18 ديسمبر، 2024 8:08 م

الاستفتاء ومسمار جحا

الاستفتاء ومسمار جحا

عندما دعا السيد مسعود بارزاني الى تنظيم استفتاء تمهيدا لاعلان الاستقلال، فقد انطلق من طموح شخصي بزعامة تاريخية لشعب يبحث عن دولته المنتشرة بين دول متعددة في المنطقة. ورغم ان التاريخ لا يشهد بوجود دولة قومية خاصة لهذا الشعب الا امارات محدودة هنا وهناك لم تجمع شتات هذا الشعب ابدا ولو لفترة قصيرة بل كلها كانت بين امارات قبلية صغيرة او محاولات لتأسيس دولة فشلت سريعا واخرها جمهورية مهاباد.
الا ان تنامي الشعور القومي لدى شعوب كثيرة في القرن العشرين ترك اثره ايضا على هذا الشعب وجعله يعيش الحلم الكردي كما هو الحلم العربي وكلاهما لم ولن يكتب له الظهور على الاقل لعقود طويلة مقبلة اذا لم نزد على ذلك.
دعوة السيد مسعود بارزاني كما غذتها الاحلام الشخصية فقد رفدتها الخلافات السياسية الكردية الداخلية واستعجلت اطلاقها لاحراج منافسيه امام الشعب الكردي وكان ذلك جليا يوم الاستفتاء فقد وجد اكثر معارضي بارزاني تطرفا انفسهم في موقف محرج رغم ادراكهم لعدم جدوى الاستفتاء واجبروا على الذهاب الى صناديق الاقتراع. الا ان هناك سببا اخر سنبينه اخر المقال وهو السبب الحقيقي.
كان بارزاني فرحا جذلا باستفتاءه ورغم كل الاعتراضات الحكومية والتحذيرات الاقليمية الا انه ابدى اصرارا غريبا وعنادا كبيرا. واظهر تجاهلا للمحكمة الاتحادية وصنف هو وحزبه واتباعه قرارات المحكمة بانها مسيسة ولا تمثل المرجعية القانونية في حالة حدوث خلاف بين اطراف سياسية او غيرها. وحين اجري الاستفتاء وبدأ الرد الحكومي الصادم الذي لم يكن يتوقعه احد باستعادة جميع المناطق والمنافذ الحدودية وفرضت الحكومة الاتحادية سلطتها في كركوك وهروب محافظها المقال الذي دعا للتصدي ولقتال الجيش الاتحادي ظهرت الصدمة على بارزاني وفقد توازنه الداخلي لوهلة وظهر خواءه، الا ان ذلك لم يمنعه من عدم التراجع الجذري عن خطأه وظل حتى اللحظة يناور ويلعب لعبة الوقت لتمرير احلامه.
هذا الاصرار البرزاني ظهر اليوم في تصريحات نيجيرفان بارزاني بعد صدور قرار المحكمة الاتحادية بعدم دستورية الاستفتاء رغم المظهر المخادع باحترام قرار المحكمة الاتحادية فقد قال ضمن كلامه ما يشير الى الدور الخطر الذي تلعبه ادارة بارزاني في صنع الفوضى في العراق. قال: إن “المحكمة الاتحادية قررت عدم دستورية استفتاء استقلال كردستان وهذا القرار تم بطريقة أحادية بدون حضور ممثلي كردستان. وهذا هو اول التشكيك بالقرار الا ان هذا التصريح قد لا يؤخذ على محمل الجد وقد يفسر على انه تبرير موقف للتراجع، الا ان كلامه الاسترسالي هو الاشارة الخطرة التي تنبه الى ان الاستفتاء لم يكن مشروعا بارزانيا بل هو مشروع خارجي لصنع حالة من عدم الاستقرار في العراق. قال وبالحرف الواحد: قناعتنا هي اننا بحاجة الى طرف ثالث لتنفيذ الدستور ومواده بشكل كامل وهو المجتمع الدولي.
هذه القناعة والدعوة لرفض قرار المحكمة الاتحادية بجعل المجتمع الدولي هو الطرف الثالث والمرجعية تدعو الى جعل العراق تحت الوصاية الدولية والغاء اي دور لمؤسساته الدستورية. هذه دعوة صريحة الى الغاء سيادة الدولة العراقية وجعله مادة لاطراف خارجية. وهذه القناعة ليست كلاما صدر اليوم من نيجيرفان بارزاني، بل هذه هي معدن حقيقة اصرار مسعود بارزاني على اجراء الاستفتاء والتي لم تأتي من العناد الكردي ولا من طموحات شخصية وحسب، بل كانت وراءها اطراف خارجية تدفعه ولا تزال ماضية في دفعها الى المضي قدما في مشروعه الانفصالي. هذه الاطراف التي تلعب لعبة اقليمية خطرة في المنطقة ابرزتها الاحداث الاخيرة في السعودية ولبنان هي نفسها التي تمد بارزاني بالقوة والعناد وترسم له خريطة طريق التعامل مع الحكومة العراقية الاتحادية وتمنيه بتحقيق احلامه. ما ظهر اخيرا من اعلان صريح للتعاون بين السعودية واسرائيل ضد العدو الايراني الذي لم يكن مفاجئا بل مسيرا تدريجيا متصاعدا في لعبة المحاور هو صورة اخرى للعبة الاستفتاء وان هذا الحلف الجديد سيجعل من قضية الاستفتاء مسمار جحا للدخول الى العراق مجددا، لانه هو من يمده بقوة الثبات في الجدار العراقي ماديا ومعنويا.
قلع المسمار من جذوره هو الحل الوحيد للفوضى الجديدة يريد ان يخلقها الحلف الجديد في العراق ودعوات نيجيرفان بارزاني لتدخل المجتمع الدولي هي ليست دعوة لهذا الحلف بالتدخل بل هي توطئة حقيقية لهذا الحلف بالدخول الى العراق وستتبعها خطوات اخرى ما لم تلقى ردا صادما كما كان الرد بفرض سلطة القانون الاتحادي في كركوك وكل المناطق المشتركة. اقلعوا المسمار والا ان جحا الصهيوني بمعية بن سلمان سيجعلون السكن في هذا البيت جحيما جديدا.