بدا التوتر في العلاقات بين اميركا وحلفائها من جهة وبين روسيا الاتحادية من جهة أخرى بعد مؤتمر ميونيخ عام 2007، اذا القى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطاباً اكد فيه على ضرورة قيام نظام عالمي جديد، نظام التعددية القطبية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المستقلة وغير ذلك، مما اثار ذلك حفيظة وعدم ارتياح قادة البلدان الرأسمالية المتواجدين في المؤتمر بشكل عام والامريكان بشكل خاص، لان القيادة الاميركية تسعى للحفاظ على نظام القطب الواحد وتحت قيادتها ووفقاً لمصالحها وفي كافة المجالات. (1).
ان النظام الراسمالي العالمي قد عاني ويعاني وسيعاني من ازمات عديدة وشاملة وهذه الازمات تحمل طابعاً بنيويا وعجز قادة هذا النظام في وضع معالجات جذرية لهذه الأزمات المتكررة، بل استطاعوا التكييف مع هذه الازمات ولكن (( نجح)) قادة هذا النظام في معالجة جزء من ازماته عبر اشعال الحروب غير العادلة ضد الشعوب وعبر حجج عديدة بهدف تصريف جزء من ازمته والاستحواذ على ثروات الشعوب وتقاسم العالم بين الدول الامبريالية. انها حروب غير عادلة وهي شكل من أشكال البزنس وفي كافة الميادين بهدف تعظيم الربح. (2).
يعد نهج اللاتوازن في العلاقات الدبلوماسية والسياسية… نهجاً غير مقبولاً وخاصةً من قبل القيادة الاميركية بدليل وصف الرئيس الاميركي جون بايدن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على انه (( مجرم، جزار، قاتل…)) وكان رد الرئيس الروسي بوتين لبايدن اذ قال (( نتمنى له الشفاء)). (3). ان هذه المواقف السياسية تتعلق بالدرجة الأولى بثقافة المسؤول وثقافة المجتمع. وكما صرح بايدن على ضرورة تغيير النظام في روسيا الاتحادية. (4)، وكما طرح مارك ميلي رئيس هيئة الأركان للجيش الاميركي، ان الحرب الاوكرانية تقاد وتوجه من قبل البنتاغون اي انه يقود الحرب الاميركية — الاوكرانية ضد روسيا الاتحادية وكذلك يعني هذا التصريح مشاركة اميركا في هذه الحرب وكما اكد ميلي يجب قطع رؤوس الجنود الروس ولن نعطيهم راحة للنوم. (5).
يؤكد وزير الدفاع الأمريكي اوستين، لن نسمح لروسيا الاتحادية ان تنتصر في حربها ضد اوكرانيا وسوف نقدم كل اشكال الدعم والاسناد الى اوكرانيا وكما طالب بارسال نحو 17 مليون من الذخيرة الحية للجيش الاوكرايني. (6). يؤكد بعض اعضاء الكونغرس الأميركي نحن نقاتل الروس عبر دعمنا المالي والعسكري للنظام الاوكرايني وبنفس الوقت لن نقدم اي خسائر بشرية في حربنا ضد روسيا الاتحادية، وكما يشارك هذا الرأي وزير الدفاع الهولندي.( 7). يؤكد بولتين المستشار السابق للرئيس الاميركي ترامب، ان هدف الحرب الاوكرانية هو تدمير وتخريب الدولة الروسية وتصفية النظام الحاكم في روسيا الاتحادية وخاصة تصفية الرئيس الروسي بوتين. (8).
تخاطب فيكتوريا نولاند مساعدة وزير الخارجية الأميركي نتنياهو وتقول له، لو ابعدت بوتين من اوكرانيا سوف نمنحكم جائزة كبرى، نوبل كبرى.( 9). ويؤكد ليخ فالنسيا الرئيس السابق لبولونيا عن الحرب ضد روسيا الاتحادية اذ قال: انها الفرصة السانحة لتصفية الحساب مع روسيا الاتحادية والعمل على تفكيكها وتصفيتها كدولة. (10). وكما يؤكد شولز: لن نسمح لروسيا ان تنتصر في حربها ضد اوكرانيا. ( 11).وكما يؤكد جوزيف باريل مسؤول العلاقات الخارجية في دول الاتحاد الأوروبي: لا محادثات مع روسيا الاتحادية، بل الحسم العسكري معها هو الحل.(12).
نعتقد ان هذه التصريحات وغيرها من قبل كبار المسؤولين في اميركا ودول الاتحاد الأوروبي وغيرهم لا تتصف بالدبلوماسية وهي تعكس اللاتوازن في العلاقات الدبلوماسية الدولية وكما تعني ايضاً انها منحازة للنظام الحاكم في اوكرانيا ومعاداتها العلنية للنظام في موسكو وهي تكرس(( لمبدأ)): انصر اخاك ضالما او مضلوما؟ . وهذا يتعارض مع القيم التي يتبناها قادة النظام الراسمالي العالمي ومنها: الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان..؟.
قدمت اميركا وحلفائها في الناتو ودول الاتحاد الأوروبي منذ عام 2014 ولغاية اليوم كل اشكال الدعم المالي والعسكري للنظام الحاكم في اوكرانيا: من ارهابين \ مرتزقة، خبراء عسكريين وأسلحة حديثة مضادة للطائرات والدبابات وارسال الدبابات والمدرعات العسكرية ومعلومات عسكرية عبر الاقمار الاصطناعية حول حركة الجيش الروسي وكذلك تم تقديم نظام الباتريوت الحديث وكلفة كل نظام نحو مليار دولار وتم تدمير اول جهاز وصل إلى اوكرانيا من قبل الجيش الروسي ولم يتم بعد من تقديم الطائرات الحربية من نوع: اف-16، اف -15… وهي الان موضع نقاش من قبل اميركا والناتو بخصوص ارسال هذه الطائرات الحربية الحديثة نسبياً ام لا الى اوكرانيا؟.
نعتقد، ان جميع هذه الاسلحة الحديثة والخبراء العسكريين والارهابيين والمرتزقة الاجانب… وحتى لو تم تسليم الطائرات الحربية سوف لن يغير شيئ من واقع الحرب الاميركية – الاوكرانية ضد روسيا الاتحادية، لان روسيا الاتحادية متفوقة في جميع المؤشرات على اوكرانيا ومنها: السكانية والاقتصادية والعسكرية…، ان استمرار الدعم المالي والعسكري للنظام الحاكم في كييف لن يغير شيئ بل يطيل امد الحرب وبالتالي يتكبد الشعبين الشقيقين الاوكرايني والروسي خسائر بشرية وخاصة الشعب الاوكرايني، وان النظام البنديري الحاكم في اوكرانيا سوف لن يحقق اي نصر عسكري على روسيا الاتحادية وهذا ما يدركه جيداً قادة الغرب الامبريالي والنتيجة معروفة ليس لصالح زيلينسكي وفريقه في نهاية المطاف وهذه هي الحقيقة الموضوعية.
يلاحظ التناقض الواضح وازدواجية المعايير لدى قادة البلدان الرأسمالية بشكل عام والقيادة الاميركية بشكل خاص، اذ يؤكدون هؤلاء القادة نحن لم نقصف الأراضي الروسية ولن نتدخل في الحرب مع روسيا الاتحادية وان سلاحنا يتم استخدامه من قبل الجيش الاوكراني وهو من يقوم بقصف القرم، جمهورية دانيسك ولوكانسك وزابوروجيا وخرسيون على اعتبارها ارض اوكرانية محتله من قبل روسيا الاتحادية. (13). انهم يدركون وبشكل كامل ان القرم وجمهورية دانيسك ولوكانسك وزابوروجيا وخرسيون قد اصبحت ارضا روسية وفق الشرعية والديمقراطية، اذ تم اجراء الاستفتاء والانتخابات لهذه الجمهوريات والأقاليم وصوت شعوب هذه المناطق بنسبة اكثر من 90، بالمئة لصالح الانضمام لروسيا الاتحادية وتم ذلك وفق الدستور الروسي. وماذا يقول هؤلاء القادة عن كوسوفو؟.
ان العداء للشعب السوفيتي — الروسي شكل ولا يزال يشكل العداء ذو الصفة التاريخية من قبل الغرب الراسمالي بدليل يصرح بعض المسؤولين في الادارة الامريكية، ان اي عضو في الكونغرس الأميركي لا يصوت لصالح قرار دعم واسناد زيلينسكي، يعني هذا انتصارا لبوتين وللنظام الديكتاتوري في موسكو وقتل الديمقراطية وان مساعدتنا الى اوكرانيا هي من اجل الحرية. (14). ان هؤلاء يتذكرون جيداً في الثمانينات من القرن الماضي قالوا اننا ندعم ونساند تنظيم القاعدة على انهم (( مناضلين من اجل الحرية)) هذه هي ازدواجية المعايير، او الكيل بمكيالين.
يشير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ان الغرب يهدف للتدخل في الشؤون الداخلية لبلدنا من اجل تفكيك روسيا الاتحادية وبالاعتماد على عملاء النفوذ والطابور الخامس… في المجتمع الروسي وهؤلاء هم من الاغنياء ( الاوليغارشية الروسية)، وان اموالهم وعقاراتهم في الخارج وولائهم للغرب وليس لروسيا.( 15). وكما يؤكد ايضاً، ان الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة لمحاربة روسيا حتى اخر جندي اوكرايني. (16).
يؤكد المحلل السياسي في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السابق لاري جونس،ان الجيش الروسي قد دمر ( سحق) الجيش الاوكراني الذي تم تدريبهم في اميركا وبعض دول الناتو خلال 9 سنوات الماضية. (17). اكدت الوقائع وعلى الأرض ان هذه التدريبات العسكرية لن تجدي نفعاً بالشكل المطلوب وفق رؤية القادة العسكريين في البلدان الراسمالية والسبب الرئيس يعود إلى قصر الفترة الزمنية وكذلك مشكلة اللغة الاجنبية التي لا يعرفها الجنود الاوكراينين من اجل فهم المعلومات اضافة الى ذلك اختلاف نمط التدريبات العسكرية في الدول الراسمالية. وخير دليل على ذلك هو فشل الهجوم العسكري الاوكرايني ضد الجيش الروسي للمدة حزيران \ 2023 — اكتوبر \2023 وتكبد الجيش الاوكراني خسائر كبيرة في العدة والعدد واعترف بذلك قادة البلدان الرأسمالية ومنها اميركا.
يشير بيان اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الروسي الصادر بتاريخ 21\2\2022 اذ وضح (( تعتمد واشنطن على اثارة توترات متزايدة في العلاقات الروسية — الاوكرانية وان هدف السلطات الاميركية ومن يشاطرها الراي لندن… هو ابعاد اوكرانيا وبشكل نهائي عن روسيا الاتحادية والعمل على استنزاف روسيا كلياً… وان واشنطن تنفذ خطة متعددة الجوانب بهدف ابعاد اوكرانيا وشيطنة روسيا واضعاف اوربا… وان مهمة تحرير اوكرانيا من ديكتاتورية اليمين القومي الفاشي هي مهمة الشعب الاوكرايني… وان مهمة اجتثاث النازية في اوكرانيا يجب أن تصبح الشغل الشاغل للمجتمع الدولي)). ((18)).
ان من اهم المحاور الرئيسية للاستراتيجية الاميركية في الحرب الاوكرانية بالضد من روسيا الاتحادية تكمن بالآتي :
1- العمل على تفكيك روسيا الاتحادية ومن الداخل وبالاعتماد على (( حلفائها — اصدقائها)) في السلطة والمجتمع من امثال جوبايس وكوزيروف وخدركوفسكي وكوخ…، وكذلك الاعتماد على ما يسمى بمنظمات المجتمع المدني و(( صناعة)) ما يسمى بالثورات الملونة والانقلابات الحكومية ذات الطابع الفاشي.
2- عدم السماح لروسيا الاتحادية من تحقيق النصر العسكري على اوكرانيا.
3- لدى واشنطن وحلفائها اطماع اتجاه روسيا الاتحادية حول ثرواتها الطبيعية ( نفط ، غاز…) بهدف الاستحواذ على هذه الثروات من اجل تصريف جزء من ازمة نظامهم المازوم بنيويا ولو لفترة محدودة.
4- فرض الحصار الاقتصادي والمالي والدبلوماسي والسياسي والثقافي والرياضي… اذ وصل عدد الحصار اكثر من 17 الف نوع من انواع الحصار وهذا لم يحدث في التاريخ الحديث والهدف الرئيس منه يكمن في اثارة نقمة الشعب الروسي على قيادته والعمل على زعزعة الأمن والاستقرار في البلد. وعمليا فشلت هذه الاستراتيجية اللاشرعية واللاقانونية واللاانسانية والمخالفة للقانون الدولي الإنساني.
5- العمل وبشكل مستمر ومنظم وعلني في تقديم الدعم المالي والعسكري.. للنظام البنديري \ الارهابي في اوكرانيا وكذلك السعي لجر روسيا الاتحادية الى سباق التسلح من جديد.
6- العمل ووفق الامكانيات المتاحة لدى الادارة الامريكية بعدم التقارب بين روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية وفي كافة المجالات وخاصة في المجال الاقتصادي والعسكري وعمليا فشل ذلك، بل الذي حدث هو العكس تماما.
نعتقد، ان الاستراتيجية الاميركية قد ادخلت اميركا وحلفائها والناتو في مأزق حقيقي وخطير وسوف تفشل اميركا كما فشلت في فيتنام وافغانستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال. المستقبل القريب سيكشف لنا مفاجآت كثيرة حول ذلك؟