23 ديسمبر، 2024 1:07 م

الاستعارة كوسيلة للأنتاج الروائي / محمد حسن علوان في (القندس)

الاستعارة كوسيلة للأنتاج الروائي / محمد حسن علوان في (القندس)

التقطتْ قراءتي المنتجة منظومة واسعة من الاستعارة التي انجبل منها الكائن الروائي : (القندس)

فالمدينة تبدو للسارد (كأن قندساً كبيراً هائلا يحركها من الاعلى وبخيوط خفية…/27) ..ستتوقف قراءتي عند تنويعات استعارة القندس .

(*)

نول الاستعارة / نسيج النرواية…

*السعادة في الرياض نحوكها مثل دمية قماش ../74

*المصباح المعلق في السقف يمكن ان يتحول الى إمراة مضيئة في أي لحظة، تنزل الى جسدي وتطعمه قليلا../99

*شيخة مصنوعة من طين الرياض../111

*الاب حقل شائك…/113

*غالب غربال يعجز عن اقتناء اللحظات الثمينة وغالب رف لايملك خيارا فيما يوضع عليه/ 134

(*)

جغرافيا الفضاء الروائي من شطرين :

*بورتلاند حيث يقيم غالب

*الرياض : والد غالب ووالدته وشيخة زوجة والده واخوته وأخواته وخاله بالرضاعة داود وثابت الذي هو بمنزلتين موظف عند الاب والسارد الثاني في الثلث الثالث من الرواية..عفريت الرواية يقيس المسافة ،،قبل ان يرتد اليك بصرك،، ، فالبطل هو يتأمل جريان النهر في بورتلاند ،تطلُ (نافذة الغرفة على الرياض../27)..(صارت رحلتي ..لصيد السمك تشبه إسراءً الى بيتنا في الفاخرية../28 ).(كلما لمحته يخطر من بعيد تراءت لي ملامح الناصرية والمربع /29 ) ..

(*)

القدنس :هل استعارة استوردها المؤلف من بلاد الانهار والمطر والثلج وروّج لها في مدن الملح ؟..لنستمع الى غالب..(في حياة أخرى كان جدنا الاكبر قندساً ولاشك لو أني أكتشفت ذلك مبكراً لوفرت على نفسي عمراً من التعب والشجار والغضب والعقوق والسخرية ، لكن ما ادراني ان ثمة حيواناً يشبهنا في النصف الاخر من العالم…/28) هل لأسباب اعلامية، لم يظهر القندس في بيئة غالب..(لم يظهرفي الرياض) وسبب غياب القندس : عدم الاحتفاء الثقافي والاعلامي بالقندس..(حيث لاتقام له المهرجانات ولاتلصق صورته في الميادين../38)..لكن النأي قرّب غالبا من القندس ،فأستعمله مفتاحا

لفك شفرة العائلة..(كان عليّ ان أنتظر أكثر من أربعين سنة حتى أفهم عائلتي وأنا أصيد السمك على ضفة ولامنت واقتسم التمر مع قندس../38) وبين القندس وعائلة غالب مشتركات في الهندسة الوراثية وهذه المشتركات ذات ازدواج قيمي :

*ستظن العائلة أنه لطيف ومتعاون..

وهذا مايظهر على سطح رؤية العائلة ،لكن عبر الماء سيطفو المشترك الجواني لعائلة غالب

*ولكن بجاجة الى نهر وضفة ليكتشفوا مثلي اننا سرقنا جينا خفيا من جيناته القديمة وخباناه في أرحام جداتنا البعيدات،فصرنا عائلة قلقة وحذرة، فظة وباردة، ونفعل كل ماتفعله القنادس تماما../40

لكن هل يبقى القندس قندسا كما هو في بورتلاند، اذا تبيىء في بيئة ضديدة لبيئته؟..يجيبنا على ذلك غالب..(سيتغير حالما تحقنه الرياض حقنة التفاضل فيقرر ان يتحول الى مخلوق ليس هو ويسألنا المساعدة في ذلك../39) ستقوم عائلة غالب بفرمتة القدنس كما يفرمت الحاسوب وبالتراتبية التالية :

*ياخذه سلمان معه الى النادي الرياضي

*تسلخ نوره ومنى فراءه البني مثلما تفعلان بسيقانهما وأذرعتهما

*يصطحبه أبي الى المكتب ليعلمه أصول التجارة الحذرة ويكسبه مهارات العمل الجاف بلا راحة

*تقهيه عمتي فاطمة من دلتها الكسولة المليئة بالحسرات

*تأخذه بدرية الى بيتها ليلهو به أولادها الذين يلهون بكل شيء ويسأله زوجها عن واسطة..

وبالمقابل سيلوّح القندس بمفاتيح شفراتهم المغلقّة ويرفع الاغطية عن تمظهرات العائلة :

*يفسّر لهم سبب تدّين بدرية المفاجىء بعد الاربعين

*هروب منى الذي حطم جزءاً لايستهان به من السد

*سيجعل نزعات نورة الطارئة تبدو منطقية ومعقولة

*يمنح عمتي فاطمة املا في حياتها المنطفئة بجوار الموقد

*يساعد سلمان في الوصول الى ماسعى إليه طويلا

*يكمل الكثير من الفراغات في حكاية أبي وأمي

من خلال هذه الخطوط المتوازية بين القندس وعائلة غالب ،هناك الفاصل العلاماتي بينهما :

(1) نأكل من طعام واحد ، لاعلى طاولة واحدة

(2)نقيم تحت السقف نفسه ولكل منا نوء مختلف

(3) نحتفل بنفس الاعياد ولكن ابتساماتنا متنافرة

(4)عائلتي بكماء في ما بينها ، ثرثارة في محافل الآخرين

(5) نختر فضائحنا بكتمان رهيب حتى لايعرف أحدنا ماذا يُحاك في الغرفة الثانية

(*)

قسوة المكان العام مشروطة بنظام كونفورمي ينطوي على عنفوان ..من حيث قدرته على تحتّم وتوجيه سلوك الافراد الخاضعين له، والنظام هذا ،لا يمارس عنفوانه عبر وسائل مادية، بل من كونه يمثل مجموعة من القواعد التي تدخل بعفوية تامة بالتركيبة النفسية العامة من خلال التنشئة،فيرافق التحولات الطارئة على الإنسان في عملية انسلاخه التدريجي عن الحالة الطبيعية وعن وعيه بضرورة تقييد خياله وسلوكه ضمن اطار أسس معينة يقوم عليها الانتظام الاجتماعي برمته – حسب الدكتور محمد الدروبي / الكونفورميا وانظمة الوعي – وفي هذا الصدد يخبرنا غالب كشخصية رئيسة في الرواية وبأسلوب استعاري ان الموطن موطوء تحت سنام المدينة ، والاستعارة اشتقاقية من المكان الصحراوي في الاصل وسنام الرياض يحيلنا الى سنام الجمل..(فهمنا من الرياض انها الهضبة التي تتسنمها..لاتحترم إلاّ الاشياء الكبيرة والقندس يعرف ان النهر في جريانه لايحترم إلاّ السدود العظيمة هكذا قررنا ان نكون عائلة كبيرة رغم قلة عددنا أعتمدنا على ضخامة ذواتنا وعلو أسوارنا وكثرة سياراتنا والشارع الذي يحمل اسمنا والمسجد الذي بنيناه في حينا../42)..

(*)

الاتصالية الأم بين عائلة غالب والقندس هي :القلق…(وحده القلق الذي أبقى بيننا العهد وجعل كل مابيننا كعائلة مجرد عهد../41)..ومن هذه الاتصالية تتفرع اتصاليات متضافرة كالجديلة ..(مثلما ان الطوبة الخائنة قد تهدم البيت وتهتك الأسرار.لايأمن القندس العيش إلاّ تحت الجذوع التي راكمها بنفسه ولايسكن أبي في بيت مستأجر لأنه مضيعة للعمر ومهلكة للمال بينما البيت الذي يبنيه بنفسه أكثر راحة وأطول عمراً وأغلى ثمنا وأحرى بالبركة…) السارد هنا يستعير للأب صفات القندس ..ومن هذه الاستعارة يمنح لنفسه فيزا استثنائية ..(كان بيتاً سداً لاينقصه ُ إلاّ رائحة التمر. أشعر وأنا واقف أمام سد القندس أنني أملك الحق وحدي دون بقية السياح بأن أطرق الباب وأدخله . سأجد نفسي هانئا في بيت شبيه خلف تلك الكومة المتراصة من الاغصان والفروع مثلما لو أنني اخذت القندس الى الرياض لعاش في بيتنا منسجماً مع كل شيء وكأنه ولد فيه…/ 39)…

(*)

هناك استعارة النقلات في المكان وليست خارج المكان فالأب له نقلات القندس الجوانية..(قلب أبي في الرياض في كفه أكثر من ستين سنة ولم يتجاوز الأحياء الثلاثة مثل القنادس التي لاتفارق سدودها إلاّ لتبني سدوداً مجاورة../157)..وكأن القندس ايضا يستعير عمارة عمل الانسان بصيغة الاب ..(…ولكن هذا لم يكن دافع دهشتي الوحيد بل لأنه يبني سده على طريقة أبي ويغيّر مجرى التيار ومسار النهر وشكل الغابة مثلما يغيّر أبي أسم الشارع ويشكك في اتجاه القبلة ويطرد عزاب الحي ويختار الجذع بنفسه مثلما يختار أبي الطوب والقرميد مستسلمين لغريزتهما التي تقول ان الجذع الخاطىء يهدد عائلة القنادس..)..والأب دون دراية منه قام بإخصاء قنادسه (القندس الذي يسافر كثيراً لايكتمل سده وهم لايتحملون رؤية قندس عارياً ودون سد ، ولكن على أبي ان يتحمل غلطته الاصلية عندما بنى سداً كافياً

للجميع حتى نسينا جميعاً لماذا نحن قنادس وتورط هو في هويتنا الضائعة../135- 136) والعمة فاطمة بسبب البوح والعنوسة والترمل استعارت هيئة..(قندس لايعتمد عليه ولايوكل اليه قرض الاشجار ولاجمع الجذوع ولاحتى رعاية الصغار وينتظر الجميع أن يغرق في النهر قريباً../200) وهذه العمة سيوظفها غالب كسارد ثالث ستحكي العمة من ذاكرة العائلة.

(*)

.مفردة قندس بمرور الزمان ستتكبد ازياحا يوصلها الى استعارة آيروسية..(مجلة القندس الكندية الشهيرة غيرت أسمها العريق الذي اشتهرت به طيلة تسعين عاماً لأن كلمة قندس أصبحت شوارعيا تستخدم لوصف عضو المرأة…/280)

(*)

بين غالب والقندس : ماء جار ستنبجس منه حكاية الرواية..(كتوأمين جمعتهما الاقدار صدفة نختار من حكايتنا أقربها نسباً للنهر../29) وسيتعرض غالب الى اشكالية الكتابة كيف سيكتب اهله والكتابة مهددة بالاخصاء..(لهذا كانت مغامراتي عصبية وفاشلة عندما حاولت ان أكتبهم ونكصت كتابتي على الاعقاب .سيقرأ القندس مابقي من أوراقي ويشهد اني أردت ان اقول مالم يقله احد منهم من قبل في مدينة لاتحب ان تبوح بالحكايات ولاتحب ان تسمعها أيضاً ولهذا اسقطتني بين فكيها لتمضغني قليلاً ثم تلفظني الى حيث أنا الآن محاصر بالنهر البارد الذي يطرح قنادس حقيقية…/44) ماسرده ثابت على غالب في الثلث الثالث من الرواية، تشظت مشاريع غالب فيه..(فكرتُ أنه سيكون مشروع كتاب ثم مشروع رواية ثم موسوعة وفي غمرة الجنون وجدت فيه بذرة صالحة لمعارضة سياسية مؤثرة/273)لكن هذه التشظية مبأرة بجرحه النرجسي (يجعل غادة تندم على تفريطها فيّ وأعتناقها رجلا..)

(*)

يبدو ان الكتابة معلقة تعليقا فينوميولوجيا، كتابة مرجئة، مقصية/ مخصية ، والكتابة تحيلني الى المكان والمكان يحيلني الى المكين وهذا النسق الثلاثي: الكتابة — المكان —– المكين = الاخصاء

(كتبتُ كثيراً في بحث مثقوب عن مدينة لن تمنحني أعترافها ابدا…/ 275)..يبدو أيضاً ان المرأة أكثر شجاعة…ستنشر وردة الصولي كتابها (الأوبة) وهي مذكرات فتاة سعودية هاربة من الرياض كما ستنثر صبا الحرز روايتها (الآخرون) وينشر مبارك الدعيج رواية( المطاوعة)..وقبلهم نشرت سمر المقرن روايتها (نساء المنكر) ونشرت دراستي عنها في 2008عنها عبر موقع (الناقد العراقي)

———————————————————————————————–

*محمد حسن علوان / دار الساقي / بيروت – لندن / ط1/ 2011

*محمد الدروبي/ وعي السلوك – الكونفورميا وانظمة الوعي/ دار كنعان/ دمشق/ ط1/ 2004