جرى يوم امس الاستفتاء على الدستور المصري الذي شرعه الاخوان المسلمون واعتبرت طريقة تشريعه قمة الديمقراطية في تحقيق العدالة السياسية والاجتماعية واماني الشعب المصري وانه الدستور الامثل للبلاد .. بدليل تصويت الاغلبية من السكان بنعم عليه ..وهو ادعاء اعتبرته الشرائح اللبرالية والمتمثلة بالعديد من الاحزاب والنقابات والاكثرية الساحقة من الهيئات القضائية ومعظم وسائل الاعلام وهي النخبة المثقفة … بان هذا الادعاء ادعاء باطل وجريمة كبرى بحق الشعب المصري ..وقد سبق أن بينت بأن الاعتماد على الغالبية في هذا المجال في عالمنا العربي هي فكرة خاطئة حيث أن الاكثرية الساحقة والتي قد تمثل اكثر من سبعين بالمائة من الشعوب العربية غارقة في الجهل المطبق وهي لا تفهم في الامور العادية المتعلقة بالحياة العامة والتعامل مع بعضها البعض فكيف يكون بامكانها أن تتفهم أمور معقدة مثل القوانين التي تتطلب الاختصاص فيه.. فطرح مثل هذه القضايا على اناس جهلة فيه هو التفاف وسرقة لا رادة هذه الشريحة العريضة من ابناء الشعب ..دون وعي منها .. فهي ستعطي صوتها من خلال ارادة الاخرين .المتبرقعين بعباءة الدين الذي يؤمن به غالبية الشعب المصري ويخضعون لشرائعه وفروضه التي يستنبطونها ويتمسكون بها من خلال الوعظ والارشاد ايام الجمع وفي اوقات الصلوات ويعتبرونها هي المنبع الصحيح لدينهم…. الذي يؤمنون به ويعتبرون رجال الدين هم الصفوة المنزهة التي لا ياتيها الباطل من جميع جوانبها… ولا يمكن أن تثور حولها الشكوك التي تنطق بالحق والمعبرة عن ارادة الله وسنة رسوله والمفسرون لايات قرأنه الكريم بالشكل السليم…. مما يجب أن يلتزم الشعب بكل توجهاتهم وينفذ مطالبهم كي يتحقق رضا الله عليهم ويكونوا في مأمن من عقاب الله ومصيرهم المحتوم في نار جهنم يصلون فيها سعيرا .. إن هم عصوا وخالفوا رأي هذه الصفوة من رجال الدين .. فهذه الشريحة الكبرى من الشعب المصري فاقدة للادراك والتفكير السايم .. فلو صاح الجزار في قطيع من الاغنام هل توافقون على ذبحكم فهم ليس بمقدورهم فهم شيئا مما يقوله لهم الجزار وإنما سيصيح معظمهم ((( ماع ))) فيقول الجزار لقد قالوا نعم لان من مصلحته أن يفسر اصواتهم الجماعية هذه بكلمة نعم لكي يذبحهم ويبيع لحومهم فيكسب ارباحا انية له مع انها قد تصيح(( ماع )) طلبا للعشب او لشرب الماء أو تنادي لبعضها البعض .. بينما قد تكون من مصلحة الراعي الذي يريد أن يستمر برعيهم لتكثير اعدادهم بتوالدهم فيفسر صياحهم ((ماع )) بكلمة لا —لايوافقون على الذبح … وهكذا الحال بالنسبة لاستفتاء الشعوب الجاهلة التي لا تعرف شسئا عما يعرض لها فتذهب للتصويت بدافع التدين ومراعاة لدعاوي رجال الدين وتكفير من لم يصوت لصالحهم .. فالاستفتاء عملية خاطئة لا يمكن أن تستقيم بين الشعوب الجاهلة فقد تصح في المجتمعات الواعية والمنضوية برمتها داخل منظمات المجتمع المدني التي يمكنها أن تقود فصائل الشعب وتكون وكيلة حتى على الجهلة من الناس فتحدد لهم المواقف ولكن ليس تحت ظل حكم الفصيل الواحد الذي هو صاحب السلطة الدينية التي لا يمكن باي حال من الاحوال أن تكون جهة سياسية تقوم على الاساس الديني الذي يؤمن به غالبية الشعب المصري فتنعدم بذلك حرية الاختيار إذ يكون الاختيار بين الجنة والنار… وهو أمر مرفوض ولا يساتقيم داخل المجتمع المدني الذي يجب أن تكون المنافسة على اساس الايديولوجيات الفكرية والنشاطات الاجتماعية بعيدا عن السطوة الدينية التي تسيطر على الناس فتمنعهم من مخالفتها حتى لو كانت خلال اراداتهم أو حقيقة تطلعاتهم فيكون مثلهم كمثل قطيع الغنم يذهب بارادته الى حتفه .. وتكون معارضته معارضة لشرع الله ومن يعارض شرع الله فقصاصه الحد او القتل بتهمة التكفير .. وسوف لن يشعروا بخطأ تصويتهم بنعم إلا بعد فوات الاوان ورؤيتهم بقاء احوالهم دون تحسن وأن من صوتوا لهم لم يقدموا له شيئا مفيدا بل زادوهم ضغطا وقهرا وايغالا في التخلف .. فشريحة اللبراليين مهما ارتفعت درجة ثقافتها لايمكنها أن تقف في وجه التيار الديني وإلا اتهمت هي الاخرى بالكفر والزندقة وهي حالة قد تتفرد فيها الدول العربية التي اعتمدت النشاط السياسي في سيطرتها على شعوب المنطقة على الوازع الديني الذي لا تتجرأ أي جهة سياسية مخالفة التصدي لها… فقد اختارت الامبريالية العالمية السلاح المناسب لضرب كل القوى الوطنية المتنورة والقضاء على مراكز القوى فيها…. حتى اذا استتب الامر للتيارات الدينية في الحكم التفّت عليها وكشفت حقيقة خفاياها اللا دينية امام الرأي العام… ونشرت جميع جرائمهما التي تورطها فيها باسم الدين وتغض الطرف عنها في الوقت الحاضر… بل وتشجع الكثير منها على ارتكاب الجرائم الشنيعة … فتلطخ ايديها بالالاف من ابناء وطنها بجرائم بشعة خارجة عن المقبولية البشرية كما فعلت مع صدام في موضوع المقابر الجماعية التي كان لها اليد الطولى في دفعه لارتكابها… ثم تخلت عنه وتركته وحيدا في الميدان .. غير أن القوى اللبرالية في مصر لها ثقلها الثقافي والاجتماعي والسياسي والتاريخ الطويل في العمل الوطني مما قد يخلق الكثير من العقبات أمام التيارات الدينية التي لازالت تلاقي مقاومة شديدة مع كل الدعم الشعبي التي توظفه لدعمها بكل الوسائل التي تهيئها لها الامبريالية العالمية والبذل المادي الخرافي الذي تعجز عن توفيره جميع القوى اللبرالية لشراء الاصوات الشعبية ودفعها كقطعان الاغنام للتصويت على هلاكها واغراقها في بحور الرجعية والتخلف تحقيقا لمصالحهم الشخصية في دعم كارتلاتهم ومؤسساتهم الاقتصادية باعتبارهم اصحاب الوفرة المالية الكبرى في مصر والعالم العربي .. والناس غافلون غير مدركين لحقيقة هذه الفئات التي اخفت رؤوس اموالها وشركاتها تحت يافطة الشعارات الدينية مزيفة ارادة ومصالح الشعب الحقيقة ..مغتصبة لا صواتهم بالتمويه والخديعة وكل الخصال التي يرفضها الدين الاسلامي الحقيقي ….!!!!