي ومن الكرد كتلة التغيير وجماعة هيرو ابراهيم من الاتحاد الوطني الكردستاني ومعهم الرئيس فؤاد معصوم.
سوف تشهد الايام القادمة افتراقا بين العبادي وقيادات اخرى من حزب الدعوة عن المالكي بعد الصراع بين أتباع المالكي الموالون الاوفياء له ورئيس الحكومة و التصريحات المتبادلة والتي شغلت الرأي العام وآخرها موضوع النقض الذي تقدمت به الحكومة بخصوص فقرات من الموازنة اضافة الى اشتداد الهجمة من الجيش الالكتروني التابع للمالكي ضد العبادي وسياساته خاصة بعد
الانتصارات العسكرية التي تحققت في مدينة الموصل وأعتقد أنه ستكون للعبادي كلمة اخرى في هذا الصراع بعد العودة من الولايات المتحدة وبعد مشاركته في القمة العربية القادمة في عمان.
سوف يتحالف مع العبادي التيار الصدري وعدد كبير من وزراء حكومته وعدد من القادة العسكريين بعد تقاعدهم حين الفراغ من الحرب مع داعش والذين أصبح لهم حضورا جماهيريا وكتلة (مستقلون) القريبة من المرجعية وشخصيات من التحالف الوطني وشخصيات سنية وربما يكون معه قوى الحزب الاسلامي وسيكون حليفه السيد مسعود بارزاني والحزب الديمقراطي الكردستاني اضافة الى قوى منشقة من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وأحزاب اسلامية كردستانية.
واذا تمكن العبادي من العودة الى دائرة قبول المرجعية من خلال فتح ملفات الفساد الكبيرة وتفعيل مذكرات القبض على كبار الفاسدين من المسؤولين السابقين والتحلل من أي التزام قطعه لحزبه او لسواه عند تسلمه رئاسة الحكومة – ان حصل ذلك فعلا- فسيكون يكون له حضور مهم قد يعيده بقوة لولاية اخرى في رئاسة الحكومة سيما وأنه يحظى بقبول دولي وأمريكي ورضا اقليمي وعربي.
بالنسبة للسيد أياد علاوي فسوف يخوض الانتخابات مع قائمته الوطنية الليبرالية والتي سوف تخلو من القوى الاسلامية السنية هذه المرة ولكنه سوف يحقق انجازات في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب أفضل مما حققه في انتخابات 2014 التي شهدت توجها مضادا لقائمته وميولا لكتلة اخرى تقمصت التوجهات الليبرالية.
سيكون المرشح لرئاسة الوزراء من القوى الثلاث أعلاه وليس بالضرورة أن يكون زعيم الكتلة فيها فلربما يظهر مرشح تسوية من احداها يحظى بالمقبولية وخصوصا ان لم يحقق احد الزعامات فوزا واضحا و قبولا وطنيا ومرجعيا وكما حصل في انتخابات 2014.
اما القوى الليبرالية والمدنية الاخرى فلن تحقق اكثر بكثير مما لديها الان بسبب ضعف اداؤها البرلماني خلال هذه الدورة وعدم تحقيقها شيئا لناخبيها وربما يحقق الحزب الشيوعى بضعة مقاعد في بغداد والوسط والجنوب في ظل قيادته الجديدة.
بالنسبة للقوى السنية أو قوى مؤتمر أنقرة فسوف تحتفظ بنفس حضورها الحالي في الانتخابات وتنتظر القائمة الفائزة من القوائم الثلاث أعلاه للمساومة والحصول على أكبر عدد من المناصب ضمن المحاصصة التي سوف تحكم البلد في ظل النظام الانتخابي الحالي أما ما يسمى بحكومة الاغلبية السياسية فهو مجرد شعار لاعادة تدوير جهات سياسية فشلت فشلا ذريعا في ادارة السلطة بسبب الفساد وروح الهيمنة والاقصاء مع الافتقار للحنكة والحكمة والخبرة ومقومات القيادة في بلد بحاجة الى رجال مفكرين مخلصين مضحين يعملون لبناء دولة وليس حكم عوائل ومحسوبية وحزبية تقصي الكفاءات وتقرب من تشاء من الاتباع والاقارب والاصدقاء من الموالين فقط لشخص القائد الضرورة.
هذا مجرد استقراء لواقع سوف لن يتغير كثيرا الا اذا قرر العراقيون ذلك – وهذا مستبعد الان – أو شاءت أمريكا أن تغير قواعد اللعبة في العراق وفي كل الاحوال تبقى الأبواب مشرعة لكل الاحتمالات.